05-ديسمبر-2018

خلف كل صورة في هذا المعرض حكاية، ووراء كل قِطعة قصة تُوثّق مشهدًا من مشاهد النكبة التي راهن مرتكبوها على نسيان التاريخ لفصولها والجغرافيا لملامحها، مرددين "الكبار يموتون والصغار ينسون".

  معرض "قول يا طير" حاول توثيق النكبة بالتركيز على اللحظات السعيدة التي عاشها الفلسطينيون قبل أن يصيروا لاجئين   

القائمون على معرض "قول يا طير" الذي أقيم على أرض جامعة النجاح في مدينة نابلس بالشراكة مع مؤسسة الشهيد ظافر المصري، قرروا هذه المرة عرض "التغريبة الفلسطينية" بطريقة مختلفة، بعيدًا على الجانب المأساوي والبكائي الحزين، وحاولوا التركيز على اللحظات السعيدة التي عاشها الفلسطينيون قبل أن يصيروا لاجئين موزعين في زوايا الأرض. 

اقرأ/ي أيضًا: مها تبحث عن ثوب قريتها المهجّرة

المعرض الذي تشرف عليه مؤسسة الرواة للدراسات والأبحاث، كما يقول منظموه، يعدّ معرضًا عالميًا يتنقل من مدينة لأخرى، من أجل المساهمة في لفت نظر الرأي العام العربي والإسلامي والأجنبي لقضية اللاجئين الفلسطينيين.

سباق مع الزمن

المديرة العامة لمؤسسة الرواة للدراسات والأبحاث فيحاء عبد الهادي، تقول عن فكرة المعرض: "المؤسسة بشكل عام معنية بتوثيق اللحظات الأخيرة التي سبقت الكارثة، فمنذ بداية عملها عام 2012، جمعت 115 رواية شفوية أخذتها من الناس الذي عايشوا النكبة وهُجّروا من أراضيهم (...) كُنّا في سباق مع الزمن فغالبية الجيل الأول رحلوا".

وتكمل حديثها لـ "الترا فلسطين": "بعد أن انتهينا من أخذ هذه الروايات جمعناها في كتاب من جزئين؛ الأول أطلقنا عليه اسم "ذاكرة حية" والثاني "مرآة الذاكرة"، بعد ذلك قررنا تحويل بعض ما جاء في الكتاب لمعرض، لأن الناس في مجملها تعزف عن القراءة، ولأن الصورة تُغني في كثير من الأحيان عن آلاف الكلمات".

ويُعد هذا المعرض الخامس في سلسلة المعارض التي أقامتها مؤسسة "الرواة"، حيث أُقيم المعرض الأول في منتصف العام الماضي في العاصمة الأردنية عمّان، وأقيم الثاني في آب/ اغسطس من العام ذاته في متحف محمود درويش في رام الله، وفي آذار/ مارس 2018 نقلت المؤسسة المعرض لمركز يبوس في القدس، وفي نهاية تشرين أول/ اكتوبر الماضي حط رحاله في العاصمة البحرينية المنامة.

رسائل غير مكتوبة

وعن الرسائل التي حملها المعرض، فذكرت عبد الهادي: "فضّلنا أن يستنتجها الزوار بأنفسهم من خلال المعروضات والصور، وهي تتلخص في أنّ الفلسطيني لم يترك أرضه رغبة منه، وإنما هُجّر منها قسرًا وتحت تهديد الرصاص والقنابل، وهذا يفنّد الرواية الإسرائيلية، والرسالة الثانية هي المقاومة، فالناس رجالًا ونساءً قاوموا العصابات الصهيونية رغم شح الإمكانيات وضعف الوسائل القتالية".

"أما الرسالة الثالثة والتي حاول المعرض التركيز عليها أكثر من غيرها فهي أن المُهجّر ليس مجرد رقم في سجلات وكالة الغوث وإنما هو إنسان كان يعيش حياة سعيدة وكريمة قبل مأساة النكبة، لذلك نرى أن نسبة كبيرة من الصور المعلقة في المعرض كانت لأزواج في يوم فرحهم"، تضيف عبد الهادي.

وتتابع مديرة مؤسسة "الرواة": "عندما تُذكر "النكبة "سرعان ما تقفز إلى ذهن القارئ عشرات الصور المؤلمة، كبار يحملون أمتعتهم فوق رؤوسهم، صغار ونسوة هائمون على وجوههم، هذه الصورة الذهنية النمطية حاول معرض "قول يا طير" كسرها، من خلال التركيز على جوانب فرحة عاشها الفلسطينيون قبل ذلك اليوم المشؤوم.

بدلة عرس بيضاء

عند تجوالنا في المعرض لفت نظرنا بدلة عروس بيضاء معلّقة في أحد زواياه وإلى جانبها "شرشف صيفي أحمر" يغطي وجه أحد الأسرّة.

سألنا فيحاء عبد الهادي عن قصتهما، فقالت: "في معرضنا الذي أقيم في الأردن جاءت إلينا شقيقتين، أهدتنا الأولى بدلة زفاف والدتها التي كانت تقيم في عكا قبل النكبة، بينما أعطتنا الثانية "شرشف سريرها"، قالتا إن هذه البدلة والشرشف هما التذكار الوحيد المتبقي لهما من والدتهما التي توفيت منذ سنوات، وأضافتا أنّ ذلك يُعتبر "عودة" معنوية للبلاد (...) كانت لحظات مفعمة بالحنين للوطن أبكت جميع الحاضرين".

اقرأ/ي أيضًا: صور | كيف تجمّلت نساء فلسطين قبل النكبة؟

وعن الساعة الماسية الموجودة في أحد صناديق المعرض، أوضحت عبد الهادي: "هذه الساعة تعود لعبلة التميمي التي هُجّرت من قضاء حيفا عام 1948(...) كانت الساعة عزيزة جدًا على الابنة، غير أنّها قررت منحها لمؤسسة الرواة حتى تكون شاهدًا على قصة النكبة".

وتكمل عبد الهادي: "يمكن لزائر المعرض أن يرى أيضًا لوحة "العشاء الأخير" للسيّد المسيح. هذه اللوحة القماشية تعود لعائلة أرمنية هُّجرت من أحد أحياء مدينة القدس عام 1947،  وهذا يدلل على أن مأساة النكبة طالت المسيحيين وطوائف أخرى".

ولفتت عبد الهادي إلى أنّ المعرض شهد العديد من الفعاليات والعروض المسرحية من بينها مسرحية "مرميه"، مشيرة إلى أن المعرض سينتقل إلى مصر ومنها إلى لبنان، وبعدها إلى دول أوروبيّة.

متحف متحرّك

خلال تجولنا في معرض "قول يا طير" التقينا الأستاذ في كلية الفنون بجامعة النجاح الوطنية أسيد خضير، وسألناه عن رؤيته الفنية لهذا المعرض، فقال: "هو معرض احترافي.. وهو يرقى لمرتبة متحف متحرّك، من الوهلة الأولى قد يظن الزائر أنه فارغ ولا يوجد به الكثير من المعروضات (...)  في معارض سابقة كان يتم حشو المكان بالكثير من العناصر المتعلقة بتاريخ الهجرة الفلسطينية، هذا المعرض أخذ طابع العرض والاستراحة حيث نجد مساحات فارغة ومساحات مليئة، وهو ما جعله متميزًا ومختلفًا هذه المرة".

وحسب خضير فإن فكرة العرض والاستراحة للفراغ تسمح للزائر بأن يُجزّئ المواضيع عن بعضها البعض ويتأمل في كل مجموعة على حدة غير متجاهل للفكرة العامة، مشددًا على أن إلغاء التركيز على عرض المفاتيح القديمة (رمز الهجرة) هي حركة جريئة من مصممي المعرض ومنظّميه.

وتابع: "ومن الجميل أيضًا الإشارة إلى بعض قطع الأثاث غير التقليدية مثل شرشف التخت ومقتنيات الجواهر والقلادات وجوازات السفر وربطات العنق وغيرها (...) المعرض بشكل عام ركّز على الجانب الإنساني وهي لغة مشتركة تفهمها كل الشعوب والديانات، ويحترم المشاهد ويشرح الأفكار بشكل غير تقليدي، بسيط ومبدع في نفس الوقت، وهو ما نحتاجه عند عرض قضايا وطنية زخمة وفيها الكثير من التفاصيل كقضية اللاجئين".

آلة الزمان

وعند نهاية المعرض سألنا تسبيح حاتم إحدى الزائرات عن رأيها في ما شاهدته، فقالت: "الجميل في هذا المعرض أنه يعرض الصور ويقارن بين الأشخاص قبل التهجير وفي الوقت الحالي، كيف كانت ملامح وجوههم قديمًا وكيف تبدّلت اليوم، وهم أطفال يوم كانوا في قراهم ومدنهم الأصلية وصورهم اليوم في البلاد التي هاجروا إليها". 

وتضيف:"أكثر ما لفت نظري أيضًا هو وجود مقتنيات حقيقية تخص المُهجّرين، بابور قديم، مقص، سراج زيت، دلة قهوة وغيرها (....) تخيّلت أصحابها وهم يستخدمونها وكأنني بينهم، المعرض كان كآلة زمن نقلني لزمان ومكان مختلفين قبل سبعين عامًا". 

 


اقرأ/ي أيضًا: 

تلفيق النكبة، لماذا؟

ما هي ألعاب الفلسطينيين قبل النكبة؟

صور | عن "الناس الطيّبة" في فلسطين قبل النكبة

نظرة جديدة لفلسطين قبل النكبة: الاقتصاد والمجتمع

كرة القدم في فلسطين.. صراع قبل النكبة

فيديو | بماذا تغنى أجدادنا "أيام البلاد"؟