09-يناير-2018

صورة أرشيفية - تصوير علي حسن (Getty)

أعلنت بلدية خان يونس في قطاع غزة عن غرق منزلين فقط في حدودها؛ نتيجة المنخفض الجوي مع نهاية الأسبوع الأول من العام الجديد، لكن الحقيقة تخالف ذلك، فالبيوت في منطقتي المواصي وبطن السمين تعرضت للغرق دون أن يتلفت أحد لها، حيث تعيش أكثر من 200 عائلة داخل بيوت متهتكة أسطحها من الزينكو، وبعضها يعيش في خيم نايلون، لتعود الذاكرة بسكان أكثر المناطق المهمشة في خانيونس إلى وفاة طفل بعمر سنة، نتيجة شدة البرد خلال أحد منخفضات الشتاء الماضي.

وتعتبر منطقة المواصي جزءاً حيوياً من مدينة خان يونس، إذ يوجد فيها أراضي زراعية وآبار مياه، لكنها لا تحظى باهتمام من البلدية، وتعيش فيها عشرات العائلات الفقيرة التي تشكل المنخفضات الجوية كابوساً بالنسبة. وحتى هذه اللحظة، لا توجد إحصائية رسمية لدى بلدية خان يونس بعدد سكان هذه المنطقة.

المنخفض الأول في عام 2018 أغرق منازل في خان يونس، لكن البلدية لم ترسل طواقمها لإنقاذ المواطنين ولم تعلن عن ما حدث فيها

عائلة المجايدة المكونة من 10 أفراد تعيش في بيت من الزينكو أغلب السنة، ولديها بيت من النايلون تختبئ فيه خلال أيام الشتاء، أملاً في أن يحقق لها النايلون معاناة أقل من الزينكو المتهالك. زياد المجايدة (32 عاماً) يقول لـ"الترا فلسطين" إن لديه طفلين يقل عمرهما عن سنتين، ويتعرض بيته للغرق بعد أغلب المنخفضات الجوية، فيعاني من أجل إنقاذ أطفاله وزوجته الحامل من الموت.

اقرأ/ي أيضاً: فيديو | بطن السمين: التعليم شمعة وحيدة بين القبور والنفايات

ويضيف المجايدة، "لا أحد يشعر بنا. خلال المنخفض اتصلنا بالدفاع المدني لكي ينقذنا، ولكن لم نجد إجابة منه، لذلك أُجبرت على إرسال زوجتي لبيت أهلها إلى حين انتهاء المنخفض، فأنا لا أريد أن أفقد أحداً من أطفالي".

"أم عمار الأسطل"، السيدة الستينية، وجدناها تجلس مع أولادها الخمسة وأحفادها الأربعة وزوجها المسن الذي يفوق عمره الثمانين عاماً، قالت: "10 أفراد في هذا البيت السيء الذي يفوق عمره الثلاثين عاماً، نشعر وكأننا في الشارع وليس في منزل، لا نشعر بالدفء ابداً، أحفادي الصغار لا يتحملون هذا البرد، وأنا امرأة مسنة لا أستطيع تحمله".

وتابعت، "كل عام نشعر بأننا لسنا مواطنين، نغرق ونموت من البرد ولا أحد يسأل بحالنا ولا يكترث لأمرنا. إلى متى سوف نظل على هذا الحال؟ إذا كانت البلدية لا تدري عنا شيئاً فلمن نشكو قولي لي؟".

إبراهيم اللحام (32 عاماً) يعيش في المواصي مع زوجته وأطفاله الثلاثة منذ سبعة أعوام، بعد أن استأجر قطعة أرض ولم يجد مالاً لبناء بيت فوقها، ما دفعه ليسكن في خيمة من القماش والزينكو ويخليها مع حلول المنخفض خوفاً على أطفاله من البرد القارس.

يقول اللحام، إنه أرسل أطفاله وزوجته إلى بيت أهله، وهو ما اعتاد أن يفعله طوال سنوات حياته في المنطقة، مضيفاً، "أهلي يعيشون في بيت صغير ولم أستطع الإقامة معهم في نفس البيت".

الفقر المدقع دفع عشرات العائلات إلى اللجوء لمنطقتي المواصي وبطن السمين في خان يونس، والبلدية تريد إخلاءها بأي وسيلة

معاناة منطقة بطن السمين بدأت منذ أكثر من 12 عاماً، عندما دفع الفقر عائلات إلى العيش هنا بعيداً عن أي رعاية أو اهتمام، وقد تجسد هذا الإهمال بوضوح في المنخفض الأخير، إذ تعالت أصوات سكان المنطقة طلباً للنجدة دون أن يستمع لهم أحد.

اقرأ/ي أيضاً: هل تصبح الأمطار حدثا ساراً في غزة هذا الشتاء؟

سوزان حنيدق، أم لخمسة أطفال، تحدثت لنا عن فترة المنخفض قائلة: "كانت أياماً صعبة جداً. غرقت المنطقة بأكملها بما فيها السكان، والأطفال أصيبوا بالمرض نتيجة ذلك. عندما اتصلنا بالدفاع المدني لكي ينقذنا لم يتجاوب معنا أبداً، بل رد بأن منطقة بطن السمين هي منطقة تعديات ولا يمكننا التعامل معها أبداً، شعرنا بأننا لسنا مواطنين ولا يكترث أحد لهمنا".

وتضيف، "عندما غرقنا كان الوقت منتصف الليل، ساعدنا شباب المنطقة في الخروج من المنزل. هذا ظلم لا يمكن لأي أحد تحمله، أطفالنا يمرضون من البرد، نحن نتحدث عن المنخفض الأول ولا نعلم ما يخفيه فصل الشتاء.  أين سنذهب فلا يوجد جهة مسؤولة تنقذنا".

توجهنا إلى بلدية خان يونس بحثاً عن توضيح لما يتحدث عنه سكان المنطقتين، فأجابنا تيسير شبير مدير وحدة الطارئ قائلاً إن منطقة بطن السمين "أرض معتدى عليها، ولسنا مجبورين على الذهاب إلى هذه المناطق المنخفضة، فهي غير مسجلة لدينا في البلدية، ولم يجبرهم أحد على الذهاب إليها".

تعلل بلدية خان يونس عدم إرسال طواقمها لإنقاذ سكان المنازل الغريقة في المواصي وبطن السمين بأنها منطقة تعديات، وترفض اعتبار ما يحدث لهم حالة إنسانية

وأضاف شبير، أن طواقم البلدية تتابع المسجل لديها فقط، مبيناً أن هذا هو سبب تسجيل حالتي غرق فقط في المنخفض، وعدم التطرق لما حدث في المواصي وبطن السمين.

سألنا شبير عن الجانب الإنساني في هذه الظروف، ولماذا لا يتم التعامل مع المواطنين في هذه المناطق كحالات إنسانية طارئة، فقال: "لا يوجد في عملنا حالات إنسانية، نحن نتابع المسجل لدينا ونذهب إلى الأماكن المعروفة فقط، ولكن بيوت منطقة المواصي مكشوفة وغير صالحة للسكن، ومن الطبيعي أن تغرق".

وبعد ساعات من زيارتنا إلى منطقة المواصي تلقينا اتصالات هاتفية من مواطنين يسكنون هناك منذ أكثر من 15 سنة، أبلغونا فيها بأن البلدية أرسلت طواقمها من أجل هدم المنازل، لإقامة مشروع جديد لا يعلمون تفاصيل عنه، وأبلغوهم أنهم لن يدفعوا أي تعويضات مقابل ذلك لأن منازلهم تقع في منطقة تعديات، ما يفاقم الأزمة دون أي أفق للحل.


اقرأ/ي أيضاً:

المرأة الغزية والوجه الآخر لتحدي أزمة الكهرباء

عن "المستقرضات" وعجوزها وأمطارها الغزيرة

رحلة شتوية في تراث فلسطين