06-مارس-2023
RONALDO SCHEMIDT/ Getty Images

RONALDO SCHEMIDT/ Getty Images

تتوزّع على الطرق الرئيسة في الضفة الغربية لافتات تحذّر من حوادث السير، لكنّ ثمة خطر آخر يحدّق بالفلسطينيين العابرين للطرق، ولا لافتات تحذّر منه. يكفي أن تقترب من مستوطنة إسرائيلية أو مفترقًا رئيسًا لتدرك أنّك تسير قرب الموت أو على حوافّه بفعل "كمائن المستوطنين" التي تصاعدت مؤخرًا. 

مئات المركبات الفلسطينية السائرة في شوارع الضفة هذه الأيام تتعرّض للرشق بالحجارة من قبل المستوطنين.. بعض هذه الحوادث كانت قاتلة

حوادث كثيرة، لا تُعد، ولا إحصائيات دقيقة عنها، مئات المركبات الفلسطينية السائرة في شوارع الضفة هذه الأيام تتعرّض للرشق بالحجارة من قبل المستوطنين، وفق ما يقول الباحث الميداني إيّاد حداد لـ "الترا فلسطين".

مساء 27 شباط/ فبراير، تحرّكت مركبة إسعاف فلسطينية من مستشفى جنين الحكومي شمال الضفة الغربية، ووجهتها مستشفى "H.Clinic" في رام الله. مركبة الإسعاف كانت تنقل طفلة مريضة تبلغ 12 عامًا. اضطر سائق المركبة لسلوك طرق التفافيّة وفرعيّة لتجنّب اعتداءات حشود المستوطنين على الشوارع. 

مركبة إسعاف فلسطينية هاجمها مستوطنون بالحجارة جنوب نابلس
مركبة إسعاف فلسطينية هاجمها مستوطنون بالحجارة جنوب نابلس

بذل السائق جهودًا حثيثة لتأمين وصول الطفلة إلى قسم العناية الفائقة في المستشفى برام الله، لكنّه وعندما وصل منطقة حاجز زعترة جنوب نابلس، فوجئ بمستوطنين يرشقون مركبة الإسعاف بالحجارة ويحطّمون زجاجها الأماميّ. قالت وزارة الصحة في بيان عن الحادثة الصعبة، إنّ الطفلة المريضة وطاقم الإسعاف والطبيبة المرافقة أصيبوا بحالة هلعٍ شديد جراء اعتداء المستوطنين، أمّا والدة الطفلة، والتي كانت ترافقها إلى المستشفى، فقد أصابتها حجارة المستوطنين بجروح جرّاء تناثر الزجاج، إثر الحجارة.

وثّق الباحث الميداني في مؤسسة "بتسيلم" إياد حداد، هذه الحادثة، وقال لـ "الترا فلسطين" إنّها واحدة من بين أصعب الاعتداءات التي حدثت مؤخرًا.

المصوّر الصحفي معتصم سقف الحيط من نابلس، تعرّض هو الآخر، لهجوم إرهابيّ نفّذه مستوطنون جنوب نابلس. يقول لـ "الترا فلسطين" إنّه كان في طريق عودته من نابلس إلى رام الله عند التاسعة مساءً بعد تغطية صحفية، ولدى وصوله دوار حاجز زعترة، تفاجأ بأعداد كبيرة من المستوطنين في المكان، وحين صارت مركبته على مسافة قريبة منهم، لاحظ أنهم يحملون الحجارة، فضغط أكثر على دواسة البنزين، لكن مستوطنًا توقّف أمامه بمركبته معيقًا حركته، ما أدى لوقوع حادث سير قرب الجنود.

المصوّر الصحفي معتصم سقف الحيط، ومركبته التي تعرضت لهجوم مستوطنين
المصوّر الصحفي معتصم سقف الحيط، ومركبته التي تعرضت لهجوم مستوطنين

يروي المصوّر سقف الحيط تفاصيل ما حدث في تلك الثواني، حين سحب الجندي سلاحه، واستعدّ لإطلاق النار صوبه، فما كان من "سقف الحيط" إلّا أن رفع يديه للأعلى، وأشعل الضوء الداخلي في مركبته، حينها أدرك الجندي أن ما جرى حادث سير، ولم يطلق النار، وطلب من المصوّر التوقّف بمركبته ناحية اليمين. 

وبينما كان "سقف الحيط" يوقف مركبته جانبًا، هاجمه مستوطن آخر، وحطّم الزجاج الجانبيّ.

وتُذكّر اعتداءات المستوطنين الأخيرة بحق الفلسطينيين في منطقة جنوب نابلس، باعتداء حصل عام 2018، أسفر عن استشهاد عاشة الرابي (45 عامًا)، الأم لثمانية أبناء، من بلدة بديا في سلفيت، حين كانت عائدة من زيارة ابنتها في الخليل، وأمطر مستوطنون من مستوطنة "رحاليم" القريبة من حاجز زعترة، المركبة بالحجارة، ما أدى لارتقائها وإصابة زوجها يعقوب الذي كان يقود المركبة.

عائشة الرابي استُشهدت عام 2018، بعد أن رشق مستوطنون مركبة عائلتها بالحجارة جنوب نابلس
عائشة الرابي استُشهدت عام 2018، بعد أن رشق مستوطنون مركبة عائلتها بالحجارة جنوب نابلس

وتعتبر منطقة حاجز حوارة، ودوار سلمان الفارسي جنوب نابلس، القريبة من سلسلة مستوطنات يقطنها أشدّ المستوطنين تطرّفًا في الضفة الغربية، واحدة من أخطر المناطق، جرّاء الكمائن والاعتداءات التي ينفذها المستوطنون.

في نفس المنطقة جنوب نابلس، تعرّض الصحفي إبراهيم خلف (الرنتيسي) وطاقم تلفزيون (TRT)، لهجوم آخر من قبل المستوطنين قرب قرية ياسوف. يروي الصحفي إبراهيم خلف لـ"الترا فلسطين"، أنه توجّه لإعداد قصة صحفية عن الشهيد سامح الأقطش من منطقة زعترة التابعة لبلدة بيتا جنوب نابلس، والذي ارتقى إثر إصابته بالرصاص جرّاء استهداف مستوطنين لمنطقة سكنهم في ليلة حوارة المشتعلة.

الصحفي إبراهيم خلف (الرنتيسي) - صورة أرشيفية/ فيسبوك
الصحفي إبراهيم خلف (الرنتيسي) - صورة أرشيفية/ فيسبوك 

ويروي إبراهيم خلف أن الطريق من حاجز زعترة إلى منطقة زعترة لا تحتاج أكثر من دقيقة، ولكن بسبب إغلاق الحاجز اضطر لقطع مسافة ساعة كاملة، وفي تلك الطريق شاهد مركبات محترقة بالكامل. وأضاف أنه وفي طريق العودة وعند مدخل قرية ياسوف، توقّف المصور سائق المركبة عندما شاهد سيارة متوقفة في عرض الشارع على بعد 200 متر منهم، ولدى محاولته الاستدارة، هاجمهم مستوطنون بالحجارة لكنهم نجوا بأعجوبة.

ووفقًا لإياد حداد من "بتسيلم"، فقد شهدت الأراضي الفلسطينية في الأيام الأخيرة وتحديدًا في مناطق حوارة وقرب مستوطنة "يتسهار" والأغوار ومناطق جنوب الخليل، وضواحي رام الله، انتهاكات واعتداءات من قبل المستوطنين الذين نفّذوا أعمالًا "همجية وبربرية"، لافتًا إلى أن الاعتداءات كان بعضها جسديًا، وأوقعت عدّة ضحايا، كما طالت ممتلكات الفلسطينيين. 

وقال الباحث الميداني في "بتسيلم" إن هذه الاعتداءات وأغلبها على الطرقات العامة وخاصة شارع 90 وشارع 60، تجري بحماية وتواطؤ من قوات الجيش والشرطة الإسرائيلية، ودون أيّ محاسبة.

وبيّن أن المستوطنين يرابطون على مفترقات الطرق وتحديدًا مداخل البؤر والمستوطنات المنتشرة على امتداد الشارعين، بحيث يهاجمون المسافرين بالحجارة، ويحتمون في الوقت المناسب.