17-سبتمبر-2020

مقام الشيخ جمال الدين من المدخل الجنوبي للمقبرة - تصوير غسان دويكات

إلى الشمال الغربي من قرية شويكة، وضمن أراضيها التي قسمها جدار الفصل العنصري إلى شرقية وغربية، وعلى مساحة منبسطة في آخر تَلٍ من جهة الغرب من أراضي شويكة، توجد أطلال وبقايا قرية كان اسمها كفر سِب.

المَعلَمان الواضحان الباقيان من كفر سِب اليوم هما "مقام جمال الدين"، ومقبرتها

المَعلَمان الواضحان الباقيان من كفر سِب اليوم هو "مقام جمال الدين"، ومقبرتها التي تبلغ مساحتها مع أرض المقام حوالي عشرة دونمات وأغلب قبورها مبعثرة وغير واضحة المعالم، إلا من ستة قبور؛ قبران لرجل وأخته من شويكة، وقبر مجهول الهوية، وثلاثة قبور لثلاثة من جنود الجيش العراقي لم تُعرف أسماؤهم، استشهدوا في قاقون، خلال المعركة التي دارت يوم 4 حزيران/يونيو 1948م مع القوات الصهيونية، واستُشهد فيها 40 من رجال المقاومة و17 جنديًا عراقيًا1. ومهما يكن فإن اتجاه كل القبور في المقبرة يشير إلى كون أصحابها مسلمين.

القبور ذات الحجارة القديمة لجنود عراقيين | تصوير: غسان دويكات

يقع في الطرف الشرقي من المقبرة "مقام جمال الدين"، ويُقال إنه يعود لجمال الدين اقوش بن عبد الله الشمسي، الذي قاتل التتار والصليبيين، وقُتل في أحد المعارك مع الصليبيين في قرية قاقون، ونُقل جثمانة ودفن في كفر سِب. في حين ذكر الدباغ ان صاحب المقام هو جمال الدين يوسف بن محمد الكفرسبي الحنبلي الصالح، المتوفى سنة 1486م، وبما أن الفترة الزمنية بين الاسمين تفوق المائتي عام، فيُعتقد أنهما اسمان لشخصين مختلفين2.

مقام جمال الدين، أسفل الصورة يظهر الجزء الجنوبي للمقبرة | تصوير غسان دويكات
ضريحان داخل غرفة المقام | تصوير: غسان دويكات

وفقًا لمعطيات موقع geomolg.ps -نظام جيومولوج للمعلومات الجيومكانية في فلسطين- تقع قرية كفر سِب في حوض 8431، وتتكون من حوالي 10 قطع أرض مختلفة المساحة. القطعة رقم 8 تشتمل على كامل مقبرة قرية كفر سِب و"مقام جمال الدين"، تشكل الحد الغربي للقرية، ويقع للغرب منها وعلى مسافة أقل من كيلومترين الطريق المعروف رقم 6 العابر لفلسطين شمالاً وجنوبًا، والطريق القديم الواصل بين طولكرم وقرية أم خالد، بينما القطعة رقم 23 تشتمل على أطلال وبقايا "مقام الشيخ سرور"، وتشكل الحد الشرقي للقرية.

يمكن من مقبرة القرية مشاهدة السيارات على الطريق بين طولكرم وأم خالد | تصوير: غسان دويكات

وبين هاتين القطعتين كانت تتربع يومًا قرية كفر سِب. وكان من الصعب التوغل في المنطقة نظرًا لصعوبة المشي بسبب الحشائش الطويلة والكثيفة، ناهيك عن الحر والخوف من الأفاعي الكبيرة حيث شوهدت آثارها وجلودها بشكل واضح.

ساحة المقبرة الرئيسة | تصوير: غسان دويكات

لا يُعلم يقينا متى وكيف نشأت قرية كفر سِب، ولكن المؤكد أنها كانت قائمة في العصر الروماني، حيث عُرفت حينها باسم yishub. ثم في زمن الاحتلال الصليبي عُرفت باسم cafersur، في ما يُعتقد أن كلمة سِب مأخوذة من الكلمة السريانية سيبا، وتعني قطع الحطب أو محطبة، كإشارة لمهنة سكانها آنذاك3.

المؤكد أن كفر سِب كانت قائمة في العصر الروماني، ويُعتقد أن كلمة سِب مأخوذة من الكلمة السريانية سيبا، وتعني قطع الحطب

وفقًا للمصادر، وبناءً على المشاهدات الشخصية، لا توجد بقايا أو آثارٌ واضحة المعالم اليوم لقرية كفر سِب، باستثناء "مقام جمال الدين"، وهو بناء قديم تم ترميمه حديثًا، وفي ساحته بئر ماء تم استصلاحه وترميمه آخر مرة يوم 12 كانون ثاني/يناير من العام 1978، على يد رياض رستم العمر، وهو أحد سكان قرية شويكة.

كما بقي من آثار القرية، مقبرتها، وفيها بئر ماء متروك في الجهة الجنوبية الشرقية، ومجموعة جدران حجرية مرتفعة متراصة لبيوت القرية من الجهة الشرقية قبالة دير عشاير، وأجزاء مهدمة من "مقام الشيخ سرور"4.

 الحد الشرقي من القرية وفي طرفة الجنوبي يقع بقايا مقام الشيخ سرور | تصوير: غسان دويكات

اشترى أهل قرية قاقون -كيلومترين للغرب من كفر سِب- معظم أحجار بيوت كفر سِب من سكانها الذين توجهوا إلى عرابة بعد خراب قريتهم وقتل أغلب سكانها، واستخدموا الحجارة في تعمير بيوتهم. وخراب القرية، يُعتَقَد أنه حدث خلال الحرب الأهلية الفلسطينية (1853 – 1856)، أو لاحقًا في العام 51868، وهي قصة يدعمها أن القرية كانت تابعة لآل عبد الهادي خلال السنوات (1826 – 1837)، وكان تيمارها السنوي ألفي قرش6.(التيمار هو أقل مستويات الإقطاع العثماني).

اشترى أهل قرية قاقون معظم أحجار بيوت كفر سِب من سكانها الذين توجهوا إلى عرابة بعد خراب قريتهم

والحرب الأهلية الفلسطينية7 بدأت صيف 1853 في جبل نابلس، وسببها الرغبة في السيطرة على بلاد جماعين وبسط النفوذ على جبل نابلس بالكامل.

وهذه الحرب كانت بين طرفين، الأول آل عبد الهادي ويمثلون حزب قيس ومعهم الشعراوية الغربية والشرقية، وجزء من بلاد حارثة آل جرار، وبني صعب أو الجيوسي، وآل القاسم في شرق بلاد جماعين، وجورة عمرة، والأحفاء في شرق وادي الشعير، وجزء من آل حج محمد في مشاريق البيتاوي. أما الطرف الثاني؛ آل طوقان وهم حزب يمن، ومعهم؛ آل ريان في غرب جماعين وآل البرقاوي غرب واد الشعير، وجزء من آل جرار في جنوب بلاد حارثة، وبقية آل حج محمد في مشاريق البيتاوي.

بئر ماء تنساب إليه مياه الإمطار من سطح بناء مقام جمال الدين | تصوير: غسان دويكات

ومهما يكن، فالمؤكد والثابت أن القرية وحتى يوم 2 أيلول/سبتمبر من العام 1846 -على الأقل- كانت ما زالت قائمة ومعمورة8. وهو ما يجعل باب البحث عن أسباب اندثارها مفتوحًا.

المؤكد والثابت أن القرية وحتى يوم 2 أيلول/سبتمبر من العام 1846 -على الأقل- كانت كفر سِب ما زالت قائمة ومعمورة

لقد أمكن تسجيل بعض أسماء الأشخاص الذين تولوا حراسة المقامات في القرية ورعاياتها خلال فترات تاريخية متباعدة؛ ففي العام 1641 تولاها الشيخ شرف الدين محمد القادري. ثم تولى الشيخ إبراهيم الفدعوس9 هذه المهمة بتاريخ لا نعلمه بعد الشيخ شرف القادري، وبقي الشيخ إبراهيم متوليًا المقام حتى وفاته سنة 1736، حيث تولى رعاية المقام مصطفى وأحمد، وهما حفيداه من ابنه محمد.

مجمع بنايات من العهد العثماني شرق كفر سِب يُعرف باسم دير عشاير | تصوير: غسان دويكات

لاحقًا بفترة زمنية ليست بسيطة كان قد تولى المقام الشيخ موسى إمام10، ثم بعد وفاته سنة 1846، تولاها يوسف وبكر  حفيداه من ابنه مصلح. وحتى نهاية الدولة العثمانية، أو حتى خرابها، كان قد تولى المقام أحد مشايخ آل البسطامي، حيث يُنسب إليه المقام -خطأً- في وقتنا الحاضر11.

كانت كفر سِب جزءًا من إقطاع المنطقة، وقد انتقل إقطاعها من إقطاعي إلى آخر عبر تاريخها. ففي العام 1682 انتقل إقطاعها من إسماعيل بك وشركاه إلى حسين الأرنأوود، ولمدة سنتين فقط، مقابل مبلغ 3500 عثماني12. ويبدو أنها بعد سنتين قد انتقلت لإقطاعيين جدد، فنجد أنها في العام 1687 كانت بيد حسن محمد وعلي آغا وعلي جوربجي، ثم انتقلت إلى زين مصطفى ظاهر سلامة العرابي، مقابل 360 قرشًا13. بعد ذلك وفي العام 1728 -يظهر في المصادر- اسم مصطفى بك كزعيم جديد كانت القرية تحت زعامته14.

دير عشاير من جهة الشرق، يقع ضمن أراضي مملوكة ومعمورة لآل عمر من شويكة | تصوير: غسان دويكات

1.  جولة ميدانية، شويكة، كفر سِب، 9/9/2020م. https://www.palestinapedia.net

2. الدباغ، مصطفى، موسوعة بلادنا فلسطين، ج3، ق2، ص 317. جولة ميدانية، شويكة، كفر سِب، 9/9/2020م.

3. الدباغ، مصطفى،  موسوعة بلادنا فلسطين، ج3، ق2، ص 317.

4. جولة ميدانية، شويكة، كفر سِب، 9/9/2020م.

5. مقابلة شخصية، عبد الله عبد الرحيم سعيد عمر، 67 سنة، شويكة، 9/9/2020م.

6. ابو بكر، أمين،  مجلة جامعة النجاح للابحاث-ب، مجلد 2، عدد 2، 2006م، ص 465.

7. الكسندر شولش. تحولات جذرية في فلسطين 1856 - 1882. صفحة 246 - 266. | احسان النمر. تاريخ جبل نابلس والبلقاء. جزء 1، صفحة 348-389

8. سجل المحكمة الشرعية رقم 10، 11 رمضان 1262هـ/1846م، ص 239.

9. سجل المحكمة الشرعية رقم 9، 29 جمادى اول 1149هـ/1736م، ص 118.

10. سجل المحكمة الشرعية رقم 10، 11 رمضان 1262هـ/1846م، ص 239.

11. مقابلة شخصية، عبد الله عبد الرحيم سعيد عمر، 67 سنة، شويكة، 9/9/2020م.

12. سجل المحكمة الشرعية رقم 2، 29 ربيع آخر 1077هـ/1666م، ص 32.

13. سجل المحكمة الشرعية رقم 2، 29 جمادى اول 1099هـ/1687م، ص 235. سجل المحكمة الشرعية رقم 9، 1 رجب 1253هـ/1837م، ص 332.

14. سجل المحكمة الشرعية رقم 5، 10 جمادى اول 1414هـ/1728م، ص 62.


اقرأ/ي أيضًا: 

قرية سُمطا: صراع نفوذ أفضى لإبادة جماعية

المهور حين كانت قمحًا أو ثورًا أو أرضًا..