08-أكتوبر-2019

كشف التلفزيون الإسرائيلي الرسمي عن مبادرةٍ عرضها وزير الخارجية يسرائيل كاتس على وزراء خارجية دول خليجية لم يذكر تقرير القناة أسماءها. تهدف المبادرة إلى تحقيق تعاون أمني وإنهاء الصراع بين هذه الدول وإسرائيل، وقد أفاد التلفزيون بأن هذه الدول تدرس المبادرة.

مبادرة كاتس نتيجة طبيعية لما حدث في السنوات الأخيرة من تطبيع علني على مستويات رسمية

بالعودة قليلاً إلى الوراء، نجد أن هذه المبادرة ليست مُفاجأة بل نتيجة طبيعية لما حدث في السنوات الأخيرة من تطبيعٍ علنيٍ على مستويات رسمية، تمثَّلَ أبرزُه في زيارة بنيامين نتنياهو إلى سلطنة عمان، ثم زيارة كاتس لها، وزيارته أيضًا إلى الإمارات، وكذلك زيارة ميري ريغف إلى الإمارات، هذا عدا عن التطبيع الرياضي الذي أفضى لعزف السلام الإسرائيلي ورفع العلم في الدوحة وأبوظبي.

كل الاجتماعات والزيارات التي حدثت سرًا وجهرًا في السنوات الماضية تُشير إلى أن بعض دول الخليج ستوافق على المبادرة، وكذلك الحملات التي عملت عليها اللجان الإلكترونية السعودية في السوشال ميديا. وجاء في تغريداتٍ أن "الشعب الفلسطيني لم يكن وفيًا للدعم السعودي له"، وأن الإسرائيليين أوفى منه. في هذا السياق نذكر قصصًا عن "وفاء إسرائيل" لأصدقائها ومن خدموها وقاتلوا لأجلها.

1. أكبر قصص الخيانة الإسرائيلية تظهر في علاقتها بأكبر حلفائها، الولايات المتحدة التي تمنحها دعمًا اقتصاديًا وعسكريًا من جهة، وسياسيًا من جهةٍ أخرى تحتمي به إسرائيل من أية عقوباتٍ أو حتى قرارات إدانة دولية في مجلس الأمن. هذا التحالف والدعم، لم يمنعا إسرائيل من اختراق سيادة أمريكا والتجسس عليها، وهو ما تُظهره قصة الجاسوس الشهيرة جوناثان بولارد.

أُدين بولارد بالتجسس لصالح إسرائيل عام 1987، وسُجِن 30 سنة بسبب ذلك، وفي النهاية تخلّت إسرائيل عنه تمامًا، وهو ما اشتكى منه الرجل علنًا في حديث صحافي مؤخرًا قال فيه إنه "يشعر بالخيبة لأن إسرائيل تخلّت عنه وحطّمته هو وأسرته".

اقرأ/ي أيضًا: الجاسوس بولارد: إسرائيل تخلت عني

رغم أن قضية بولارد أثارت أزمة تُعتبر الأكبر بين "تل أبيب" وواشنطن، إلا أن ذلك لم يمنع عودة إسرائيل إلى التجسس على حليفتها، فقد فعلت ذلك مجددًا مع دونالد ترامب، الرئيس الذي فعل لصالح إسرائيل ما لم يفعله أي رئيسٍ أمريكيٍ سابقًا.

بعد كل قراراته ودعمه، أصبح ترامب بالنسبة لإسرائيل "ثرثارًا لا ينفعها" كما قال مسؤولون في حزب "الليكود" الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو. وأصبحت العلاقة المتينة بين ترامب وإسرائيل "خطأ" في نظر المحلل الإسرائيلي ايهود بعاري الذي دعا إلى الابتعاد عن ترامب "حتى لا تخسر إسرائيل الجمهور الأمريكي" كما قال.

اقرأ/ي أيضًا: إسرائيل تجسست على ترامب ومسؤولين أمريكيين كبار

2. ليست الولايات المتحدة، الصديق الوحيد الذي تجسست إسرائيل عليه، فمصر أول الدول العربية التي أبرمت اتفاق سلام مع إسرائيل، ظلّت لعقودٍ بعد إبرام هذه الاتفاقية هدفًا لجواسيس إسرائيل، ومن ذلك قضية المهندس النووي محمد سيد صابر الذي أُدين عام 2007 بتهمة التجسس، وتم إلقاء القبض عليه في المطار عام 2007.

مصر أول دول عربية أبرمت اتفاق سلام مع إسرائيل، ظلت لعقودٍ بعد السلام هدفًا لجواسيس إسرائيل

سبقت صابر، قضية سمير عثمان الذي أعلن المصريون اعتقاله عام 1997 واعترف بتجنيده لصالح "الموساد" عام 1988. وكذلك قضية الجاسوس عزام عزام الذي تم إلقاء القبض عليه عام 1996 بعد إدانته باستغلال عمله مديرًا لأحد مصانع النسيج في التجسس.

3. مثالٌ أساسيٌ في فهم حالة التنكر الإسرائيلي والاستعلاء على الخدم والعملاء، يكمن في حالة الجنرال العميل اللبناني لإسرائيل أنطوان لحد، قائد جيش لبنان الجنوبي "جيش لحد". ما هو المصير الذي اختارته إسرائيل لعميلها وجنوده؟ لم تخبرهم إسرائيل حتى بنيتها الانسحاب في مطلع الألفية تحت ضغط ضربات المقاومة، فانسحب المحتل وأبقى العملاء وراءه، وقد أظهر الحالة مشهدٌ متلفزٌ لجنود لحد أمام بوابة فاطمة يستجدون جنود الاحتلال أن يدخلوهم إلى فلسطين المحتلة.

تم لا حقًا فرار الكثيرين من عناصر لحد إلى "إسرائيل"، بينما قلةٌ قليلةٌ اختارت التوبة وسلموا أنفسهم للقضاء اللبناني، الذي أبدى تساهلاً معهم.

عندما أتى جنود لحد للعيش في إسرائيل اعتقدوا أنهم سيعاملون معاملة الأبطال، لكن النكران الإسرائيلي كان لهم بالمرصاد، فوجدوا أنفسهم يعيشون في أحقر الأحياء على أطراف المدن الإسرائيلية، في ظروف معيشية قاهرة، وفتحت أمامهم أعمالٌ من الفئة الدنيا والأجور الأدنى أيضًا، بينما هناك قطاعٌ منهم لم يتوقف عن تقديم الولاء المجاني لإسرائيل، وتطوع للخدمة في الوحدات القتالية الإسرائيلية وفي جهاز "حرس الحدود" سيء السمعة.

عندما أتى جنود لحد للعيش في إسرائيل اعتقدوا أنهم سيعاملون معاملة الأبطال، لكن وجدوا أنفسهم يعيشون في أحقر الأحياء على أطراف المدن الإسرائيلية

عندما مات أنطوان لحد، كان يعيش في مدنة نتانيا الساحلية، ويمتلك مطعمًا وبار يتعيش من دخله، استكثرت عليه إسرائيل دفنًا لائقًا أو قبرًا طبيعيًا، ولم تقدم أي مراسم أو تسهيلات لعائلته وقتها.

4. مثالٌ آخر في خيانة إسرائيل لمن يخدمونها كشفه ضابطٌ رفيعٌ في "الموساد" قبل سنتين، متباهيًا أنه أرسل أحد عملائه إلى الموت حتى لا تفشل عملية التصدي لمجموعة من الثوار الفلسطينيين الذين كانوا يحاولون التسلل من لبنان إلى شمال فلسطين في سبعينات القرن الماضي.

اقرأ/ي أيضًا: راعي الأغنام الجاسوس الذي أرسله ضابط الموساد للموت

آنذاك، طلب الثوار من العميل الذي كان يعمل راعي أغنام مشاركتهم في العملية لتجنب الخيانة، فأقنعه الضابط أن يُشارك معهم وسيتجنبون إطلاق الرصاص عليه لأنهم سيعرفونه من خلال تقنيات خاصة، لكن الضابط يؤكد أنه لم يكن هناك أي تقنيات من هذا النوع، ويعلم أن الراعي سيُقتل.

في حالاتٍ أخرى، هرب عملاء من الضفة الغربية إلى الخط الأخضر خوفًا من انتقام الفلسطينيين بعد أن افتُضح أمرهم، فكانت النتيجة أن "الشاباك" والمحاكم الإسرائيلية تخلوا عنهم، بل أنكروا علاقتهم بهم أيضًا ونفوا تقديمهم أي خدمات، وهو ما رصده تقريرٌ مصورٌ ترجمه الترا فلسطين.

5. مثالٌ آخر أقل سطوعًا لكن أعمق تحليليًا يكمن في العلاقة التاريخية بين أسرة بارازاني السياسية، التي تحكم وتتحكم في الملف الكردي العراقي بالكامل تقريبًا منذ عقود.

أسست عائلة بارازاني على مدار ثلاثة أجيال وحتى الآن صلة ولاءٍ منقطعة النظير مع إسرائيل، عبر "الموساد" الاسرائيلي خصيصًا، وهو جهازٌ فاعلٌ ومترسخٌ في إقليم كردستان العراق.

كما يقوم آل بارزاني بتهريب النفط العراقي لإسرائيل بشكل شبه مجاني، ويناصرون إسرائيل في عدة ملفاتٍ استخباريةٍ في المنطقة. لكن في المقابل يكفي التساؤل، ماذا قدمت إسرائيل لآل بارزاني أو للكرد أجمالا؟!

6. ليس العملاء وحدهم من تخونهم إسرائيل، فجنودها الذين يُقاتلون إلى جانبها، وتدفع بهم إلى خطوط المواجهة الأولى دائمًا يلقون المصير ذاته. على مدار سبعة عقود قُتل 417 شخصًا من الفئة التي قبلت بالانضمام إلى جيش الاحتلال من أبناء الطائفة الدرزية. فماذا فعلت بهم إسرائيل؟

إسرائيل أكثر من يُتقن تحصيل المكاسب من أصدقائها وحلفائها كما أعدائها دون تقديم الأثمان

في تموز/يوليو 2018، أقرّ الكنيست الإسرائيلي قانون القومية اليهودية، وصار هذا القانون أساس "المواطنة" في إسرائيل. وبموجب ذلك جعل القانون من الطائفة الدرزية مواطنين من الدرجة الثانية، أو من الدرجة السابعة كما قال عضو الكنيست الدرزي كرم حسون. وأضاف، "تم تعزيز التمييز القائم ضدنا في التخطيط والتعليم والميزانيات، بقانون القومية الذي وسع الفجوة بين الأقليات وبين اليهود".

اقرأ/ي أيضًا: إسرائيل "بصقت في وجه الدروز" بعد 417 قتيل لأجلها

وفي شهر آب/أغسطس 2019، كشف سفير إسرائيل في بنما رضا منصور عن تعرضه وابنته لإجراءاتٍ تعسفية في مطار اللد أثناء سفره عائدًا لمكان عمله، وكان سبب ذلك أنه درزيٌ وقادمٌ من قرية عسفيا التي تسكنها أغلبية عربية. احتجَّ رضا منصور على ما وصفها "عنصرية" عناصر الأمن، لكنه لم يجد من يُطيب خاطره أو يعتذر له، بل تعرض للانتقاد من مدير أمن المطار.

7. إضافة للطائفة الدرزية، يعيش داخل الخط الأخضر تحت سيادة "دولة إسرائيل" فلسطينيون لم يُهاجروا إبان حرب 1948، منحتهم إسرائيل جنسيتها. قسمٌ من هؤلاء قبلوا بالخدمة العسكرية في جيش الاحتلال وشرطته، وقاتلوا بشراسةٍ، لكن ما هي النتيجة؟ قصة المجندة وخطيبها الجندي إحدى النماذج.

قبل شهور، أجرت الإذاعة العبرية العامة مقابلة مع شابةٍ أدت "خدمتها" في الجيش، وخطيبها جنديٌ لازال يعمل في "حرس الحدود" التابع لشرطة الاحتلال، ويؤدي عمله في القدس. الاثنان بحثا على مدار شهورٍ طويلةٍ عن شقةٍ للسكن في القدس دون جدوى، إذ في كل مرةٍ يرفض مالك الشقة أن يؤجرهم بعد أن يعرف أنهما عرب، بحجة أن سكان العمارات والأحياء يخافون من جيرة العرب حتى لو كان جنديًا أو شرطيًا.

خلاصة القول، أن إسرائيل ليست الصديق الوفي الذي يبحث عنه العرب ليشاركهم دفاعهم عن أنفسهم، إنها أكثر من يُتقن تحصيل المكاسب من أصدقائها وحلفائها كما أعدائها دون تقديم الأثمان، أو في أفضل الأحوال مقابل أبخس الأثمان.


اقرأ/ي أيضًا: 

إيلان بابيه يفضح فكرة إسرائيل

قصص قصيرة عن عنصرية يسار إسرائيل ضد العرب

سباق التطبيع.. المهر الأغلى مقابل الثمن البخس