18-نوفمبر-2016

صورة تعبيرية

تحت ادّعاء "حماية المواطن من الضجيج" وبعد الادّعاء أنّ "إسرائيل دولة تحترم حرية العبادة لأبناء جميع الأديان" يحاول نتنياهو ومن لف لفيفه المناورة بين جمهور مؤيديه لكسب بعض النقاط، وبين الرأي العام العالمي للتخفيف من صخبه، فيدعي، بداية، وفي محاولة قذرة لدق الأسافين، أن المنزعج من الأذان هم من المسلمين والمسيحيين واليهود، ويقول إنه بالرغم من أن دولته تحترم حرية الأديان، إلّا أن حماية المواطن تُعتبر أولوية عنده، طبعًا الأدلة التي تكذب ادّعاءات نتنياهو لا تنتهي ولا يتسع هذا المكان وأي مكان إلى تفنيدها.

ما يزعجهم ليس الأذان كصوت، إنما وجودنا وتاريخنا ولغتنا وتراثنا، وحقُّنا في الأرض، وتراثنا المرتبط في كل زاوية من هذه البلاد

في البداية، علينا أن نعي جيدًا أن محاولة سن قانون "منع الأذان" هي استمرار طبيعي من ناحية المؤسسة الاستعمارية ومحاولة تصعيد متوقعة من كيان عنصري فاشي، بداية قام على أنقاض شعب وما زال مستمرًا في مهمته لتشويه الهوية الجمعية ومحو كل ثقافة أو دلالة تؤكد أن هناك شعبًا تواجد قبله، وذلك باعتبار أن الأذان مكون أساسي من مكونات الوجود الإنسان العربي الفلسطيني.

ففي الحقيقة إن ما يزعج المؤسسة ليس الأذان كصوت إنما وجودنا وتاريخنا ولغتنا وتراثنا، يزعجها حقُّنا التاريخي في الأرض وتراثنا المرتبط في كل زاوية من هذه البلاد وثقافتنا ولغتنا العربية المتأصلة، وكل هذا يندرج تحت خانة سياسة التهويد التي انهمكت وتنهمك إسرائيل على العمل بها منذ عام 48، فلذلك لا يمكن النظر إلى هذا القانون كمفاجأة أو خطوة غير مسبوقة، بل على العكس تمامًا فهذا المتوقع من دولة استعمارية، وكل تأخير في سنِّ قوانين مشابهه هو الذي يقع في خانة الاستغراب، نحن لا نتوقع منها غير ذلك. 

إن هذا الانتهاك لا يُعتبر يتيمًا في منطقتنا، ففي مصر قام نظام السيسي مصحوبًا بجوقة من الإعلاميين والسياسيين بسن قوانين مشابهة، وبالنظر إلى العلاقة الوطيدة التي تربط حكومة نتنياهو مع نظام السيسي والتنسيق الأمني والسياسي الحميم الدائر بينهما، يصبح هذا المشهد عاديًا وليس غريبًا، وهو امتطاء لموجات الثورة المضادّة في بلدان الربيّع العربيّ، التي أريد منها، بدايةً، محاربة ما أسموه "الإسلام السياسي"، لتتطوّر الآن لمحاربة كل ما كان عصيًا على الملاحقة حتى في أوج انتصارات الاحتلال العسكريّة، أي في نكسة العام 1967.

يُضاف هذا إلى متغيرات أخرى شهدها العالم، فتوقيت هذا الانتهاك يتزامن مع انتخاب المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية الذي أعطى الضوء الأخضر للمؤسسة الإسرائيلية في الاستمرار في ممارسة قمعها للوجود الفلسطيني من خلال دعمها المباشر ومن خلال خطابه "الإسلاموفوبي"، الذي كان أحد دعائم نجاحه الأساسية ويتزامن، أيضًا، مع الترهيب المستمر من "البُعبع الاسلامي"الذي يلاقي دعمًا عالميًا وشعبيًا ما يسهل عملية الاستفراد بكل ما هو إسلامي تحت ادّعاء محاربة الإرهاب، وكان آخرها إخراج الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني عن القانون. أضف إلى ذلك، مساعي المستعمِر الحثيثة إلى تحويل الصراع من سياسي وجودي على الأرض والإنسان، إلى ديني بحت حيث يصب في مصلحته حيثُ يُلاقي من خلاله دعم عالمي وشعبي في الكثير من الدول وشعوب العالم.

تجدر الإشارة إلى أنه من الخطأ لا بل يُعتبر وقوعًا في شباك حكومة اليمين الفاشية أن نتعامل مع القانون من باب "حرية العبادة" أو من باب "الديمقراطية" والتعويل عليهما، فلا يمكن التوقع من دولة صهيونية مبنية في أساسها على العنصرية والفاشية ويحركها نهج الإلغاء والتخلص من وجود وثقافة ودين المختلف أن تتعامل معنا وفق القوانين الأساسية الطبيعية، بل علينا أن ننظر إليه من باب مخطط أكبر هدفه تدجين الفلسطينيين وعزله في همومه وقطعه عن القضية الأساس وهو الوجود الاستعماري، الذي يُفكك، يحتل، يهدم، يقتل، يعتقل ويسرق يوميًا في غزة والضفة والداخل. وما يؤكد هذا الكلام هو مرور قانون "تنظيم البؤر الاستيطانية" بالقراءة التمهيدية تمهيدًا لسنِّه في الأيام القادمة، ما يكرِّس الواقع الاستعماري أكثر فأكثر، ويُدخل الواقع الفلسطيني في واقع جغرافي سياسي مأزوم أكثر.

علينا التيقن أن "مسودة القرار" حول منع الأذان ليست حقًا لمنع الضجيج، فضجيج الطائرات في سماء غزة ولبنان حتمًا مزعج أكثر، وصوت الرصاص في البلدات العربية حتمًا مزعج أكثر، وضجيج الفقر والبطالة وقلة المسطحات السكانية حتمًا مزعج أكثر، إن الضجيج الحقيقي هو في الاحتلال وفي القوانين العنصرية اليومية وفي الهدم اليومي في النقب واللد وفي الملاحقات السياسية للأحزاب العربية الفلسطينية والناشطين السياسيين والتي كان أخرها ملاحقة حزب التجمع الوطني الديمقراطي.

إن تأجيل التصويت على القانون بعدما قررت حركتي "شاس" و"يهدوت هتوراه" رفض مشروع القانون، لم يكن رضوخًا لضغوطات مورست ضد الحكومة، ولم يكن منةً أو حسن نية منها أو تراجعًا أو بدوافع ديمقراطية أو التزامًا بحق حرية العبادة، إنما إرجاء تكتيكي سيكسب منه الجميع، فالإرجاء جاء على خلفية مخاوف هذه الأحزاب الدينية من أن يطالها ويطال معتقداتها في حال مرّ، وقد أكد يعكوف ليتسمان، النائب من حزب "يهدوت هتوراه"، أنه في حال تم تعديل مشروع القانون ووضعت ضمانات أنه لن يطال جمهور اليهود المتدينين، فإنه سيصوت مع مشروع القانون، ما يؤكد للمرة الألف أن الهدف من القانون هو التضييق أكثر على الفلسطينيين، وملاحقة وجودهم بدوافع استعمارية بحته، تليق بوجود هذا الكيان الفاشي.

اقرأ/ي أيضًا: 

لماذا عرقل "الحريديم" مناقشة قانون حظر الأذان؟

حظر الأذان.. التفاصيل الكاملة

هل صدّقت إسرائيل وعد ترامب بنقل السفارة للقدس؟