08-سبتمبر-2018

في الوقت الذي تسود المنطقة  حالة من الارتباك والتخبط، حيث تعتقد  القيادة الفلسطينية أنها أفشلت صفقة ترامب، مما حدى بالإدارة الأمريكية للتراجع عن طرحها، بينما تنتظر أطرافٌ أخرى إعلان الصفقة، تستمر الإدارة الأمريكية بسياساتها الرامية إلى تنفيذ صفقتها وبدون الإعلان عنها، والتي بدأت في نهاية العام الماضي بالإعلان عن مدينة القدس المحتلة عاصمة إسرائيل، ونقل سفارتها هناك، معلنة بذلك إخراجها من المفاوضات الميَّتة أصلاً، اعتقادًا من الإدارة الامريكية أنها صاحبة القرار في تحديد أو إلغاء قضايا الصراع ، حيث لم تكتفِ  بقراراتها حول القدس رغم حساسيتها العالمية والإقليمية - السياسية والدينية  - فانتقلت لقضية اللاجئين التي لا تقل أهمية عن قضية القدس، بقرار وقف تمويل "الأونروا التي تقدم خدماتها  لقرابة ستة ملايين لاجئ فلسطيني، موزعين على (58) مخيمًا في الضفة الغربية، قطاع غزة، الأردن، لبنان، سوريا، والتي تم تأسيسها بعد نكبة الشعب الفلسطيني في العام 1948، حين  قامت العصابات الصهيونية بتهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني، لا زالوا في الشتات حتى يومنا هذا. وفي حال نجاح الإدارة الأمريكية المدعومة من اليمين الإسرائيلي الحاكم في تفكيك "الأونروا"، ستكون لذلك تداعيات كبيرة على المنطقة برمتها، وقد تتجاوز آثارها منطقة الشرق الأوسط .

في حال نجاح الإدارة الأمريكية المدعومة من اليمين الإسرائيلي الحاكم في تفكيك "الأونروا"، ستكون لذلك تداعيات كبيرة على المنطقة برمتها، وقد تتجاوز آثارها منطقة الشرق الأوسط.

على الساحة الدولية، تُريد الإدارة الأمريكية - ومن خلفها الحكومة الإسرائيلية - من قرار حل وإلغاء وكالة "الأونروا"، كونها الشاهد الدولي الوحيد على نكبة الشعب الفلسطيني، وعلى قضية اللاجئين، أن تُسقِطَ وتُلغي البعد الدولي والأممي للقضية الفلسطينية، خاصة أن إسرائيل ترى في الأمم المتحدة ومؤسساتها ساحة مواجهة خاسرة لها، وداعمة للحق الفلسطيني، وبالتالي تريد التخلص منها، وإعفائها من مسؤولياتها القانونية والسياسية تجاه القضية الفلسطينية، وذلك كجزء من تصفية القضية الفلسطينية برمتها، مع أن الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية تعيان تمامًا استحالة تمرير قرار من الأمم المتحدة بإغلاق "الأونروا" ووقف تمويلها، لأن قرار تأسيس "الأونروا" في العام 1949 قد اشترط استمرارية تقديم خدماتها  إلى أن يتم تطبيق وتنفيذ قرار رقم (194) المتعلق بعودة  اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم  وتعويضهم .

اقرأ/ي أيضًا: غياب الحراسة يفتح أبواب مدارس الأونروا للسارقين

أما تداعيات القرار الأمريكي على الدول العربية فلا يمكن تخيلها، حيث تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل من وقف التمويل وإلغاء صفة لاجئ عن اللاجئين الفلسطينيين إلى تحميل الدول العربية مسؤولية تغطية نفقات "الأونروا" في المرحلة الأولى، وذلك كمقدمة لتوطين اللاجئين لاحقًا، الأمر الذي سيؤدي إلى نتائج كارثية، سواءً على لبنان ذو التركيبة المجتمعية الحساسة، حيث يقيم هناك حوالي نصف مليون فلسطيني، والتداعيات السلبية لتوطينهم هناك، والذي قد يدخل لبنان في نفق مظلم، حيث المصلحة الإسرائيلية الأمريكية تتطلب ذلك لإضعاف المنطقة وتفتيتها وإدخالها في حروب داخلية.

أما الأردن - التي أصبحت في دائرة الاستهداف  - سواءً بقرار "الأونروا"، أو بقانون القومية اليهودية وتداعياته على الضفة  والأردن، حيث يقيم في الأردن 40% من مجموع اللاجئين الفلسطينيين الذين يشكل توطينهم هناك نهاية مرحلة  وبدايةً لمرحلة جديدة،  حيث مشروع الوطن البديل الذي تمت إعادة طرحه في الأعوام القليلة الماضية، بالتزامن مع  قانون القومية اليهودية الذي يُلغي الوجود الفلسطيني في الضفة، ويُحوله إلى "كانتونات" غير قابلة للحياة. أما في قطاع غزة، ذو الكثافة السكانية الأعلى في العالم، حيث ثلثي السكان من اللاجئين، وما قد يحدث لهم بعد وقف تمويل "الأونروا" والحديث عن توسيع حدود غزة باتجاه سيناء .

بات واضحًا أن الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية قد انتقلتا منذ فترة إلى تنفيذ صفقة ترامب التي ستُصفّي القضية الفلسطينية بجميع مكوناتها وأضلاعها، كجزء من إعادة تركيبٍ وبناءٍ للمنطقة تكون فيه إسرائيل جزءًا من المنطقة وليست عدوًا، بعد أن استطاعت إسرائيل وأمريكا إقناعهم بما يسمى الخطر الإيراني، لذلك بات مطلوبًا من القيادة  الفلسطينية الانتقال من دائرة الانتظار إلى دائرة الفعل لمواجهة مشاريع التصفية .


اقرأ/ي أيضًا:

واشنطن: لا تمويل للأونروا بعد اليوم

واللا العبري: علينا الاستعداد للكابوس الأكبر

من أي يأتي المُحاصرون في غزة بمصاريفهم؟