تتداول وسائل الإعلام في "إسرائيل" معطيات اقتصادية تصفها بـ "القنبلة الاقتصادية الموقوتة"، للتدليل على أن العبء الاقتصادي في "إسرائيل" ملقىً على عاتق فئة محدودة من المجتمع، وهم الأقل نموًا من الناحية السكانية، فيما يتواصل بوتيرة أسرع نمو الفئات التي لا تساهم بشكل كبير في الحياة الاقتصادية.
العبء الاقتصادي في "إسرائيل" ملقىً على عاتق فئة محددة، وهذا قد يدفع الآخرين للمغادرة
وتشير المعطيات المذكورة إلى أنّ ما لا يزيد عن 400 ألف إسرائيلي من العاملين في قطاع التكنولوجيا المتقدّمة "هايتك"، والأطباء والمحاضرين الجامعيين، ينتجون 53 في المئة من إجمالي الصادرات الإسرائيلية للخارج.
ويساهم نحو 20 في المئة من الإسرائيليين فيما نسبته 92 في المئة من إجمالي ضريبة الدخل، لأن البقية معفون بنسب متفاوتة لانخفاض رواتبهم، و50 في المئة تم إعفاؤهم بالكامل وهؤلاء يُصنّفون بأنهم يرزحون تحت خطّ الفقر.
وبناء على هذه المعطيات، يصبح التساؤل المُلح ليس هل ستتحول "إسرائيل" إلى دولة عالم ثالث؟، وإنما متى سيتم ذلك؟ وحالة انعدام المساواة في الأعباء الاقتصادية قد تدفع الجزء الذي يدفع الضرائب إلى التفكير في الهجرة. أحد الصحفيين الاقتصاديين في "إسرائيل" تساءل: "ماذا لو هاجر عشرات الآلاف ممن يدفعون الضرائب؟ من سيمول السكان الذين لا يعلمون، والذين يتواصل نموهم السكاني. إلى متى ستصمد حالة عدم المساواة في الأعباء الضريبية والمساهمة في الصادرات؟
التساؤل المُلح ليس هل ستتحول "إسرائيل" إلى دولة عالم ثالث؟، وإنما متى سيتم ذلك؟
أحد الأمثلة الصارخة على هذه المعطيات، الحريديم "المتشددون دينيًا" في "إسرائيل"، فهم يُضاعفون أنفسهم عدديًا كُل ربع قرن تقريبًا. فمن تتجاوز أعمارهم 95 يومًا، لا تزيد نسبتهم عن 1.5 في المئة. ومن تزيد أعمارهم عن 70 عامًا، تصل نسبتهم 3 في المئة، و6 في المئة لمن هم فوق 50 عامًا. أمّا الأطفال من عمر يوم وحتى سنّ 4 أعوام، فنسبتهم نحو 25 في المئة، والغالبيّة العظمى من أطفال "الحريديم" يدرسون في مدارس دينية لا تُدرّس الرياضيات والعلوم والكمبيوتر واللغات الحية، ولا يؤدي الشبان الخدمة العسكرية الإلزامية في جيش الاحتلال، ونسبة دخول الرجال لسوق العمل تصل إلى النِّصف فقط، ويعمل معظمهم في مهن لا تدر راتبًا جيّدًا، وبالتالي يتم إعفاؤهم من ضريبة الدخل.
في التقييم الدولي لمنظومة التعليم، البرنامج الدولي لتقييم الطلبة المعروف اختصارًا "بيسا"، حصلت "إسرائيل" على 465 نقطة، وهذا يضع طلبة المدارس في "إسرائيل" ليس ضمن طلبة الدول المزدهرة مثل اليابان التي حصلت على 520 درجة، أو فنلندا التي سجلت 516، أو ايرلندا 505، وإنما تحت دول مثل هنغاريا التي حصلت على 479، وسلوفاكيا التي حصلت 469.
الخبير الاقتصادي الإسرائيلي البروفيسور دان بن دفيد، حذّر من تدني مستوى التعليم في "إسرائيل"، وأنّ منظومة التعليم الإسرائيلية باتت تصنّف بأنها "الأسوأ" في العالم الغربي، خصوصًا في الرياضيات، وفي العلوم والمطالعة، وفقًا لاختبارات برنامج تقييم الطلبة الذي وضع "إسرائيل" في الدرجة الأخيرة بين الدول المتقدّمة.
بروفيسور إسرائيلي: منظومة التعليم الإسرائيلية باتت تصنّف بأنها "الأسوأ" في العالم الغربي، خصوصًا في الرياضيات
وشرح بن دافيد للقناة 13 الإسرائيلية تداعيات انخفاض مستوى التعليم في "إسرائيل" بالقول: "عندما يكون نصف الأطفال في "إسرائيل" من الحريديم، يحصلون على تعليم يضاهي التعليم في دول العالم الثالث، وهم ينتمون إلى الجزء الأكثر والأسرع نموًا من الناحية السكانية، وعندما يكبرون لن يستطيعوا إدارة اقتصاد ينتمي إلى العالم المتقدِّم، كما سيعجزون عن تشغيل منظومة صحية تنتمي للعالم المتقدّم، ولن يكون بمقدورهم إدارة منظومة رفاه قائمة على معايير العالم المتقدّم، ولن يقودوا جيشًا ينتمي للدول المتقدّمة.
يستدرك المذيع الإسرائيلي متسائلًا: "عندها "إسرائيل" ستتحوّل إلى دولة من العالم الثالث؟ ثم تأت الإجابة بالنفي: "عندها إسرائيل لن تكون موجودة، لن يكون بمقدورها الدفاع عن نفسها، يكفي أن يهاجر بضع عشرات من الآلاف المنتجين، ستحل بنا مصيبة، هناك من سيواصل الحياة هُنا، رغم كل شيء، لكن ثمة أشخاص لديهم حدّ معين للاحتمال، في عام 2014، مقابل كل شخص هاجر إلى "إسرائيل" هاجر ثلاثة للخارج، وفي عام 2018، مقابل كل مهاجر إلى "إسرائيل" غادر أربعة، المجتمع المثقّف الذي يملك بدائل ليس مضطرًا للبقاء هُنا".