24-يناير-2018

لم تكن فداء سمار تعرف أنها تملك موهبة ستستوقف الكثيرين حولها، وتترك علامات الدهشة والإبهار مرسومة على ملامحهم. فمن الرسم بأوراق الشجر والعشب إلى الرسم على ثمار اليقطين وحبيبات المكرونة، وفي رسم الوجوه والشخصيات بصورةٍ كاملة، وبأكبر الجدرايات، تفردت فداء بموهبتها التي ظهرت منذ وقت مبكر.

لا يصعب على فداء سمار أي نوع من الرسم

كانت فداء طفلة في التاسعة من عمرها، عندما حملت إبرة وخيطان وحاكت أول قطعة فنيّة مطرزة باسمها، لكن الأمر لم يجذب اهتمام عائلتها كثيراً في البداية، كونها أتقنت فن التطريز الشعبي الذي لا يكاد يفوت يدي امرأة  فلسطينية.

فداء سمار ابنة اليامون في جنين ترسم بأوراق الشجر، وعلى ثمار اليقطين، وتنحت على الخشب، وترسم جداريات وشخصيات

هل ما زلت تحتفظين ببعض قطعك المطرزة؟ سألنا فداء خلال حديثنا معها فأجابت: "بالتأكيد، ما زالت أول قطعة طرزتها محفوظة لديّ. ورغم أن فيها بعض الأخطاء لكنها تعني لي الكثير، وكنا نتبادل في الابتدائية أنا وصديقاتي القطع التي نطرزها بأسماءِ بعضنا".

أولى رسومات فداء سمار كانت قبل أن تكمل 9 أعوام

اقرأ/ي أيضاً: صور | خالد زياد.. كومكس في غزة

لم تبق ضيفتنا، ابنة بلدة اليامون قضاء جنين، أسيرةً لفنٍ وحيد دون غيره، فسرعان ما اجتذبها النحت على الخشب، وكانت أول منحوتة نفذتها تظهر مدينة القدس محاطة بالجنازير والسياج، وتعلو سماءها علامة النصر، وهذه أيضاً ما تزال مُعلقة في بيتها منذ 20 عاماً.

إلى جانب الرسم، أتقنت فداء سمار النحت على الخشب أيضاً

أما في النحت فسرعان ما بدأ يظهر تميزها عن قريناتها، إذ ابتكرت تقنية جديدة عن طريق الخشب، تقوم على استثمار جذع الأشجار، وتحديداً إطارها الخارجي الذي يتم التخلص منه، فجمعته وصنعت به طريقة لعمل لوحة فنيّة. تقول إنها كانت تبلغ آنذاك 13 عاماً،  وعندما رأت معلمتها عملها قالت لعائلتها "هذه الفتاة موهوبة ولديها أفكار متميزة".

حتى تلك اللحظة، لم تلفت موهبة فداء اهتمام عائلتها كثيراً، رغم أنها تجاوزتها إلى رسم الشخصيات، وذات مرة رسمت صورةً للرئيس الراحل ياسر عرفات، وعلقتها في صالون البيت. تقول: "جاءنا أحد الضيوف وعندما شاهد الرسمة طلب شراءها لشدّة إعجابه بها، قلت له لا بل أُهديك إياها، وبعدها رآها عنده أحد المسؤولين في محافظة جنين وسأل عن صاحبتها، ومن هنا بدأت حكايتي مع الرسم خارج البيت".

رسمت فداء سمار لوحة مميزة للرئيس الراحل ياسر عرفات، وكانت هذه بداية حكايتها مع الرسم خارج البيت

شاركت فداء في مختلف المبادرات التطوعية لدعم القضية الفلسطينية، ومنها قضية الأسرى، والقدس، وحق العودة، وكان ذلك في مرحلة دراستها الثانوية التي انبثق عنها قرارها بالدراسة في كلية الفنون في رام الله، وهو القرار الذي واجه رفضاً عائلياً.

اقرأ/ي أيضاً: 7 أفلام فلسطينية وصلت العالمية

تخبرنا فداء أن والدها رفض التخصص أولاً، ثم رفض ذهابها للدراسة في رام الله؛ واشترط كلية "غير مختلطة"، لكنها أصرت على قرارها حتى كان لها ما تريد، فانطلقت إلى رام الله لتكون طالبة على مقاعد الدراسة في كلية الفنون الجميلة.

لم تستغرق فداء وقتاً طويلاً حتى جعلت اسمها علماً في كلية الفنون، وكان ذلك إثر صُنعها لوحة عن الفنان العالمي بيكاسو بطريقة فنية غير متوفرة، إذ لجأت إلى ورق الشجر والبسكويت وأعدتها عن طريق الحفر والطباعة، وعندما رأتها أستاذتها أنكرت أن تكون هي صاحبة الرسم، فما كان منها إلا أن أعادت تنفيذها مرة أخرى أثناء المحاضرة، فدعت كافة أساتذة الكلية لتريهم اللوحة.

رسمت فداء سمار بورق الشجر والبسكويت لوحة عن الفنان العالمي بيكاسو، أثارت دهشة أساتذتها في كلية الفنون بمدينة رام الله

تقول فداء: "لم أكن أعرف أن ما أقوم به عمل إبداعي ويصعب عمله، كانت الفكرة تحتل تفكيري فأقوم بتنفيذها وتنساب بين يدي كالماء بسلاسة وسهولة، وأما تلك اللوحة فما زالت في الجامعة تتحدث الأجيال عنها".

فور تخرجها عملت فداء كمعلمة فنون في عدد من المدارس الخاصة، تقول: "درست خمس سنوات بالمدارس وفزت على مستوى 30 مدرسة بلوحة (كفر عقب أجمل بلا مخدرات)، وفي أحد معارضي زارني وزير التربية والتعليم وأشاد بموهبتي وشبهني بالفنان بيكاسو".

من أرشيف رسومات فداء سمار

وفداء العازفة عن الزواج، تقول إنها "تزوجت طموحها"، وقد بلغت سن 35 عاماً، لكنها لم تحصل على وظيفة ثابتة بعد، تقول: "طرقت كل الأبواب ولم يساعدني أحد، الكل يشيد بوهبتني لكن لا يبادر لمساعدتي".

وتذكر فداء إحدى تجاربها "الصعبة"، عندما رسمت على جدار الفصل العنصري عام 2013، فتعرضت ومن معها لإطلاق نار وقنابل غاز من قوات الاحتلال، ما جعلها تغادر دون أن تُكمل الرسمة.

والزائر لبيت فداء، يُفاجأُ بكمية اللوحات في المدخل، كما أن غرفتها تحولت لمرسم يضم 200 لوحة مُعلّقة على الجدران، ناهيك عن اللوحات المكدسة في الدواليب وتحت الأسرّة، فلا يمر يوم إلا تبتدع فيه لوحة أو لوحتين على الأقل.

أقامت فداء سمار حتى اليوم 20 معرضاً أحدها على دوار المنارة في رام الله، وثلاثة منها في الأردن، وليس لها عمل ثابت

وكانت فداء أول شابة تنفذ معرض شارع على دوار المنارة في رام الله، يوم 18 أيار/مايو من عام 2014، أعطته اسم "معرض شوارع العودة"، وقد أثار استغراب المارة واهتمامهم. وبحلول عام 2018 تكون فداء قد أقامت نحو 20 معرضاً منها ثلاثة معارض في الأردن.

اقرأ/ي أيضاً: جيجي حديد.. الجمال في مواجهة الاحتلال

ولدى فداء قدرة على الرسم خلال دقائق معدودة بتقنية سريعة، فتقسّم عملها لخمس أو سبع لوحات أكبر فأصغر؛ الأمر الذي ترك في داخلها أمنية بالمشاركة في أحد برامج المواهب.

تقسم فداء سمار عملها لخمس أو سبع لوحات أكبر فأصغر

وفي آخر عمل لها، رسمت فداء على جدار مدرسة بنت الأزور جدراية بطول 7 متر، تمثل القدس في قلب خريطة فلسطين ملونة بألوان العلم. تصف تجربتها ضاحكة: "عندما ركبت الرافعة لأرسم من الأعلى انتابني شعور بالخوف، لكن سرعان ما اجتزته وانغمست بالرسم".

أنجزت فداء جداريتها في يوم ونصف، لمدة 7 ساعات في اليوم، تقول إن أصعب ما فيها كان الرسم على الحجارة القديمة، مشيرة إلى تلقيها اتصالاً هاتفياً من مكتب الرئاسة يهنئها على إنجازها، بعد أن علمت الرئاسة بالأمر من وزير التربية والتعليم.

جدارية مدرسة بنت الأزور

اقرأ/ي أيضاً: 

في غزة.. صناعة الممثلات زراعة في أرض بور

تذكار يوثق اللحظات السعيدة

صور | سهرات طربية بالعود والكمنجة في غزة