09-أكتوبر-2018

في مأزق الرفض

تمّ توقيع أوسلو عام 1993؛ اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير ممثّلاً شرعيًا للفلسطينيين، واعترفت المنظمة بحق إسرائيل بالوجود. تمّ توقيع الاتفاق استنادًا إلى مبدأ حلّ الدولتين، وبحث قضايا الحل النهائيّ، وهي اللاجئين والقدس والحدود وغيرها من القضايا خلال أربع سنوات من تاريخ توقيع مبادئ الاتفاق.

لم تلتزم إسرائيل بشيء. كما لم ينبّه أحد عرفات إلى أنّ الحكومة الإسرائيليّة، وكذلك دولة إسرائيل، وكذلك المجتمع الإسرائيليّ، وكذلك البنية الاستعماريّة الصهيونيّة التوسّعية للدولة الإسرائيليّة، غير معنيّة بشيءٍ اسمه حلّ مسألة السكان الأصلانيين، أي الشعب الفلسطيني، بأي طريقة. ظنّ الرئيس الراحل عرفات أنّ بوسعه فعل شيء بهذا الاتفاق، هذا عدا عن كونه وقّعه بعدما واجه رفضًا عربيًا من جهة للثورة الفلسطينيّة، وضغطًا عربيًا ودوليًا من جهة أخرى للتوقيع على الاتفاق؛ لكنّ أحدًا من العباقرة الذين وقّعوا الاتفاق وظنّوا بالفعل أنّهم بهذا الاتفاق قد حقّقوا إنجازًا تاريخيًا يمكّنهم لاحقًا من التفاوض مع إسرائيل وإنهاء هذا الصراع إلى الأبد، إنّ أحدًا من هؤلاء العباقرة، لم يكن مطّلعًا بشكلٍ كافٍ على تاريخ الاستعمار العالميّ وتاريخ حركات التحرّر وكيف ينتهي الاستعمار في العالم الحديث.

الذين وقعوا اتفاق أوسلو لم يكونوا مطلعين على تاريخ الاستعمار العالمي وتاريخ حركات التحرر وكيف ينتهي الاستعمار في العالم الحديث

لم يعترف الفلسطينيون بشيء بعدما اعترفوا بحق إسرائيل بالوجود، رغم مطالبات الحكومات الإسرائيليّة الدائمة بالاعتراف بيهودية الدولة، وكذلك بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل. وقّعوا هذا الاتفاق، ومضوا يبحثون عن جهةٍ دوليةٍ راعيةٍ تُلزم إسرائيل بمبادئ هذا الاتفاق، وآمنوا لعقودٍ بالإدارة الأمريكية كي تكون وسيطًا نزيهًا للسلام، فجاء ترامب، وصفع "عباقرة أوسلو"، باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل وعدم اعترافه بملف اللاجئين الفلسطينيين على الإطلاق، إلّا بضع مئات كبار في السنّ، وإغلاقه مكاتب منظمة التحرير في واشنطن تمهيدًا لسحب الاعتراف بالمنظمة أصلاً كممثل شرعيّ ووحيد للفلسطينيين.

اقرأ/ي أيضًا: عن حل الدولتين وحتمية النضال ضد الاحتلال والعنصرية

في المقابل، "يرفض" عباقرة أوسلو، قانون يهودية الدولة، وكذلك، يرفضون اعتراف الإدارة الأمريكية بالقدس عاصمة لإسرائيل، وما يتعلّق بملفات اللاجئين وغيرها من القضايا. والرفض، هو كلّ ما يستطيع عباقرة أوسلو فعله في هذه المرحلة، محمّلين الإدارة الأمريكية مسؤولية فشل عملية السلام ومتّهمين إياها بعدم النزاهة، وكأنّها كانت نزيهة من قبل.

ولكن، بالفعل، فإن عباقرة أوسلو لا يستطيعون فعل شيء سوى الرفض؛ لأنّ البديل عن الرفض، هو على سبيل المثال، سحب الاعتراف بحقّ إسرائيل بالوجود، وإغلاق مكاتب المنظمة في واشنطن من قبل الفلسطينيين وقطع العلاقات الدبلوماسيّة وغيرها من الأفعال الشكليّة التي تعني انسحاب المنظّمة من أيّ التزامات ترتّبت عليها بفعل عمليّة السلام؛ لكنّ المنظمة غير قادرة على فعل كهذا، فهذا يعني ببساطة إقرار موقّعي أوسلو بخطأهم التاريخيّ المتمثّل في الدخول في عمليّة سلام مع بنية استعماريّة صهيونيّة لا تقبل إلّا بالإبادة الكاملة أو على الأقل الخضوع الكامل للإرادة الصهيونيّة من قبل الفلسطينيين. والوجه الآخر من كارثيّة الخطأ هو في الاعتماد الكامل على المجتمع الدوليّ، ونبذ العنف و"الإرهاب" الفلسطينيّ، الذي هو الحق في المقاومة المسلحة.

في الإصرار على اعتدال العدوّ

لم تصبح إسرائيل أقلّ أو أكثر يهوديّة بعد إقرار الكنيست قانون يهودية الدولة، كما أنّ التوسع الاستيطاني لم يزدد أو يقلّ بعد إقرار القانون، كذلك حال الفلسطينيين في الداخل المحتل لم يتبدّل بعد إقراره، فما زالوا مواطنين في الدرجات الدُنيا، وكذلك، فإنّ القدس لم يتمّ احتلالها بعد إقرار القانون بساعات قليلة، فهي على هذا الوضع منذ 1948 والذي اكتمل في عام 1967 حتى الآن. لا يزال التهويد على حاله، ولا يزال هدم المنازل مستمرًّا، والاستيطان في توسع دائم، وهو أيضًا، كان في أعلى مستوياته حينما كان اليسار الإسرائيليّ في الحكم، اليسار الذي هو موضوع البحث عن عدوّ معتدل في نظر الفلسطينيين الآن كأولمرت وتسيبي ليفني.

يرفض الفلسطينيون القانون، وكأنّهم لتوّهم، اكتشفوا أنّ إسرائيل هي دولة اليهود ولليهود، وأن الاستيطان جزء لا يتجزأ من السياسة الإسرائيليّة

ومع هذا كلّه؛ يرفض الفلسطينيون القانون، وكأنّهم لتوّهم، اكتشفوا أنّ إسرائيل هي دولة اليهود ولليهود، وأن الاستيطان جزء لا يتجزأ من السياسة الإسرائيليّة، بل هو جوهر الوجود الصهيوني في فلسطين منذ بدايات القرن الماضي وحتى الآن. وفيما يتعلّق بالسكان الأصلانيين، أي نحن، فوجودنا الحاليّ في الأرض لم يكن سوى خطأ ما كان يجب أن يحدث، وكان يجب أن يتمّ التخلّص منّا جميعًا لولا مسارعة بن غوريون ومؤسّسي الدولة إلى إنهاء الحرب وإعلان الدولة؛ بكلمات أحد المؤرّخين الإسرائيليين.

اقرأ/ي أيضًا: فشل مسار التسوية.. فشل مسار المقاومة

ومع ذلك، لا نزال نبحث عن عدوٍ معتدلٍ ونصرٍ على اعتدال العدو. وكأنّ على الفلسطينيّ أن يوافق اليسار الإسرائيليّ على معارضة القانون، وهي المعارضة التي أتت لدوافع سياسيّة وحزبيّة تخصّ الانتخابات الإسرائيليّة. وكذلك، فعلى الفلسطينيّ أن يفكّر بمستقبل إسرائيل، وأن يقنع المجتمع الإسرائيليّ أن قانونًا كهذا هو تهديد للوجود الإسرائيليّ، كأنّنا وبكلّ سخافة نقول للإسرائيليين: إنّكم تدفعوننا لحرب لانهائيّة، تدفعوننا لنكون أعداءكم في الوقت الذي تستيطعون فيه إنهاء هذا الصرع مقابل التخلّي عن طبيعتكم الشخصيّة، عن طبيعة دولتكم الاستعماريّة التوسّعية، عن العنصريّة المتأصّلة فيكم تجاه كلّ ما هو عربيّ وشرقيّ، مقابل نبذكم لسرديّتكم عن احتلال أرض بلا شعب؛ عليكم أن تنظروا إلى المرآة عاريين من هذه السرديّة وأن تروا أمّة قامت على خرائب أمّة أخرى.. هذا كلّه حقيقيّ؛ ولكن هل علينا حقًا أن نقنع الإسرائيليين بهذا كلّه؟ هل علينا أن نحلّ عقد الصهاينة النفسيّة والتاريخيّة؟

إنّ المفارقة الساخرة التاريخيّة الآن، هي أن الفلسطينيين من ينظرون إلى الواقع كما هو، منهكين من القتال والحرب، يعرفون أنّ المستوطنات على بعد أمتار من منازلهم، وأنّ الطائرات تحوم في سمائهم وصواريخها على بعد ثوان من صدور أطفالهم، وأن لا فرار من المأزق التاريخي الذي وضعتهم فيه الحركة الصهيونية وكذلك الذي وضعت فيه الإسرائيليين. والمفارقة، أنّنا نحن من نناشد المجتمع الإسرائيليّ أن يتوقّف عن أن يكون إسرائيليًا ويصنع السلام.

إلّا أنّ الحقيقة الفجّة والباردة والوحيدة وهي الحقيقة التي تصرّ عليها إسرائيل، أن الوجود الإسرائيليّ هو النقيض الوجوديّ للوجود الفلسطينيّ في الأرض وفي التاريخ كذلك؛ وليس هنالك من مفرّ. لن يكون هنالك عدوّ معتدل في يوم من الأيّام، ولم يكن من قبل. كذلك لن يفيد الإصرار على اعتدال العدوّ، فهو من طينة أيديولوجيّة لا تقبل الاعتدال.


اقرأ/ي أيضًا:

منابع الطابع الإلغائي للصهيونية

إيلان بابيه يفضح فكرة إسرائيل

إسرائيل تستخدم دعاية رخيصة وفعالة عالميًا