07-ديسمبر-2024
أزمة حطب في غزة

حسن حرارة، أثناء تقطيع الحطب

يجمع حسن حرارة (37 عامًا) الخشب أمام أحد المحال الذي بات مسكنًا لأسرته في حيّ الصحابة بمدينة غزة، بعد ما نزح إليه مُستأجرًا، عقب فقدانه لمنزله في حي الشجاعية شرق المدينة واتخذ من مدخله مقرًا للعمل، يستقبل العربات، يبيع الخشب، ينشر، يكسر، يزن، ثم يربط الحزم من أجل الزبون.

"أعاني منذ شهر من انقطاع الخشب بكل أنواعه، الأبيض والزان والحمضيات، لأنه على مستوى غزة لم يبق شجرة ولا زيتونة ولا ليمونة، ولا حتى باب ولا نافذة من البيوت المهدمة"

وعن أزمة الحطب، يقول حسن حرارة: "أعاني منذ شهر من انقطاع الخشب بكل أنواعه، الأبيض والزان والحمضيات، لأنه على مستوى غزة لم يبق شجرة ولا زيتونة ولا ليمونة، ولا حتى باب ولا نافذة من البيوت المهدمة"، لافتًا أن ما نسبته 90 في المئة من الناس بغزة تعتمد على الحطب في الطهي مع انقطاع الغاز وأزمة السيولة.

وكان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أكد، في بيانٍ سابق له، إصابة المئات في قطاع غزة بأمراض الجهاز التنفسي، بسبب الغازات السامة المنبعثة من إشعالهم النيران لإعداد الطعام. وحذر المكتب الإعلامي من تسجيل إصابات بسرطان الرئة، جراء تفاقم أزمة غاز الطهي وانقطاعه.

ويشير حسن حرارة إلى لجوء الكثير من الناس إلى الكرتون والنايلون وأنواع من البلاستيك عدا عن الأقمشة المهترئة والاسفنج والزيت المحروق وصولًا إلى الدقيق لإشعال نار الطهي، منوهًا إلى محاولته بأن لا يتوقف عن بيع الحطب رغم حاجته للوقت والجهد وبساطة المردود.

ويقول: "قبل الأزمة كنت أجمع الخشب من أكثر من نقطة، أما الآن فصرت أشتري الكغم بأعلى سعر، واضطريت أرفع ثمنه إلى أكثر من دولار"، موضحًا أن البعض يُفضّل شراء ربطة الخبز بذات الثمن، خاصة أن العائلات الكبيرة قد تحتاج إلى 10 كغم يوميًا من الحطب ولا إمكانية اقتصادية لذلك.

وفيما يتعلق بطريقة جمع الموزعين للحطب، فإن حسن حرارة يصفها بـ"المعاناة"، ويضيف: "يخاطر الموزعون من أجل جمع الخشب، ويقصدون المناطق التي تنسحب منها قوات الاحتلال مثل منطقة شارع 8 في جنوب غرب غزة، بينما يحرصون على الخروج كمجموعات من 5 أشخاص وأكثر ليتمكنوا من جمع أكبر قدر من الحطب".

ويوضح حسن حرارة، أن بعض هؤلاء يتعرضون إلى كسور وجروح أثناء العمل في الآلات اليدوية والتنقل في الشوارع المهدمة، بينما حوصر بعضهم في مناطق الاقتحام واستشهد آخرون برصاص الاحتلال عدا عن تعرضهم للمساءلة في بعض الأحيان.

ومع تفاقم أزمة الحطب لجأ الفلسطينيون في قطاع غزة إلى ابتكار البدائل وترويجها داخل الأسواق، لتكون تعبئة غاز مُثبّت الشعر واحدةً من هذه الخيارات التي امتهنها مؤمن حجازي (20 عامًا) في سوق النفق وسط مدينة غزة، موضحًا أن هذه الطريقة باتت أرخص المتوفر بين البدائل.

ولفت مؤمن حجازي إلى إقبال الناس الواسع على غاز المُثبّت، مضيفًا: "الناس تخاف من نار الليل، والليل له ضرورات، مثلًا لو أن طفلاً صغيرًا احتاج للحليب، فإن بإمكان الأم الاعتماد على غاز مثبت الشعر"، موضحًا أنه يبيع كغم غاز المُثبت بـ 27 دولار، بينما وصلت تكلفة كغم غاز الطهي إلى أكثر من 60  دولار.

ويؤكد مؤمن حجازي أن "نار المثبت لا تُغني عن الحطب؛ لأنها لا تحتمل سوى إعداد المشروبات  والطعام شبه المطهو"، لافتًا أن كمية الغاز المسحوب من المثبت أكبر من كمية غاز الطهي لذات القوة النارية، وأن عمر الكيلوات القليلة من غاز المثبت قد يصل إلى أكثر من أسبوعين.

أزمة حطب

أما عن آلية التعبئة، فقد أوضح حجازي أنه يقوم بفتح غطاء علبة المُثبّت وربط رأسها في مدخل قرص جرة الغاز المقرون مع قطعة المنظم، مؤكدًا أنه يحرص على مراعاة ظروف الناس عبر تقبله لاقتصار عمله على عملية التعبئة مقابل أجر رمزي.

ويصل أجر مؤمن حجازي اليومي إلى 6 دولارات، مقابل أكثر من 20 دولار كان يحصل عليها يوميًا خلال عمله في مجال الدهان قبل العدوان، ويقول: "مضطرين نشتغل بكل الأسعار، وأنا أدفع تكلفة الغلاء، ومع الأسف كل ما يتم ابتكار بديل ينقرض بسبب حاجة الناس ونفاد الكميات عدا عن احتكار بعض التجار".

لم يكن مثبت الشعر البديل الوحيد، بل الزيت المحروق أيضًا، وفقًا لما أفادنا به محمد اللوح (40 عامًا)، أحد مبتكري جهاز الطهي الذي يعمل عبر الزيت المحروق في شمال القطاع، عقب توقف عمله في بيع الحطب إثر نفاده وفقدانه لأحد أبنائه خلال جمعه للخشب.

لم يكن مثبت الشعر البديل الوحيد، بل هناك أيضًا جهاز الطهي الذي يعمل عبر الزيت المحروق

وحول الجهاز وآلية عمله، يُبين محمد اللوح أنه "يعمل على الزيت المحروق باستخدام الأدوات المتوفرة، وقد استوحيت الفكرة من ترددنا على مخابز الفران في القدم، ولما نجحت حولّت الفكرة إلى مشروع لاقى رواجًا كبيرًا بعد تشديد الحصار على مناطق الشمال".

ويقول: "يتكون الجهاز من طنجرة، وعلب معدنية فارغة يتم تخصيصها لسوائل المحروقات، ومواسير، برابيش، وجهاز مجفف الشعر، ومنظم جرة غاز، كما يحتاج إلى القليل من الرمل والباطون، وتقوم الفكرة على نزع الحموم من مجفف الشعر؛ لأنها تستهلك طاقة كبيرة".

وأوضح محمد اللوح، أن الجهاز يعمل عن طريق إشعال أي مادة داخل قرص الجهاز وفتح المنظم الخاص بعلبة الزيت والسماح بمرور الزيت دفعة واحدة، ثم إغلاقه وتشغيل أي مصدر طاقة لضخ الهواء الحار من مجفف الشعر"، مبينًا أن فلسفة الجهاز تقوم على دفع الهواء الحار من أجل رفع القوة النارية تدريجيًا كما "البابور".

بدائل أزمة الحطب في غزة

وتابع: "مؤخرًا طورت الجهاز بحيث لا يقتصر تشغيله على الزيت المحروق ولجأنا لاستخدام النايلون والبلاستيك والسولار الصناعي كمواد خام يعمل عليها الجهاز بذات الأداء، واستبدلنا الطناجر بالصناديق الحديدية ومجفف الشعر بفرشاة مروحة منزوعة القوة"، مضيفًا، أن الجهاز يقوم على إعادة تدوير بعض مخلفات العدوان.

وبيّن محمد اللوح أنه حرص على إضافة الباطون والرمل من أجل تخفيف الثقل على الجهاز وحصر حماوة الطاقة النارية، وتخفيف الرائحة الكريهة، خاصة في حال إشعال النايلون والبلاستيك، مضيفًا: "قوة الجهاز تصلح للتكيات، و5 أكياس من النايلون كافية لتعد لي طبخة كاملة وبكمية كبيرة".

وأوضح اللوح أن الجهاز يحتاج إلى 12 واط من قوة الطاقة للعمل وهو ما يتيح للمستهلك استخدام أي بطارية بديلة بحالة جيدة بغض النظر عن جدتها، مشيرًا أن هذا يخفف عبأ تكاليف الجهاز التي وصلت لأكثر من 60 ولار نتيجة لارتفاع ثمن المكونات وتكلفة عملية تجميعه.

بدائل أزمة الحطب في غزة

 وأضاف: "أنا حاليًا أنجز في اليوم الواحد من 15 إلى 20 جهازًا، وأبدأ من ساعات الصباح الأولى وحتى غروب الشمس، أصب الأدوات ثم أتركها لتجف يومًا واحد، ثم أقوم بتركيب باقي الأدوات في الجهاز". وأفاد أنه يحتاج للتعاون مع من يمتلك طاقة شمسية لإنجاز مهمات القص بالأدوات الكهربائية مقابل مبلغ مالي يصل لأكثر من  50 دولارًا.

وبينما يسعى محمد اللوح إلى تطوير جهازه باستمرار، فإنه يطمح إلى تحسين المشروع بامتلاك طاقة شمسية خاصة به؛ كي يتمكن من تخفيض ثمن الجهاز الذي وصل لأكثر من 70 دولارًا حتى يصبح متاحًا للجميع بسعر التكلفة أو بمتوسط ربح رمزي.

محمد بهلول، صاحب مطعم "زنجر"، كان واحدًا من الذين شجَّعتهم فكرة جهاز الزيت المحروق على افتتاح مشروعه الصغير الخاص بإعداد الوجبات الغربية وسط حي الصحابة شرق غزة، وذلك بعد توقف عمله في أكبر المطاعم في قطاع غزة التي دمر الاحتلال غالبيتها.

وحول تجربته مع الجهاز يقول محمد بهلول: "ساعدني جهاز الزيت المحروق على تطبيق المشروع بعد دراسته"، مبينًا أن القوة النارية للزيت هي أحد أسرار قرمشة الوجبات التي يصنعها، كما أن إعداد الوجبة الواحدة يحتاج إلى جهد ووقت يصل إلى ربع ساعة.

وتحظى وجبات محمد بهلول -التي يقدمها بجودة أقرب لأصلها- بإقبالٍ كبير، وحول ذلك يقول: "نعمل على تقديم الساندوشات منها الزنجر والفطيرة الذهبية، وذلك باستبدال قطع الدجاج باللحم البقري المعلب ولانشون الدجاج".

أما عن الصعوبات التي تواجه بهلول، فتبدأ من اضطراره إلى قصد أصحاب الشاحنات الكبيرة والمشاحم القريبة من مناطق الخطر؛ لتجميع الزيت المحروق، إضافة إلى ارتفاع ثمن الزيت وكلفته، وانقطاع المعلبات وارتفاع ثمنها عقب إغلاق المعابر.

وتابع: "مضطرون للعمل تحت أي ظروف، لأننا في النهاية أُسَر وبحاجة للأكل والمال"، مبينًا أنه يستشعر ببركة المردود، عدا عن فرحة الناس التي تجد فيما يقدم ملاذًا وبديلًا عن انقطاع اللحوم.

أما عفاف عبد (54 عامًا) فقد لجأت إلى إشعال النار ورفع قوتها عبر الدقيق، وتقول: "وصل فينا الحال أنني عندما أخبز أرمي نخالة الطحين في النار حتى تعطينا حماوة أكبر وتساعدنا بعملية الخبز التي أنجز فيها قرابة 60 رغيفًا بشكل شبه يومي".

وتُبين عفاف، أنها حاليًا تحرص على عدم التخلص من قمامة المنزل، لأنها باتت وقودًا للنار سواء كانت أوراق المحارم أو أكياس النايلون والبلاستيك، بالإضافة للكثير من بدائل الإشعال، خاصة الاسفنح والزيت النباتي بعد استخدامه في القلي.

تُبين عفاف، أنها حاليًا تحرص على عدم التخلص من قمامة المنزل، لأنها باتت وقودًا للنار سواء كانت أوراق المحارم أو أكياس النايلون والبلاستيك

وأشارت عفاف عبد إلى الأثر السلبي لنار الطهي وبدائل الإشعال على صحتها، مضيفةً "حتى لو توفّر الحطب فبعض أنواع الخشب يكون مدهونًا ودخانه خانق، وأنا مريضة قلب وكل هذا الدخان أثّر على عافيتي وألهب عيوني".

وتابعت: "عند انقطاع غاز الطهي مع بداية الشهر الثالث للعدوان كنّا نُلملم الخشب من الطرقات والأشجار المُجرفة، لكن الآن ما في حطب بالشوارع نجمعه فاضطررنا إلى شرائة، وأحيانًا كثيرة لا نجده في الأسواق".

وأكدت عفاف عبد، أن الحطب صار مصروفًا ثانيًا للعائلات، وأحيانًا كثيرة يحتاج إلى مجهود كبير لأنه يحتاج إلى "التكسير"، مبينة أنها تطهو الطعام منذ أكثر من 10 أشهر على نار الحطب، الذي تتفاقم أزمته يومًا بعد يوم وتزداد مساوئ آثار البدائل السلبية السامة والمُسرطنة والمدمرة للصحة.