06-يوليو-2019

من خلف شاشة هاتف فقط، يُمكن للطفلتين لمار وميار (6،4 أعوام) التعبير عن حجم اشتياقهما لجدتهما المقيمة في مدينة الخليل، ولم يسبق لهما أن التقيا بها، فيما تواري جدتهما دموعها عن عدسة الكاميرا وتكتفي بالدعاء: "إن شاء الله بتزوروني وبحضنكم عن قريب يا ستي".

لمار وميار ابنتا الأسير المُحرر خالد طه، وهو من مبعدي صفقة "وفاء الأحرار"، ولدتا في قطاع غزة، ولم تحظيا منذ رؤية النور بضمة حضنٍ واحدةٍ من جدتهما أم خالد (62 عامًا)، أو حتى نيل قبلةٍ دافئةٍ من عماتهما وأعمامهما، فهما ممنوعتان من السفر نتيجة "قرارٍ أمنيٍ" أصدرته السلطة الفلسطينية، بينما جدتهما وبقية أفراد العائلة ممنوعون من السفر خارج الضفة الغربية بقرار من الاحتلال الإسرائيلي.

السلطة الفلسطينية ترفض إصدار جوازات سفر لذوي أسرى محررين، ما يحرم أطفالاً من الوصول لذويهم في الضفة

"أنا ما بدي جواز سفر وما بدي أسافر، لكن ما ذنب أطفالي في حرمانهم من حضن جدتهم وأعمامهم وزيارة منزل والدهما الذي وُلد وترعرع فيه؟ وما ذنب زوجتي في حرمانها من زيارة أهلها" يقول طه.

اقرأ/ي أيضًا: انقسام القضاء يسلب آباءً وأمهاتٍ حضانة أطفالهم

ويضيف، "بعد رفض طلبي بالحصول على جوازات سفر لبناتي وزوجتي، وكَّلت شقيقي المقيم في مدينة الخليل لتقديم أوراق المعاملة من طرفه في محاولةٍ ثانية، إلا أن جهاز المخابرات احتجزه عدة ساعات وصادر الأوراق الثبوتية، قبل أن يخبره أحد عناصر الجهاز: أخوك وبناته وزوجته ما إلهم جوازات سفر وممنوعين بقرار أمني من فوق".

الطفلتان لمار وميار

ويُبين طه أنه تواصل مع العديد من "الشخصيات الوازنة" في مدينة الخليل، مثل رئيس بلدية الخليل تيسير أبو سنينة وبعض قيادات حركة فتح من أصدقاء العائلة، طالبًا التوسط لدى جهاز المخابرات لرفع الحظر عن جوازات أطفاله وزوجته، إلا أن الردود جاءت دائمًا "مرفوضون أمنيًا".

مشكلة المحرر طه ليست الوحيدة، فالأسير المحرر في الصفقة ذاتها أيمن أبو عمرو (42 عامًا) يعاني من مشكلة أكثر تعقيدًا، فهو يحاول منذ قرابة ثلاثة أعوام الحصول على جوازات سفر لأطفاله الثلاثة -أصغرهم توأم بعمر السابعة– ووالدتهم، إضافة إلى أبناء شقيقه الثلاثة الذين يعيشون في كفالته في مدينة غزة بعد استشهاد والدهم.

يقول أبو عمرو: "مرض والد زوجتي مرضًا شديدًا قبل وفاته، وحاولت زوجتي (أمها) بكل الطرق الحصول على جواز سفر يمكنها وأطفالها من السفر إلى مصر ثم إلى الأردن وصولاً إلى الضفة الغربية لإلقاء نظرة الوداع عليه، إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل".

ابنة شهيد سافرت من غزة للضفة للدراسة، ثم رفضت السلطة تجديد جواز سفرها وبقيت بعيدة عن أمها وستتزوج دون حضورها

لم تتوقف معاناة أبو عمرو هنا، فقد سافرت إحدى بنات شقيقه الشهيد حازم إلى مدينة الخليل للزيارة والدراسة، وعند محاولتها العودة إلى مدينة غزة للعيش مع أشقائها، رفضت السلطة الفلسطينية تجديد جواز سفرها ما اضطرها للعيش في مدينة الخليل مع عماتها وجدتها.

اقرأ/ي أيضًا: أطفال ضحايا لوالديهم.. ما هو مصيرهم في دور الرعاية؟

يتابع أبو عمرو، "ابنة أخي الآن خطبت وهي تستعد للزواج، وزوجتي تحاول الذهاب إلى هناك لحضور عرسها والوقوف إلى جانبها في الإعداد لتجهيزات الفرح إلا أنها لا تستطيع ذلك بكل أسف".

أيمن أبو عمرو مع أطفاله

وأضاف، "حقيقة لا أدرى لماذا هذا الحرمان، أنا تاجر مواد غذائية وأستورد بضائع من الداخل المحتل ومن الضفة الغربية والجميع يعرف طبيعة عملي، فلماذا نعاقب بهذه الصورة؟ يتساءل أبو عمرو، ثم يعود ليجيب نفسه بنفسه: "لدي شعور أننا نعاقب لأننا أسرى محررون فقط".

تواصل أبو عمرو مع أحد المحامين لمتابعة القضية، إلا أن المحامي اعتذر بعد شهرٍ واحدٍ عن القضية "نتيجة تعرضه لضغوط من جهاتٍ لم يسمها". ثم طرق أبو عمرو، باب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ليعود الرد عليه بالقول: "مشكلتك سياسية للأسف".

الهيئة المستقلة أبلغت أسرى محررين أن رفض إصدار جوازات سفر لهم هو "مشكلة سياسية"

يقول: "أولادي نفسهم يزوروا أعمامهم وعماتهم اللي هما ما بعرفوهم أصلاً ولا عمرهم شافوهم على الطبيعة، نفسهم يزوروا بيتي اللي انولدت فيه بالخليل واللي أنا ما زرته من 20 سنة كنت فيهم في السجن".

أبناء أيمن أبو عمرو مع أبناء شقيقه

الترا فلسطين التقى بأسرى محررين آخرين يعانون من المشكلة ذاتها واستمع لشكواهم، إلا أنهم رفضوا نشر أسمائهم على أمل أن تنجح جهود بعض الوسطاء في إيجاد حل لمشكلات أطفالهم قبل اللجوء إلى وسائل الإعلام.

السلطة: منع أمني وليس سياسي

نقلنا الملف إلى طاولة مدير عام الجوازات والجنسية في رام الله سلطي الريموني، الذي بدوره نفى بشدة حرمان أطفال فلسطينيين من الحصول على جوازات سفر، قائلاً: "هذا غير مقبول، ممكن يكون في خلل في الوثائق أو ما شابه".

وأضاف الريموني، أن المنع الوحيد للأطفال من الحصول على جواز سفر يكون بناءً على رغبة الوالد، وذلك في حالات الخلاف الزوجي والطلاق، تخوفًا من سفر الأطفال مع والدتهم دون علم والدهم.

الريموني طلب منا إرسال قائمةٍ بأسماء الممنوعين لإجراء الفحص عليها، وبالفعل أرسلنا قائمة تضم أسماء اثني عشر شخصًا بينهم سبعة أطفال دون الـ 16 عامًا.

في صبيحة اليوم التالي جاء الرد: "بالفعل هناك منع أمني، لقد أجريت فحصًا لبعض الأسماء التي وصلتني وتبين أن عليها منعًا أمنيًا"، لكنه رفض الإفصاح عن سبب المنع، معللاً الرفض بأنه ليس من اختصاصه.

مدير عام الجوازات أكد لـ الترا فلسطين وجود منعٍ أمنيٍ على إصدار جوازات سفر لأسرى محررين، ورفض الإفصاح عن السبب

 سألنا مجددًا، وماذا عن الأطفال، فردَّ الريموني بالقول: "لما يكون في مشكلة عند الوالدين أعتقد أن الطفل لن يستطيع السفر وحده عبر المعبر".

وتابع، "منع إصدار جواز سفر لأي مواطن لا يتم إلا في حالاتٍ معينةٍ كالتزوير، أو ارتكاب جريمة قتل، أو صدور أمر قضائي، حينها يوصي الأمن بإيقافها"، نافيًا بشدة أن يكون الانتماء السياسي سببًا لذلك.

وأضاف أن حالات إيقاف إصدار جواز سفر لبعض المواطنين نادرة، "ونحن لا ننكر أن هناك إشكالات ما زالت باقية من آثار الانقسام لكنها حالات ليست كبيرة".

وأشار الريموني إلى أن الأجهزة الأمنية تتصرف "بناءً على وجود حالةٍ معلوماتيةٍ مثبتة"، وتتصرف تبعًا للمصلحة العامة والأمن المجتمعي.

وشدد الريموني على "اتباع الشفافية" في إصدار جوازات السفر، مضيفًا، "الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان تراجعنا في حال حدوث أي إشكالية، ونحن بدورنا نطلعهم على أسباب المنع وندرس معهم إذا ما كانت هذه الحالات تستدعي الفك أم لا".

مخالف للقانون

الحقوقي بكر التركماني، منسق الشكاوى والتحقيقات في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، قال إن حرمان مواطنين فلسطينيين من الحصول على جواز السفر يعد انتهاكًا للقانون الأساسي الفلسطيني والمعاهدات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان التي التزمت بها فلسطين.

وأكد التركماني عزم الهيئة تقديم كشفٍ جديدٍ يتضمن أسماء المواطنين الممنوعين من الحصول على جوازات السفر لرئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتيه، في محاولةٍ جديدةٍ لمساعدتهم وحل مشكلتهم العالقة.

وينص القانون الأساسي الفلسطيني على أن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة وواجبة الاحترام، كما أنه لا يجوز تقييد حرية أي مواطن بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر قضائي وفقاً لأحكام القانون.


اقرأ/ي أيضًا: 

مُغتربات في غزة.. لا شفاء من البُعد

في غزة.. الحبل السُري يلُف "مجهولي النسب" بالمجهول

غزة: زوجات مغتربين بين تضييق الأهل ونار الشوق