06-يوليو-2019

يُعتبَرُ فن "الفيديو آرت" خطًا فاصلاً بين الفن التشكيلي والسينما، يخضع للتجريب دون قوالب جاهزة للعمل الفني، فهو فنٌ تصويريٌ حديث اعتمدته الفنانة التشكيلية رفيدة سحويل في معرضها "مواجهة"، كأحد أدوات الفن المعاصر، ضمن مشروع روابط معاصرة الذي ينفذه محترف "شبابيك"، الدائرة الفنية للاتحاد العام للمراكز الثقافية، بدعم من مؤسسة عبد المحسن القطان عبر منحة مشروع الفنون البصرية نماء واستدامة.

الفنانة رفيدة سحويل مع عدد من زوار المعرض

وجدت الفنانة رفيدة مساحة ممكنة لتحريك أفكارها الفنية عبر صورةٍ تحقق التفاعلات الزمانية والمكانية في التفاصيل اليومية، تجمع بين الصوت والصورة، والرؤية الفنية الواقعية، عبر إيقاع حكاياتٍ متناغمةٍ ترفض العنف والاضطهاد، وتشجع الروح الإنسانية بشموليتها لتنهض من أعماقها.

الفنانة رفيدة سحويل من غزة استخدمت في معرضها "مواجهة"، الفيديو آرت، كأفق بصري مفتوح ليمكنها من رؤية القضايا الاجتماعية اليومية

استخدمت الفنانة المقيمة في مدينة غزة "الفيديو آرت" كأفقٍ بصريٍ مفتوحٍ ليمكنها من رؤية القضايا الاجتماعية اليومية.

عرضت الفنانة سحويل، 12 قضية، فكل فيديو يحمل فكرة مختلفة عن الأخرى، مستخدمة الموسيقى التعبيرية لترسخها في ذهن المُشاهد وتحرك وجدانه عبر مفاهيم بصرية تتحول من بذورٍ فكريةٍ كامنةٍ إلى سردٍ بصريٍ للحالة الفلسطينية التي تعيش حالة من العزلة عن الذات والمحيط.

اقرأ/ي أيضًا: فيديو | إبراهيم يُترجم الأغاني والقصائد إلى لغة الإشارة

معرض "مواجهة" وضع الزائر في مواجهةٍ مباشرةٍ مع الذات والواقع السياسي المعقد، مع إبراز تشابك الحالة الإنسانية للخروج من دائرة الأزمات، ومحاولة طرح الأسئلة للبحث عن إجاباتٍ لمشاكل يومية فلسطينية.

أطلق المعرض دعوة مواجهة لرفض الاستسلام، والعبور إلى حالةٍ من التغيير رغم تعقيدات وتناقضات الواقع، عبر صورٍ غير نمطيةٍ تكسر القيود الفنية الاعتيادية، تدمج بين التقنية الرقمية والرموز التشكيلية في إطار واحد يحكي قصة مجتمع يعيش داخل "فيديو آرت" كبير.

قدمت رفيدة سحويل في فلم "ذاتها" مواجهة بين المرأة ونفسها، كيف تحاول أن تحتجز نفسها عبر أفكارٍ نمطيةٍ لتعيش داخل إطاراتٍ محددةٍ تُقيدها رغم امتلاكها مفاتيح المواجهة التي تمنحها الحرية، لكنها تبقى داخل ألوانٍ من العذابات الفكرية رمزت لها الفنانة بأشرطةٍ قماشيةٍ ملونة جمعت الألوان الداكنة والفاتحة معًا، مرتدية حزمة من المفاتيح التي ربما تمكنها من كسر أقفال عقلها.

في فيلم "شرقيا"، قدمت سحويل نظرة على محاولات الفنانات للانطلاق في عالمهن، رغم التفكير الشرقي ذو الطابع الذكوري الذي يغلب على الفن التشكيلي، فتبحث عن نمطٍ جديدٍ ليشكل تغييرًا في المقاييس الفكرية بألوانٍ أنثويةٍ تلبس ثوب المواجهة.

كما عبرت عن التباين بين الانفتاح والغموض والمواجهة في التناقضات الحياتية اليومية، وبين الوجود واللاوجود، من خلال عرض لوحةٍ رقميةٍ لبدايات ونهايات الساعات المتفاوتة بين الوضوح والغموض في الشاشات البيضاء والسوداء وتداخل ألوانٍ خافتة في يومياتنا.

أدهش الفراغ الفنانة كيف يبدو جميلاً أنيقًا لكنه في الحقيقة فارغٌ من الحياة، رغم ظهوره متناسقًا متناغمًا. بيَّنت سحويل بمشاهد فيلم "غياب" أن فراغ الروح كالعجين في قالبٍ يجعله فارغًا وغائبًا عن الوجود الجسدي خاويًا من رنين الضحكات.

أما السمكة البرتقالية التي تمنحك طاقة ورغبة في النشاط، فتكتشف أنها تسبح داخل حوضها تصارع أنفاسها التي يحاول الاحتلال سلبها بالتدمير و الهدم لبيوت القدس وطرد أهلها، ثم تجد نفسها داخل الحوض تسابق الزمن لتحافظ على أنفاسها وحيدة لا يفهمها إلا كل من أصغى لرائحة حجارتها وعتباتها، فتتنفس كل يومٍ أعمدتها الرخامية أوجاع القريب والبعيد.

وكشفت الفنانة في فيلم "كلاكيت 48" كيف تحمل الخيام جيلاً بعد جيلٍ سائرين للأمام لتتابع النكبات والنكسات التي تعرض لها الفلسطيني. تمنحك الأمل، فربما تتغير الأوضاع بسير الأقدام للأمام، وقد تُنبِتُ جذورًا جديدة لأن الجذور التي هاجرت في القديم شاخت، لكنها تمددت في الأعماق ورسخت في الأجيال المتتالية حقها في العودة التي قد تكون قريبة كخطوات الأقدام الحافية.

عرضت الفنانة رفيدة سحويل، 12 قضية، في معرضها "مواجهة"، مستخدمة الموسيقى التعبيرية

"انتماءٌ صامت"، فيلم ينقل معاناة الانتماء للهوية الفلسطينية، ليشكل جدارًا يمنعك من لقاء الأحباب، ليمنح الكثير من الألم ويجعلك محتجزًا في مكانك دون حراك، تفتخر بامتلاكه لكنك تصطدم به وبذاتك في كل مرة تقترب منه، فيصبح شبحًا تريد الهروب من دائرته لكن دون مخرج.

في "المصعد" تدخل كل الرايات والألوان مُحاوِلَةً التسابق للوصول إلى وجهتها، لتحقق غايتها دون اكتراثٍ لمن حولها أو ربما لانسداد الطريق على الجميع  كلٌ يبحث عن وجهته. وفي "المصعد" يجتمع الكل الفلسطيني، فربما يصعد بالجميع وقد يتوقف عن الحركة فاقدًا تجاهه الأمن.

جاءت تسمية فيلم "زبد" إشارة إلى بدايات النهايات في حالة البطالة العامة لشباب قطاع غزة. تجمع شابةٌ كتب دراساتٍ عليا ومتوسطة وبكالوريوس، تجمعها أكوامًا فوق بعضها، وتذهب إلى شاطئ بحر غزة لتحاول تنقيتها مائه مستخدم غربالاً، تعبيرًا عن استمرار مشهد البطالة وصعوبة الحصول على فرصة عمل، وتجدد المشكلة دون توقفٍ كأمواج البحر التي يعتليها في نهاياتها الزبد، متسائلة عن إمكانية أن يخرج البحر ما يخبأ في باطنه ليشكل حلا للمشكلة أم سيبحر بها الشباب عكس تجاه الموج لوجهة غير معلومة؟

"خيرٌ وأبقى" عبرت من خلاله عن حالة النمو والتكاثر وتجدد الحياة والنشاط البشرى، وتسابق الإنسان في النمو والصعود للأعلى، فينسى أن النهاية من حيث بدأ، وأن الأرض التي أصبح لا يراها من كثر نظره وصعوده للأعلى سينتهي إليها لتحتضنه.

يأتي المعرض ثمرة المنحة الإنتاجية التي حصلت عليها سحويل، وأشرفت على إنتاج مشروعها الفنانة والقيّمة جمانة عبود، فعملتا سويًا عبر حوار مفتوح من خلال الاتصال عبر السكايب لتبادل الأفكار ومناقشتها للمساهمة في تطوير العمل وإخراجه فنيًا.

أنتجت الفنانة سحويل معرضًا لـ"الفيديو آرت"، لتساهم في تشكيل مخزون الذاكرة الإنسانية المحملة بتفاصيل المشاعر المختلطة، مع اختلاف أساليب المواجهة، مُحاوِلَةً نقل المُشاهد إلى الحالة الفنية عبر تكوين الجمال الذي يمزج بين الصوت والصورة، لنقل الواقع داخل حلقاتٍ مختزلةٍ من تعبيرات الألوان والحركة مكونة لوحة تشكيلية رقمية.


اقرأ/ي أيضًا: 

فيديو | رنا ترسم بالرماد حكايات عن الحياة والموت

فيديو | دبكة على كراسي متحركة في غزة

موسيقى لأطفال غزة المهمشين