05-أكتوبر-2018

في مشهدٍ تاريخي، عم الإضراب الشامل  فلسطين التاريخية، من بحرها إلى نهرها، وشمل المؤسسات الحكومية، التعليمية، التجارية والمواصلات، وذلك رفضًا لقانون القومية اليهودية الذي تم تمريره في الكنيست الاسرائيلي في تموز الماضي. وجاء الإضراب بناءً على دعوة لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل، والقوى والفصائل الوطنية الفلسطينية في الضفة والقطاع والشتات، حيث تم اختيار الأول من أكتوبر للإضراب، وذلك في الذكرى الثامنة عشرة للانتفاضة الثانية، حين سقط 13 شهيدًا من فلسطينيي الداخل.

أعاد الاضراب العام الذاكرة الفلسطينية، للإضرابات التي خاضها الشعب الفلسطيني في مسيرته النضالية

أعاد الاضراب العام الذاكرة الفلسطينية، للإضرابات التي خاضها الشعب الفلسطيني في مسيرته النضالية من عشرينات القرن الماضي، والإضراب الشهير عام 1936، والانتفاضتين، حيث بدت شوارع فلسطين خالية من المارة، باستثناء الانتشار العسكري الإسرائيلي، والشبان الفلسطينيين الملثمين يرجمون جنود الاحتلال  بالحجارة، في منظر يعيد الذاكرة الوطنية  لأيام الانتفاضة  الأولى، وتحديدًا  إضرابات  التاسع من كل شهر. وفتحت  الإذاعات، والفضائيات الفلسطينية موجات  مفتوحة، بثت فيها  الأغاني الوطنية التي تعود لزمن الانتفاضة الجميل، وبثت برامج عن المشروع الصهيوني، وعن الحركة الوطنية الفلسطينية وتضحياتها، بعد غياب هذه البرامج  والأناشيد الوطنية، بفعل الكثير من الأسباب،  حيث سيطرت مواضيع جديدة على النقاش الفلسطيني العام .

اقرأ/ي أيضًا: عن حل الدولتين وحتمية النضال ضد الاحتلال والعنصرية

شكل الإضراب الشامل، ردًا وطنيًا فلسطينيًا جامعًا، على قانون القومية اليهودية الذي ينفي الوجود المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني، كمقدمة لإلغائه، عبر إعادة إنتاج الادعاء الكاذب بالصلة التاريخية لليهود في فلسطين. ولكن الالتزام الفلسطيني الكبير والطوعي من قبل كل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، جاء ليؤكد أن فلسطين وشعبها غير قابلين للقسمة نهائيًا، وأن الشعب الفلسطيني مستمر في نضاله، وأن تناقضه الحقيقي مع الاحتلال وليس التناقضات الداخلية، رغم ما أصاب الحالة الفلسطينية  من تراجع في العقود الماضية، حيث اعتقدت  الحركة الصهيونية، وأداتها إسرائيل، أن التقسيمات الجغرافية والسياسية، التي وزعت الشعب الفلسطيني على الشتات، الضفة، القطاع  والداخل قد تؤدي إلى تفتيت الشعب الفلسطيني وطمس وتشويه هويته الوطنية، إلا أن الاضراب الوطني الكبير، قد شكل ردًا قويًا على صفقة القرن، وعلى قانون القومية اليهودية وكل مشاريع التصفية التي تتعرض لها القضية الفلسطينية، وحمل رسالة الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده أنه باقٍ وموحد ولن يتخلى عن وطنه مهما بلغت التضحيات، ومهما طال الزمن .

تخشى إسرائيل من أن إضراب الأول من أكتوبر، قد يشكل بداية لمرحلة نضالية جديدة  من المواجهة المفتوحة مع المشروع الصهيوني

تخشى إسرائيل من أن إضراب الأول من أكتوبر، قد يشكل بداية لمرحلة نضالية جديدة  من المواجهة المفتوحة مع المشروع الصهيوني، حيث أعاد الاضراب إحياء الوعي الوطني الجمعي المقاوم. فمشاركة فلسطينيي الشتات ستكون فاتحة فعاليات وطنية ميدانية للتمسك بحق العودة ورفضًا لمحاولات إلغاء وكالة الغوث ومشاريع التوطين التي تطرحها الإدارة الأمريكية. كما  أن مشاركة القدس المحتلة في الإضراب، يجسد الرد الفلسطيني المقدسي حول هوية المدينة الفلسطينية، ورفض التهويد، كما مشاركة باقي مكونات الشعب الفلسطيني سواء في الداخل اوالضفة والقطاع؛ التي تؤكد وحدة فلسطين الجغرافيا والشعب، خاصة أن الاضراب تزامن مع محاولات تهويد الضفة الغربية وتطبيع الحياة مع المستوطنين والاحتلال وسلخ القطاع نهائيًا عن الوطن بعد عزل  بالمستوطنات والجدران.

وتزامن الإضراب أيضًا مع محاولات حثيثة أمريكية - إسرائيلية للتطبيع مع الدول العربية، وإقامة تحالف عربي إسرائيلي في مواجهة إيران، مما دفع رئيس الحكومة الإسرائيلية للتفاخر بعلاقاتٍ سريةٍ وأخرى علنية مع قادة وزعماء عرب ومسلمين لدولٍ لا تقيم علاقات سلامٍ مع إسرائيل .

رغم تراجع الحركة الوطنية الفلسطينية في السنوات الماضية، من فشل سياسي، وانقسام، والذي برز من خلال التساؤلات عن الإضراب وجدواه، ورغم تقسيمات أوسلو والجغرافيا، إلا أن النجاح العظيم للإضراب، يعيد ثقة الشعب الفلسطيني بنضاله وكفاحه الوطني، ويؤكد أن شعبنا حي ولم يمت، وقادر على قلب الطاولة على رؤوس أصحاب مشاريع التصفية والتطبيع.


اقرأ/ي أيضًا:

فشل مسار التسوية .. فشل مسار المفاوضات

في النسيان.. الذاكرة والجسد

إسرائيل تستخدم دعاية رخيصة وفعالة عالميًا