16-ديسمبر-2017

الشهيد إبراهيم أبو ثريا متوجها إلى موقع المواجهات قبيل استشهاده - تصوير علي جاد الله

لم تشهد شوارع مخيم الشاطئ الممتد على مساحة كيلومتر واحد صباحًا هادئًا مثل اليوم، في حدثٍ غير اعتيادي بالنسبة لسكان المخيم الفقير الواقع غرب مدينة غزة. فالمخيم الذي يُعرف بأنه يبدأ حياته باكرًا جدًا على أصوات الباعة المتجولين وسائقي عربات الحمار، وسوق الخضار الذي يمتلئ بالزبائن بحلول 6:30 صباحاً، تلاشت كل مظاهر الحياة فيه بعد يومٍ واحد من استشهاد ابراهيم أبو ثريّا خلال مواجهات مع الجيش الإسرائيلي شرق المدينة.

أمام منزل عائلته القديم في المخيم، بدأ أصدقاء إبراهيم منذ السابعة صباحًا بإقامة خيمة العزاء واستقبال الأقارب والجيران الحزانى. يقول ابن عمه محمود أبو ثريا، إن إبراهيم كان دائماً أول من يقدم المساعدة لإقامة بيوت العزاء لشهداء المخيم أمام منازلهم، مضيفاً، "أما اليوم فلن يأتي إلى الأبد.. سنفتقده".

فقد إبراهيم أبو ثريا ساقه خلال مواجهات عام 2008، عندما كان يحاول رفع علم فلسطين على الحدود بين غزة وأراضي 48

فقد إبراهيم (29 عاماً) ساقيه في 2008 في قصف إسرائيلي بعد أن رفع علم بلاده على حدود قطاع غزة شرق خانيونس، وظل منذ ذلك الحين مع كرسيه المتحرك مشاركاً فعالاً في المواجهات، حتى استشهاده الجمعة برصاصة أصابته في جبينه.

[[{"fid":"70093","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":400,"width":545,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

وإلى جانب إبراهيم، سجلت جمعة الغضب الثانية في "انتفاضة العاصمة" استشهاد ثلاثة متظاهرين، فيما أصيب 374 متظاهراً، إثر المواجهات التي قالت مصادر إسرائيلية عنها إنها الأعنف منذ عام 2000، كما أن خارطة مواقع هذه المواجهات ضمت 150 موقعاً عنيفاً.

اقرأ/ي أيضاً: فيديو | أبو ثريا: "هو أنت ثانية ألم أقتلك!"

ويظهر مقطع فيديو الشهيد إبراهيم قبل يومين من استشهاده، حيث كان يشارك في مواجهات مقابل موقع "ناحل عوز" العسكري، وقد تحدث قائلاً إنه يشارك في المواجهات "لأنه يريد أن يصل الأرض المحتلة بعد السلك الحدودي الشائك ولو مرة واحدة في حياته"، لكن حُلمه انتهى برصاصة قاتلة.

وقال في الفيديو: "الجيش الإسرائيلي جبان ولا يظهر للقتال إلا من خلف المكعبات الاسمنتية، أما نحن فلا نملك سوى حجارة صغيرة تصل لمسافة 50 مترًا فقط، وسآتي كل يوم زحفًا على قدمي".

وأضاف، "أنا هنا لإيصال رسالة للجنود الإسرائيليين: هذه الأرض أرضنا ولن نستسلم، وعلى الولايات المتحدة سحب قرارها القاضي بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل".

"فقدان إبراهيم لقدميه لا يعني أنه عاجز" قال سمير أبو ثريا شقيق إبراهيم، مضيفاً، "أخي كان أيقونة للمواجهات، ودائمًا تجده في أول الصفوف، وعندما فقد قدميه في مواجهات قبل 10 سنوات كان بسبب إنزاله علمًا إسرائيليًا على الحدود واستبدله بعلم فلسطين، وأمس قتل وكان علم صغير في حجره".

وتابع، "إبراهيم لم يأتِ إلا هنا إلا للتعبير عن غضبه من قرار الرئيس الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فترامب بذلك متورط بقتل أخي.. متورطون بقتل شاب بلا أقدام يزحف على الأرض".

قبل يومين من استشهاده، طلب إبراهيم أبو ثريا السماح من عائلته، وقال إنه قدم نصف جسده لأجل بلده، ويجب أن يقدمه كله

ويذكر سمير آخر حوارٍ دار بينه وبين شقيقه خلال تناول الإفطار صباح يوم الأربعاء. قال إبراهيم حينها: "أمي .. أخي! أرجوكما سامحاني لأي خطأ ارتكبته نحوكما. أنا فقدت قدماي لأجل بلادي وأعتقد أن ذلك لا يكفي، فيجب أن أقدم كل جسدي تضحيةً للوطن".

ويضيف، "لم أعرف صديقاً ولا أخاً سوى ابراهيم، لقد سلبتني إسرائيل كل شيء.. لِمَ يخافون من مُقعد؟".

على أبواب ثلاجة الموتى في مستشفى الشفاء، تجمهر المئات من أقارب إبراهيم ورفاقه في المواجهات. التقينا نائل أبو الريش الذي يبدو أنه لم يستبدل ملابسه البيضاء طوال أيام المواجهات، فقد اتسخت سوادًا من آثار أدخنة الإطارات المشتعلة والتقطت سترته بعضًا من الأعشاب الجافة القريبة من الحدود الشرقية. يقول نائل: "بعد وصولنا ظهر الجمعة إلى ساحة المواجهة، كنت أدفع كرسي ابراهيم حسب طلبه إلى أقرب نقطة من الجنود وكان يحمل مقلاعًا وعلمًا صغيرًا".

وأضاف، "فجأة لوّح جندي بيده ورفع إصبع الإبهام عاليًا.  ربما يقصد أنتم الآن تبذلون جهدًا رائعًا وسأريكم ما سيحدث قريبًا، وخلال دقيقة أُمطِرنا بعشرات من قنابل الغاز وتحول كل شيء مثل الضباب. وضعنا التراب على أعيننا من شدة الألم، ثم تبع ذلك إطلاق نار كثيف، عندها أحسست أني فقدت مقابض الكرسي المتحرك لإبراهيم ولم أعد أسمع مزيدًا من عبارة ادفعني كمان لقُدام".

"وبعد ثواني، وجدت جبين إبراهيم يسيل دمًا كثيفًا، فقد كانت الرصاصة فوق عينه اليسرى، حينها أدركت أنه ذهبت روحه إلى الأبد". يقول نائل (23 عامًا) الذي كان واقفًا قرب سيارة الإسعاف التي تستعد لنقل الشهيد إلى المقبرة. وأضاف: "سأعود إلى ناحال عوز الآن.. أشعر أن واجبًا هناك يجب تأديته".

[[{"fid":"70094","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":371,"width":600,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

إبراهيم أبو ثريا معروف في كامل قطاع غزة بروحه المقاومة والثائرة، فهذا الشاب تحدّى إعاقته وواصل نضاله على مدى سنوات، وكان دائم الحضور في جميع الحركات الاحتجاجية أو التظاهرات التي تشهدها غزة.

وخلال تشييع جثمان الشهيد إبراهيم، قال رئيس حركة حماس إسماعيل هنية: "ليس لأحد عذر بعد الشهيد إبراهيم"، مضيفاً، "نحن مطمئنون للنصر بهذه المعركة لأن القدس هي مقبرة المؤامرات عبر التاريخ".


اقرأ/ي أيضاً:

صور | بابا نويل وهدايا الميلاد الحزين في غزة

فيديو | من مسافة صفر.. حجارة شاب تقهر جنود الاحتلال

مخابرات الاحتلال لقيادات حماس: الهدوء أو الاعتقال