26-ديسمبر-2022
خيول اصيلة

في اصطبل نادي "الجواد" للفروسية في غزة، أحد ناديين من أصل سبع أندية بقيت في غزة لتربية الخيول، يصهل "الأدهم" معلنًا بسط نفوذه في الاصطبل، فكما يقول مروّضوها إن له الحق الكامل في إطلاق "صهلته" كونه وحده العربي الأصيل هنا.

حتى اليوم، لا زالت تلك الخيول الـ50 في غزة "عربية أصيلةً" في محلّ عيشها فقط، بعد أن أخفقت في استخراج شهاداتٍ لها من المنظمة الأوروبية لاعتباراتٍ سياسية متعلقة بغزة مرتبطة بالحصار المفروض عليها

ويُعتبر "الأدهم" واحدًا من 16 خيلاً أخرى معترفًا به عالميًا بأنه خيلٌ عربي أصيل في غزة، بينما يغبطه نحو 50 خيلاً "أصيلاً" أخرى على شهادته الدولية الصادرة من المنظمة الأوروبية للخيول العربية (الإيكهاو).

وحتى اليوم، لا زالت تلك الخيول الـ50 في غزة "عربية أصيلةً" في محلّ عيشها فقط، بعد أن أخفقت في استخراج شهاداتٍ لها من المنظمة الأوروبية لاعتباراتٍ سياسية متعلقة بغزة مرتبطة بالحصار المفروض عليها.

وفي إحدى أمسيات قفز الخيول على الحواجز في النادي؛ لا يُرى سوى خيول عادية يمتطيها شبّانٌ يافعون وهم يُطلقون عباراتٍ تفهمها خيولهم فقط ويُكافئونها بقطعٍ من الحلوى أو التمر بُعيد كل جولة من القفزات، فيما تغيب مثيلاتها العربية عن تلك الأمسيات.

خيول اصيلة
أحد الخيول الأصيلة في غزة غير المسجلة دوليًا

وحتى قبيل اندلاع انتفاضة الأقصى قبل عقدين تقريبًا، أُجبرت خمسة أنديةٍ للجياد على الإغلاق، آخرها اثنان تحطّما تمامًا قرب الحدود الشرقية للقطاع جراء إحدى جولات العدوان الإسرائيلي، فيما قضت بعض الخيول بشظايا أصابت أجسادها.

وبحسب رئيس اللجنة الفنية في الاتحاد الفلسطيني للفروسية، عبد العزيز أبو شريعة، فإن شبه غياب تلك الخيول عن هذه المسابقات يعود إلى "خشية العين" و"الحسد" على خيولهم، خاصةً أن مربّيها يعتبرونها إرثًا اجتماعيًا خاصًا وثمينًا لا يجب أن يظهر للعيان، عدا عن نكستهم اللامنتهية في استخراج شهادات دولية لها تُثبت نسبها من المنظمة المسؤولة.

وتشترط المنظمة لتسجيل الخيل كـ"عربيّ أصيل" أن يتوفر مكتبٌ إقليمي لها في المنطقة لإتاحة أخذ عيّنات من شعرها ودمائها؛ إلا أن سلطات الاحتلال تحظر سفر تلك الخيول عبر حاجز "إيرز" شمال قطاع غزة -لاعتباراتٍ أمنية- لإتاحة تسجيلها في مكتب المنظمة الأوروبية الكائن في تل أبيب.

ويقول أبو شريعة لـ الترا فلسطين إن الخيول العربية المسجلة لدى المنظمة هي التي تمكّن مالكوها في غزة من شرائها ونقلها من داخل الخط الأخضر مع شهادات تسجيلها، في حين يُمنع نقل أمهارها المولودة في غزة إلى داخل الخط الأخضر للحصول على التسجيل المأمول.

عبد العزيز أبو شريعة
عبد العزيز أبو شريعة وبرفقته أحد الخيول الأصيلة التي تحمل شهادة دولية | الترا فلسطين

وكما جرت العادة في غزة في استراتيجيات البحث عن البدائل؛ فإن إمكانية نقل عيّنات تلك الخيول "الفاقدة للهوية" (الشعر والدماء) عبر الأراضي المصرية لا يحظى بثقةٍ لدى مالكيها من ناحية النقل و"بيروقراطية" الإجراءات الرسمية، عدا عن احتمال تلف تلك العيّنات في الطريق البريّ الطويل ما بين القاهرة وغزة.

واستسلامًا أمام ذلك الواقع بفقدان أمل تسجيل هذه الخيول عالميًا؛ فإنه ليس أمام فرسانها للحفاظ على "عروبة" و"أصالة" أحصنتهم -شكليًا على الأقل- سوى الاهتمام برشاقتها وتغذيتها، كما يقول مروّض الخيول عبد الله الغفري، وهو واحدٌ من قلة قليلة من العارفين بترويضها وتربيتها التي قد تستمر عامين كاملين.

الغفري، الذي يحتفظ بجيبٍ ملآى من الحلوى بطعم الفاكهة لمكافأة خيول النادي الحذقة، يقول إن ما ورثه من أبيه حول ترويض الخيول وبعض مقاطع الفيديو على الإنترنت هو كل ما في جُعبته من هذه الخبرة، مؤكدًا أن قطاع غزة يفتقر تمامًا لأندية أو مراكز تدريب للخيول بصنفيها العربي والعادي.

ترويض الخيول في غزة مهنةٌ تشهد انقراضًا تقريبًا، خاصةً أن من بقي منهم كانوا يعملون داخل الخط الأخضر في ذلك المجال، وبالكاد يتذكرون ما ورثوه منذ توقفهم عن العمل منذ سنواتٍ طويلة بعد منعهم من الوصول

يُذكر أن ترويض الخيول في غزة مهنةٌ تشهد انقراضًا تقريبًا، خاصةً أن من بقي منهم كانوا يعملون داخل الخط الأخضر في ذلك المجال، وبالكاد يتذكرون ما ورثوه منذ توقفهم عن العمل منذ سنواتٍ طويلة بعد منعهم من الوصول.

ويُشير عبد الله الغفري إلى أن زملاءه في ميدان الترويض بالكاد يُساوي عدد الأحصنة الأصيلة المسجلة دوليًا في غزة، فيما يسعى جاهدًا للحفاظ على ما يقول إنها علاقة "ثقة فطرية" بينه وبين الخيول العربية الفاقدة للهوية الرسمية.

أحد الخيول الأصيلة في غزة غير المسجلة دوليًا
أحد الخيول الأصيلة في غزة غير المسجلة دوليًا

وعودةٌ إلى الخيول القليلة المسجّلة في "الإيكهاو" في غزة، يشترك الغفري وأبو شريعة في القول إن لدى أصحابها الحق في الشعور بـ"الغيرة" عليها، كون أحدها يساوي (15 ألف-20 ألف) دولار، وأن احتمال إصابتها بالحسد أو المرض هو آخر ما ينقص مالكيها، في الوقت الذي تصل تكلفة الاعتناء بواحدٍ منها تغذيةً وتطبيبًا إلى نحو 700 دولار شهريًا.

أصحاب خيول أصيلة اضطروا في بعض الأوقات إلى حقنها بـ"التيتانوس" المخصص للبشر بعدما حظر الاحتلال الإسرائيلي استيرادها، فيما جُلبت بعض حقن الحمّى القلاعية بعد 90 يومًا من طلبها، لكنها وصلت بعد إعلان نفوق بعض الجياد متأثرةً بمرضها

طبيًا، لا يبدو الأمر ورديًا لهذه الجياد الثمينة؛ إذ يقول مسؤول اللجنة الفنية في الاتحاد إن أصحابها اضطروا في بعض الأوقات إلى حقنها بـ"التيتانوس" المخصص للبشر بعدما حظر الاحتلال الإسرائيلي استيرادها في بعض أشهر الإغلاق المحكم على قطاع غزة، فيما جُلبت بعض حقن الحمّى القلاعية بعد 90 يومًا من طلبها، لكنها وصلت بعد إعلان نفوق بعض الجياد متأثرةً بمرضها.

وحتى إن كان مالكو تلك الجياد الأصيلة محظوظين بتوفر بعض الطعوم؛ فإنهم لا يثقون -بحسب أبو شريعة- بمصدر تلك الأدوية، بل يخشون مضاعفات قد تؤدي إلى التواءات في عروق رقابها مثلاً أو شللاً بأطرافها يُفقدها جمالها أو حلمًا بتسجيلها مستقبلاً حال تحسّن الظروف السياسية والأمنية.

ولهذه الخيول الأصيلة في غزة ألقابٌ تُعرّف بآبائها؛ نذكر منها: "عاصم SM" ابن "فادي الشقب" لمالكها سالم الشاعر، و"لُجين ALT" ابنة "كحيل الشقب" لمالكها زكي الشاعر، و"أسمر البشير" ابن "KZ Alone" لمالكها حسام عابد، و"أورانيوم - الرحّال" ابن "MD أليسبراندو" لمالكها محمد السوافيري، و"RB عروس" ابن "فرازيرا دبي" لمالكها محمد المقادمة.

ويعرف عن شكل الحصان العربي الأصيل بلونه شديد السواد، والأشهب، والأشقر، والبني، والأبيض، عدا عن صغر حجمه ورقبته الطويلة المقوّسة وتقوّس جبهته بأُذنين قائمتين رقيقتين، وسعة وصفاء عيونها، وسرعة تعلمها وتواصلها مع فارسها.