11-أكتوبر-2015

فلسطيني يلقي زجاجة حارقة على قوات الأمن الإسرائيلية قرب مدينة الخليل (Getty)

كثير هو الحديث المتعلق بالخصوصية الفلسطينية، وخصوصية السياق الفلسطيني، والوضع الفلسطيني الخاص، وخصوصية الراهن الفلسطيني، كلها أسطوانات شرخت الرؤوس لكثرة تناقلها الإعلامي وتداولها بشأن المسألة الفلسطينية، حتى في أصغر تفاصيلها وأكثرها "خصوصية".

مطلع القرن العشرين، شهدت القدس انتفاضةً ضد تقسيم التركة العثمانية، وكان من أبرز شعاراتها: "لا للانفصال عن سورية الأم"

عن أي خصوصية يفترض الحديث في الشأن الفلسطيني، وفلسطينيو اليوم ما هم إلا أحفاد أولئك الذين انتفضوا في القدس مرارًا خلال مطلع القرن العشرين، خاصة عام 1919، وكانت أحد أهم شعارات انتفاضتهم الموجهة ضد شكل تقسيمة التركة الاستعمارية العثمانية بين القوى الاستعمارية المستجدة في المنطقة، ليكن أحد أكثر شعاراتها وضوحًا "لا للانفصال عن سورية الأم".

اقرأ/ي أيضًا: الانتفاضة حدثت.. أغلقوا باب الردة

لذلك وغيره، لا يجب أن يختصر ويقتصر الحديث عن الخصوصية الفلسطينية أو يتم توجيه معناه بأن فلسطين شأن الفلسطينيين، "لا سمح الله"، فهذا ما تتمناه "قوى الاستكبار العالمي"، وكل من مصلحته من مصلحة الاستعمار في المنطقة العربية وبالطبع إسرائيل. لكن من المنطقي والعمل تناول خصوصية الأدوات النضالية في فلسطين، تلك الأدوات التي يفرضها الشارع ولا يفترض أن يسمح "للقيادة" بالتدخل في هذا الشأن بعد الآن، خاصة في الضفة الغربية، إذ أثبت الشارع الفلسطيني أنه أكثر وعيًا وشجاعة وارتباطًا جذريًا بقضيته من قيادته، وهو بالتأكيد من يدفع ثمن أي معادلة سياسية أو مواجهة عسكرية على الدوام.

لا الاعتقالات في صفوف الفلسطينيين توقفت يومًا، حتى في سنوات "عسل" أوسلو، ولا هدم المنازل ومصادرة الأراضي لصالح الاستيطان والغايات العسكرية توقف، وعلى وتر موازٍ لم يتوقف التنسيق الأمني بين رجالات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وسلطات الاحتلال، كما أن هدر الأموال باسم الفلسطينيين من قبل السلطة ولفيف المنظمات غير الحكومية لا يحتاج إلى براهين.

ألا يجر استمرار كل ما سبق إلى تجاوز حالة الانتفاض المحسوب إلى خندق المواجهة المفتوحة بأي ثمن، والهدف هو القضايا الأساسية، وليس التكتيك السياسي، خاصة في ظل ادعاءات السلطة الفلسطينية بأنها صاحبة مشروع وطني، وهي الممنوعة أساسًا، وفق تكبيلات أوسلو، بأن تطلق على نفسها صفة "الوطنية" عند إيراد اسم السلطة الفلسطينية في المعاملات الرسمية مع إسرائيل أو على صعيد دولي. بإعادة ذكر أوسلو، وجب تذكر أحد بنود الاتفاق التي "تقنن" استيراد السكاكين، حجمًا ونوعًا، للتحكم في نمط السكاكين المتوفر بين أيدي أهل الضفة الغربية.

اقرأ/ي أيضًا: سيتي إن.. من أبواب الانتفاضة الثالثة

التخوف والقلق والحيرة في إسرائيل والتوقف عند مفترق طرق بين إفلات التصعيد، أو الضبط حتى الفلسطيني الأخير كلها عوامل تهيمن على مشهد غرفة القيادة الإسرائيلية، يضاف إليها كمية التوتر الذي تفرضه حالة الشد في الجبهة الداخلية، المرفقة بتحشيد عالٍ ضد العرب ومطالبات بقتلهم وتصفيتهم.

لا أفق آخر اليوم غير خلخلة القائم تمهيدًا لهدمه، هذا ما تحتاجه الخصوصية الفلسطينية

إذًا، ما يريده الاحتلال فهو له، وليتحمل ما يريده الفلسطيني. فالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية متماهية مع حالة إطلاق النار على أي فلسطيني في أي مكان ولأي سبب، وتعتبر ذلك اقترابًا بين المؤسسة الأمنية والجبهة الداخلية/ الجمهور اليهودي في إسرائيل، وتعجبها مكبرات الصوت التي تجوب أحياء المتطرفين في القدس وتل أبيب داعية إلى قتل العرب وإطلاق النار على أول، وكل عربي تتم مشاهدته.

كل هذا لا يجب أن يدفع أحد لاستغراب كثافة السكاكين الفلسطينية، غير المقننة وفق أوسلو، ولا الدعوة لتكثيفها أيضًا وأيضًا، ولا حتى إن تصاعدت كثافة القنابل المعدة منزليًا، أو في "الحارة" والمخيم،  للفلسطيني ما يشاء وعليه أن يقاوم بكل المتاح، المسألة ليست أرض وهوية واستعمار فقط، بل هي في صميم الكرامة، فكيف للفتية المتخلفين عقليًا من المستوطنات أن يتجرأوا إلى هذا الحد؟!

السلطة وابتعاد أغلب الفصائل عن العمل الوطني وموت بعضها الآخر... عوامل لا يمكن نكرانها في تحفيز أدرنالين فاشية المستوطنين. الفلسطيني ليس في بحبوحة مادية كتلك التي سبقت انتفاضتيه السابقتين، بل هو مغرق في القروض البنكية، والسلطة مغرقة في الديون ومتطلبات المنح الدولية، لكن الأمور وصلت حد الكرامة، بل تجاوزته، ولا أفق آخر غير خلخلة القائم تمهيدًا لهدمه، هذا ما تحتاجه الخصوصية الفلسطينية، لا امتطائها لعزل فلسطين والعرب عن بعضهما البعض، بل وعزلها عن العالم بمسرحيات تضامن، لا يليق ذكرها بالدم النازل في أكناف بيت المقدس.  

اقرأ/ي أيضًا: نون النّسوة في المقاومة الفلسطينية