28-أبريل-2021

القطايف غالبًا لها حجم واحد إلا التي تسمى عصافيري | getty images

ما تزال القطايف "حلوى رمضانية" منذ مئات السنوات، فرغم توفرها في الأسواق طوال السنة، إلا أن قلة من الناس تنجذب لشرائها خارج الشهر الفضيل. هذا الارتباط ليس حديثًا إنما يعود لقرون مضت، جعلنا إذا ذُكرت القطايف نذكر رمضان، والعكس صحيح. والأمر قطعًا يتعدى مظهر القطايف الذي يأخذ شكل الهلال.

القطايف، فطيرةٌ مصنوعةٌ من عجينة سائلة مخبوزة تؤكل نيئة أو مقلية، وتقدم للأكل ساخنة أو باردة

القطايف، فطيرةٌ مصنوعةٌ من عجينة سائلة مخبوزة تؤكل نيئة أو مقلية بالزيت وتحشى بحشواتٍ متنوعة، كان أولها الجوز واللوز1، ثم الجبنة والقشطة وغيرها، وتُحلى القطايف بالقطر أو العسل، وتقدم للأكل ساخنة أو باردة.

وتصنع عجينة القطايف من الدقيق والحليب، مع القليل من الملح، ويضاف لها نصف كوب من اللبن، ثم تخلط المقادير وتترك لمدة نصف ساعة تقريبًا لتختمر، وتكون العجينة متجانسة ورخوة، وتسكب على شكل أقراص دائرية بحجم كف اليد تقريبًا على صفيحة ساخنة.

القطايف تؤكل نيئة أو مقلية، وتقدم للأكل ساخنة أو باردة | getty images

والقطايف غالبًا بحجم واحد إلا من نوع صغير يُعرف في بعض المدن باسم عصافيري (نسبة للعصفور الصغير)، أو شَلَكاتْ، ومفردها: شَلكة، وهي كلمة عامية تعني مفتوحة الفم، وإنما سُميت بذلك لأنها حين تُحشى بالقشطة لا تُغلق وتبقى مشقوقة ومفتوحة من أحد أطرافها، ومنه قولنا "شالك نيعه".

والقطايف غالبًا بحجم واحد إلا من نوع صغير يُعرف في بعض المدن باسم عصافيري، أو شلَكات لأنها حين تحشى بالقشطة تبقى مشقوقة

ولعل أبلغ وصف للقطايف ما ورد عن الشيخ الشربيني 1099هـ2: "أما القطايف فإنها تعمل في بلاد المدن من الدقيق الأبيض الخاص المقطب، وتصب على صواني يقال لها الرقع من حديد أو من نحاس إلا أنها صغيرة مثل القرصة، وهي ألذ هذه الأنواع وأطيبها خصوصا إذا قليت بالسمن، وصب عليها عسل النحل، ولله الحمد أكلنا منها مرارًا، وتلذذنا بها، ونسأل الله تعالى أن يطعمها لإخواننا الفقراء، ويعمهم بأكلها".

طبق الخلفاء

 وكثيرًا ما يَتَقوّلُ الناس في أصل القطايف وبدء حضورها في المطبخ العربي، وتتعدّد الروايات حول ذلك، إلا أنّ المعلومات التي نطالعها تشير لحضورها في الأدب والشعر من الفترة العباسية، وإن كان بعضهم يحملها لزمن بني أميه وأنها كانت على مائدة إفطار الخليفة معاوية بن أبي سفيان. ونجد ذكرًا لها في الفترة الفاطمية كطعام يُقدم للأمراء والسلاطين3.

الراجح عندنا أن القطايف حلوى قديمة التاريخ | getty images

غير أن الراجح عندنا أنها حلوى قديمة التاريخ، وقد سُميت بذلك نسبة للقطيفة4، وهي دثارٌ مخمل، والجمع قطائف وقُطف، كما قال الجوهري في الصحاح، وقد شبهت بخمل القطائف التي تفترش لأنها تفرش وتحشى ثم تطوى على طرفيها.

لماذا رمضان؟

القطايف هي أشهر الحلويات الشرقية المرادفة لشهر رمضان، إذ تُعتبر الحلوى الرئيسية وطبقًا لا يغيب عن الموائد طوال الشهر، فيكون الإقبال عليها والاهتمام بها فقط في رمضان، ومرد ذلك الارتباط الشرطي في عقل الناس بين الحلوى ووقت شهرتها، فلا يشعر المرء بلذة المذاق الا بالوقت الذي تربط به هذه الأكلة. ومثل ذلك: مقلوبة يوم الجمعة التي تربط في أذهاننا بلمة العائلة بعد الصلاة واجتماعها على مائدة واحدة. وكذلك الحال مع حلاوة النبي موسى عليه السلام التي لا تُباع إلا في موسمه في شهر نيسان من كل عام.

القطايف هي أشهر الحلويات الشرقية المرادفة لشهر رمضان | getty images

كما تؤثر الثقافة والبيئة التي يعيش فيها الشخص في ما يمكن أن يأكله أو يشتهيه، ومتى يصلح هذا الطعام للأكل. فعادات الناس مع الوقت تصبح صفة لازمة لشخصيتهم وطبيعة مجتمعاتهم. فالقطايف مع الوقت صارت حكرًا على شهر رمضان تحضر بحضوره وتغيب بغيابه.

اقرأ/ي أيضًا: منسف ومفتول وخبز.. ما علاقتها برمضان؟

والاهتمام بالقطايف في رمضان ليس جديدًا ولا هو حديث العهد عند الناس، وحُجتنا ما قيل على لسان القاضي زين الدين أبي كثير زيد بن عبد الرحمن المغربي وقد كتب إلى صلاح الدين الصفدي ملغزًا في القطايف: "يا مولانا أثقل الله بفواضلك الكوامل، وأجمل بفضائلك الأوايل من الفضائل إن أمكنك أن تلمح هذا اللغز اللطيف، وتعطيه حظًا من سيال فكرك الشريف: ما اسم ما يعتني الصائمون غالبًا بتحصيله، وتتنافس الأكابر في جملته وتفصيله، خماسي الحروف في الترصيف والترتيب، سطح الشكالة في البساطة كرسي عند التركيب، إن حذف خمساه رأيته طائرًا وسيمًا..".

 في مديح القطايف

انبرى الذواقة قديمًا وحديثًا بمدح ما يحبون من أصناف الطعام، وانحاز كل واحد منهم لما يهوى ويُحب، وقد حضر ذكر القطايف في الأدب العربي شعرًا ونثرًا وقيل فيها من المديح النظم الكثير.

أفرد الإمام السيوطي رسالة جمع فيها معظم الأشعار التي قيلت في القطايف، وعرج على العلاقة بين القطايف والكنافة

وقد أفرد الإمام السيوطي رسالة أسماها: "منهل الطائف في الكنافة والقطايف" جمع فيها معظم الأشعار التي قيلت في القطايف، وعرج على العلاقة بين القطايف والكنافة، ومنها أشعارٌ اعتمدت على وصف طريقة وضع القطايف وتقديمها للضيوف.

اقرأ/ي أيضًا: "طبيلة رمضان".. هل سمعتم بهم؟

 وجاء ذكر القطايف في شعر ابن الرومي وكشاجم وأبو هلال العسكري وغيرهم. فمنهم من شبهها بحقاق من العاج، ومنهم من شبهها بوصائف قامت بجنب وصائف، ومنهم من شبَّه رصها في الأطباق بالمصلين الذين يسجدون وراء الإمام.

ولعل أشهر ما قيل فيها:

لله در قطـائف محـشـوّة  .. من فسـتق فتنت النواظـر واليدا

شبّهتها لما بدت في صحنها .. بحقاق عاج قد حشين زبرجدا

قطايف عصافيري | getty images

ونطالع في التذكرة الحمدونيةعلى لسان أبو نصر الكاتب وصفًا بديعًا للقطايف:

"قطائف عراقيّ النّشر بغداديه، عسكريّ الحشو طبرزيّه، ممّا عنيت الأذهان بتصويره، ونصبت اليدان لتقديره وتدويره، وأبرزته كالبدر في كماله، متنزّها في صورتي محاقه وهلاله، ثم طوته الأنامل طيّ السّجل للكتاب، وغادرته قد رصّت صفوفه، وأركبت بعضه بعضًا، حتى شكّلته سماء وأرضًا، ثم رقد رقدة النّصب المجهود، وهوّم تهويم اللّغب المكدود، ذابل الشمائل، مبتلّ الغلائل، يعوم في دهن، كأنّما كسر به في بحر، أو أحسن غوص وأطيبه، وأطرف بديل وأعجبه".

وقال ابن الرومي واصفًا بها سروره كسرور عباس بن الأحنف الذي كان يجلس قرب حبيبته فوز:

قطـائف قد حشـيت باللوز.. والسـكر الماذي حشـو الموز

سررت لما وقعت في حوزي .. سرور عباس بقرب فوز

ومن رقيق نظم الشاعر ابن نباته في مديح القطايف:

أقـول وقـد جاء الغـلام بصحنـه .. عقـيب طعـام الفـطـر يا غـاية المُـنى

بحقك قل لي جاء صحن قطائف .. وبح  باسم من أهوى ودعني من الكنى

في أدبنا العربي ما يطول ذكره في مدح القطايف شعرًا ونثرًا | getty images

ويروى أن المصريين تقدموا بشكوى منظومة إلى (المحتسب) عام 917 هـ يتظلمون فيها من ارتفاع أثمان الحلوى، حيث قالوا:

لقد جاد بالبركات فضل زماننا .. بأنواع حلـوى نشـرها يتـضـوع

حكتـها شـفاه الغانيات حـلاوة .. ألم ترني من طعمـها لسـت أشــبع

وقد صرت في وصف القطائف هائمًا .. تراني لأبواب  الكنافة أقرع

فيـا قاضـيًا مُحتـسـبًا عـســى .. ترخـص لنا الحلـوى تطيـب ونـرتع!!

 وقيل على لسان أحد الشعراء واصفًا أكله قطايفًا دُعي إليه من قبل رجل بخيل6:

دعاني صديق لي لأكل قطايف .. فأمعنت فيها آمنا غير خائف

فقال وقد أوجعت بالأكل قلبه .. ترفق قليلاً فهي إحدى المتالف

فقلـت له ما سـمعـت بمـيـت .. يُـنـاح عـليـه يا قـتيـل القطـايـف

وفي أدبنا العربي ما يطول ذكره في مدح القطايف شعرًا ونثرًا، وحسبها أنها لا تزال حاضرة في المطبخ العربي منذ مئات السنين ولم تغب عن موائد رمضان البتّة، بل وصارت رفيقته في الحضور.


المصادر:

1- ورد ذكر صناعتها بالجوز واللوز في كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر (المتوفى سنة: 571هـ).

2- هز القحوف بشرح قصيدة أبي شادوف للشيخ يوسف بن خضر الشربيني ص 179 (كان موجودًا سنة 1099).

3-  رمضانيات، مصطفى عبد الرحمن، دار المعارف -ط 2، ص 63.

4- المصدر السابق ص 63.

5- التذكرة الحمدونية، محمد بن الحسن بن حمدون، أبو المعالي، بهاء الدين البغدادي (المتوفى: 562هـ)، دار صادر، بيروت- الطبعة: الأولى، 1417 هـ، ص 119.

6- تاريخ دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر (المتوفى: 571هـ)، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - 1415 هـ - 1995 م.


اقرأ/ي أيضًا: 

الكنافة حين تعطي للمدينة شيئًا من مذاقها

في شهر أيار.. حصاد وغناء وفرسان