12-فبراير-2018

صورة عامة لقرية ارتاح في طولكرم

يخوض أهالي قرية "ارتاح" جنوب مدينة طولكرم احتجاجات على إقامة مخازن خاصة بالاسمنت المكيّس فوق أراضيهم، تابعة لشركة "سند" للموارد الإنشائية، ما دفع الأجهزة الأمنية إلى التدخل وتنفيذ حملة اعتقالات في صفوف المعارضين لهذه المخازن، وفق ما أفادت به مصادر محلية لـ"الترا فلسطين".

اعتقال أجهزة أمنية لنشطاء ومحتجين - المصدر: نشطاء
اعتقال أجهزة أمنية لنشطاء ومحتجين - المصدر: نشطاء

ويبني المواطنون في القرية احتجاجاتهم على مخاوف من أن تهلك هذه المخازن الحرث والنسل حال دارت عجلتها، ومن أن تحول قريتهم الزراعية الوادعة إلى منطقة منكوبة. لكن هذه الاحتجاجات قوبلت بمحاولة أجهزة الأمن إسكات الأصوات المعارضة، من خلال اعتقال وملاحقة المشاركين في الاحتجاجات، ومنع الصحافيين من الوصل إلى المنطقة المخصصة لإقامة المخازن، حسب رواية عبد الكريم أبو ربيع، من أبناء قرية "ارتاح"، وعضو اللجنة الأهلية لرفض "مشروع سند".

أهالي قرية "ارتاح" في طولكرم يتحدثون عن اعتقال الأمن 12 مواطنًا شاركوا في احتجاجات على إقامة شركة "سند" مخازن للاسمنت المكيّس في أراضيهم

ويوضح أبو ربيع لـ"الترا فلسطين"، أن الأجهزة  الأمنية نفذت خلال الساعات الماضية حملة اعتقالات طالت 12 مواطنًا من الرافضين للمشروع، من بينهم أمين سر حركة فتح السابق في القرية عماد عاليا، كما تعرض بعض الأهالي للاعتداء خلال اعتقالهم.

اقرأ/ي أيضًا: مليونيرية يقودون عصابات الشيكات البنكية

ويبين أبو ربيع، أن هذا الاسمنت يوصف وفق التصنيفات العالمية بأنه من الصناعات القذرة، لما له من  آثار مدمرة على الصحة، حيث ينجم عنه إصابات بالسرطان وضيق في التنفس، بالإضافة إلى الآثار الكارثية على المناطق الزراعية.

آليات تعمل في مشروع سند - صفحة شركة سند
آليات تعمل في مشروع سند - صفحة شركة سند

ويضيف أن هناك حركة نزوح بطيئة في القرية البالغ عدد سكانها نحو 5 آلاف مواطن، لافتاً إلى أن الكثير من الأهالي عرضوا منازلهم وأراضيهم للبيع بأسعار زهيدة.

ويشير أبو ربيع إلى أن السلطة تسعى لإقامة هذا المشروع رغم اعتراض الأهالي، "بسبب بوجود جهات متنفذة في السلطة ومؤسسة الرئاسة تمتلك الحصة الأكبر من أسهم شركة سند" على حد قوله.

حركة نزوح بطيئة في قرية "ارتاح" جنوب طولكرم هربًا من إقامة شركة سند مخازن للاسمنت المكيّس الذي يُصنف عالميًا بأنه من "الصناعات القذرة"

ويضيف، "لا نعرف لماذا تصر الشركة على إنشاء هذا المشروع فوق أراضي البلدة، رغم أنها تمتلك أكثر من 35 دونمًا شرق قرية فرعون بعيدة عن منازل المواطنين. ومما يزيد من تخوفاتنا أن المساحة المخصصة لهذا المشروع في ارتاح هي 20 دونمًا، مع أن مساحة المخازن لا تزيد عن 3.5 دونماً فقط". ويتساءل: "ماذا تريد أن تفعل الشركة في المستقبل بالمساحات المتبقية؟".

والأراضي التي ستُقيم "سند" عليها مشروعها تم شراؤها من أصحابها بمبالغ كبيرة، حسب ما تقول مصادر محلية، وليس عن طريق الاستملاك. يعلق أبو ربيع على ذلك بالقول إن من باعوا أراضيهم "منبوذون" بين الناس الآن، لكنه أشار إلى أن كثيرًا منهم "حلفوا أيمانًا مغلظة بأنهم لم يكونوا على علم بتبعات ذلك". وقال: "الاحتجاجات ضد هذا المشروع ستتواصل ولن تتوقف إلا بعد التراجع عنه".

في المقابل، ترفض شركة "سند" الاتهامات حول الآثار السلبية لتخزين الاسمنت على البيئة. تقول لبنى نصرة، من دائرة العلاقات العامة في الشركة، إن "سند" ملتزمة بكافة المعايير البيئية لتخزين الاسمنت، مضيفة، "حرصنا على أقامة حزام أخضر من الأشجار في المنطقة المحيطة بالمشروع، والحديث عن مستودعات فقط وليس شركة إنتاج ولا حتى تغليف وتعبئة".

وأشارت نصرة في حديثها لـ"الترا فلسطين" إلى أن إقامة هذه المخازن يتماشى مع استراتيجية الشركة الهادفة لتوفير نقاط توزيع في كل مدينة لتخفيض سعر التكلفة على المستهلك، ولتغذية الأسواق بالكميات المطلوبة في أقل وقت ممكن.

وأكدت نصرة أن اختيار موقع المخازن تم بعد دراسة ونقاش مستفيضين مع الجهات المختصة في بلدية طولكرم، ووزارة الحكم المحلي، وسلطتي الأراضي والبيئة، مبينة أن المنطقة مصنفة وفقًا للبلدية والمخطط الهيكلي الخاص بطولكرم، ضمن المناطق الصناعية والتجارية، وليست سكنية ولا زراعية. وتضيف، "كلهم أجمعوا على منحنا التراخيص اللازمة، فلماذا كل هذه الجلبة؟".

شركة "سند" تقول إنها حصلت على كافة التراخيص اللازمة من الجهات المختصة لإقامة المشروع، لكن الأهالي يرون ذلك عاديًا بسبب دعم الرئاسة للمشروع

يرد أبو ربيع على أقوال نصرة بالإشارة إلى أن الحصول على التراخيص تم خلال عام 2016، وهي فترة انتقالية كان فيها رئيس بلدية طولكرم السيد فريد أبو عقل معينًا من قبل الحكم المحلي وليس منتخبًا، مضيفًا أن الحصول على التراخيص المطلوبة أمر في متناول اليد، "لأن الرئاسة ذاتها تدعم إقامة هذا المشروع ومعنية بتثبيته مهما كلف الأمر" وفق قوله.

اقرأ/ي أيضًا: الطاقة البديلة: استثمار ناجح ولكن..

هذا القول رأت فيه نصرة طعنًا في أهلية بلدية طولكرم، وقالت إنه يعني "أن جميع المعاملات الصادرة عنها في تلك المرحلة  غير قانونية"، وتابعت، "هذا أمر غير مقبول".

وأضافت نصرة أن "الناس لديها حساسية زائدة  من كل ما هو صناعي حتى لو كان عيادة متنقلة، وهم يفضلون الاستماع لصوت بعض الأهالي، ويرفضون حتى الإنصات لصوت الشركة ومبرراتها المنطقية".

وأشارت إلى أن الشركة تتبع لصندوق الاستثمار الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير، "ولديها رسالة وطنية تقوم على تشغيل الأيدي العاملة ودعم المنتج الوطني، وتسعى لزيادة حصة المالكين العموميين مستقبلاً".

وخلافًا لأقوال نصرة، فإن حسن خريشة، النائب في المجلس التشريعي عن محافظة طولكرم، رأى في مخاوف المواطنين أمرًا مبررًا، وقال إن قرية ارتاح تحولت خلال العقود الماضية من قرية زراعية ذات آبار ارتوازية ومناطق جميلة وخضراء، إلى منطقة منكوبة بكل ما تحمل الكلمة  من معنى.

قرية "ارتاح" تحولت من قرية زراعية خضراء لمنطقة منكوبة، بسبب الجدار الفاصل ومصنع "جيشوري" الإسرائيلي، وتحويل مجاري طولكرم إلى واديها

وأشار خريشة إلى أن الجدار الفاصل ابتلع حدود "ارتاح" الغربية، والمعبر التجاري الإسرائيلي "الطيبة" أكل جزءًا كبيرًا من مساحتها الجنوبية، وفوق هذا مصنع "جيشوري" الإسرائيلي القريب من القرية الذي ينتج المواد الصناعية الضارة، قبل أن تزيد بلدية طولكرم الطين بلة بتحويل مجاري المدينة إلى وادي القرية، حتى أصبح مستنقعًا ينشر الأمراض والروائح الكريهة.

وأضاف في حديثه لـ"الترا فلسطين"، أن أهالي "ارتاح" يعتقدون أن هذه المخازن ستتحول مع الأيام  لشركة للتعبئة والتغليف، وأن إقامتها خطوة التفافية للتحايل على أهالي طولكرم بعد رفضهم إقامة مصنع للاسمنت في قرية عنبتا قبل عدة سنوات.

ودعا خريشة جميع الأطراف (شركة سند، الحكومة أو بلدية طولكرم، أهالي البلدة) إلى الجلوس على طاولة الحوار وحل هذه الإشكالية بطرق سلمية، مؤكدًا أنه يجب على الجهات الحكومية أن تستمع لمطالب الناس وتخضع لإرادتهم.


اقرأ/ي أيضًا:

فوضى السوق السياحي.. سمسرة وشركات وهمية

عقد إذعان بين السلطة و"كهرباء فلسطين".. كيف حدث؟

تقرير أمان عن القضاء والفساد وأشياء أخرى