كهرباء الضفة الغربية: تبعية اقتصادية عشية الاعتراف بالدولة الفلسطينية
22 سبتمبر 2025
عند الحديث عن التبعية الاقتصادية الفلسطينية لإسرائيل، غالبًا ما ينصرف النقاش إلى قضايا العمالة والتجارة وأموال المقاصة. لكن هناك بُعدًا آخر لا يقل أهمية ويُغفل في الغالب، وهو تبعية الفلسطينيين للخدمات الحيوية التي تُعامل كسلع تجارية: المياه والوقود والإنترنت والاتصالات والكهرباء. ومع تصاعد موجات الاعتراف الغربي بالدولة الفلسطينية خلال عامي 2024–2025، يصبح من الضروري أن يلتفت الفلسطينيون إلى هذا الواقع المادي الملموس، وأن يسائلوا تفاصيل تبعيتهم الاقتصادية لإسرائيل كشرط أساسي للتحرر، بدل الاكتفاء بالنشوة الرمزية للدبلوماسية. هذا النص يتناول جانبًا محددًا من تلك التبعية: الكهرباء.
الحديث عن دولة فلسطينية مستقلة أو عن سيادة فعلية يبقى خطابًا فارغًا إذا لم يُعالج ملف الكهرباء أولًا
تزود شركة الكهرباء الإسرائيلية (IEC) الضفة الغربية بما يقارب 95–99% من حاجتها الكهربائية، وتنقلها إلى المستهلك الفلسطيني عبر أربع شركات توزيع: 1- شركة كهرباء القدس الشرقية (JDECO) المسجَّلة كشركة إسرائيلية؛ 2- شركة كهرباء الخليل (HEPCO)؛ 3- شركة توزيع كهرباء الجنوب (SELCO)؛ 4- شركة توزيع كهرباء الشمال (NEDCO). أما ما تبقى من الكهرباء في الضفة فيأتي من محطات شمسية محلية محدودة، أو من شركة الكهرباء الأردنية التي تغذي بنسبة ضئيلة عبر خط ضغط عالٍ يمر من جسر الملك حسين ويوصل الكهرباء إلى جزء من منطقة أريحا. وفي قطاع غزة، تتولى شركة الكهرباء المحلية (GEDCO)، المملوكة لسلطة الطاقة الفلسطينية والهيئات البلدية، مهمة التوزيع أيضًا.
تبعية الضفة الغربية لإسرائيل في مجال الكهرباء قضية معقدة تتجلّى في أربعة أبعاد رئيسية:
أولًا، تقوم إسرائيل بتوريد الكهرباء إلى الشركات الفلسطينية الأربع عبر نحو 230 نقطة ربط متفرقة في الضفة الغربية. هذه الشبكة تمثل بنية تحتية استعمارية أُنشئت دون تخطيط مركزي، وتفتقر إلى المرونة والاحتياط، إذ تسير خطوط النقل أفقيًا من الشرق إلى الغرب بدلًا من أن تكون دائرية ومترابطة. هذا النمط يجعلها ضعيفة وعرضة لانقطاعات متكررة، خاصة في أوقات الذروة أو عند نقص محطات التحويل. تقنيًا، تصل الكهرباء إلى الفلسطينيين عبر خطوط مصممة "بالتوالي" لا "بالتوازي"، وهو تصميم يعزز السيطرة الإسرائيلية على تدفق الطاقة. والأخطر أن تطوير هذه البنية مستحيل تقريبًا من دون إعادة بناء شاملة من الصفر، وهو ما لا يملك الفلسطينيون القدرة على إنجازه بمفردهم حاليًا، ما يضيف بعدًا إداريًا وتخطيطيًا جديدًا إلى التبعية لإسرائيل.
ثانيًا، في عام 2013 أنشأت السلطة الفلسطينية الشركة الفلسطينية لنقل الكهرباء (PETL) لتكون المشتري الوحيد للكهرباء من إسرائيل وتوزيعها على الشركات الفلسطينية الأربع. تبيع شركة الكهرباء الإسرائيلية (IEC) الكهرباء للفلسطينيين بالسعر نفسه الذي تبيعه بالجملة داخل إسرائيل. غير أن مسار النقل المعقَّد، الذي يمر عبر وسيطين (من شركة الكهرباء الإسرائيلية إلى PETL، ثم إلى الشركات الفلسطينية الأربع قبل وصولها إلى المستهلك)، يؤدي إلى رفع التعرفة النهائية. ونتيجة لذلك، يدفع المستهلك الفلسطيني أكثر لكل كيلوواط/ساعة مقارنة بالمستهلك الإسرائيلي. هذا الفارق في الأسعار لا يرتبط بتكلفة البيع من الجانب الإسرائيلي بقدر ما يعكس مشكلات بنيوية في النظام الفلسطيني، مثل ضعف الجباية لدى شركات التوزيع، وارتفاع نسب الفاقد الفني والسرقات في الشبكات، إضافةً إلى غياب فعّال لآليات الرقابة والتنظيم من جانب السلطة الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة.
ثالثًا، في 5 آذار/مارس 2025، أقرَّ مجلس الوزراء الفلسطيني رفع تعرفة الكهرباء بنسبة 19%، مع تعهّد الحكومة بتغطية 58% من هذه الزيادة بشكل مؤقت. وبموجب القرار، ارتفعت التعرفة المنزلية للمشتركين مسبقي الدفع – بعد إضافة ضريبة القيمة المضافة – إلى 0.6439 شيكل/ك.و.س، وهو أعلى مستوى منذ تأسيس السلطة الفلسطينية. هذا الارتفاع يعني زيادة متوسط فاتورة الأسرة الفلسطينية بنحو 20 شيكلًا شهريًا، في وقت تشهد فيه الضفة الغربية أزمة اقتصادية خانقة. وفي المقابل، لم تتجاوز الزيادة في أسعار الكهرباء داخل إسرائيل 3.8% خلال الفترة نفسها، ما يجعل الكهرباء في فلسطين أكثر كلفة نسبيًا ويضاعف العبء على الأسر ذات الدخل المنخفض.
رابعًا، تعاني شركات توزيع الكهرباء الفلسطينية من إعفاءات واسعة لبعض الفئات من دفع الفواتير، خصوصًا في مخيمات اللاجئين، إلى جانب ضعف أنظمة الجباية وسوء الإدارة والفساد. ونتيجة لذلك، تنهي هذه الشركات أعوامها المالية بخسائر تُقدَّر بعشرات الملايين من الشواكل. وعندما تعجز عن تسديد كامل التزاماتها لشركة الكهرباء الإسرائيلية، تتدخل وزارة المالية الإسرائيلية بخصم المبالغ مباشرة من عائدات المقاصة الجمركية التي تُجبى لصالح السلطة الفلسطينية (من الرسوم والضرائب غير المباشرة). بهذه الآلية، يتحول استهلاك الكهرباء إلى أداة مباشرة للتحكم في دخل السلطة وعوائدها المالية.
تجدر الإشارة إلى أن السلطة الفلسطينية تدخل سنويًا في دوامة ديون متكررة لصالح شركة الكهرباء الإسرائيلية، ما يخلق أزمات يتم حلها إما عبر تفاهمات ثنائية، كما جرى عامي 2016 و2020، أو بقرارات إسرائيلية أحادية كما حصل عام 2025. على سبيل المثال، بلغ دين الكهرباء نحو 2 مليار شيكل في 2016، وأُعيدت هيكلته ضمن اتفاق أشرف عليه حسين الشيخ، رئيس الهيئة العامة لإدارة الشؤون المدنية حينها ومنسق أعمال الحكومة الإسرائيلية، وشمل دفعة مالية مباشرة إلى جانب الشطب والجدولة. وفي 2020 لجأت شركة الكهرباء الإسرائيلية إلى أسلوب القطع والتقنين لإجبار السلطة على السداد. وفي العام 2022، أعلنت السلطة الفلسطينية أنها مستعدة لتسديد 75% من فاتورتها، لكن ابتداءً من 2023 بدأت إسرائيل بفرض اقتطاعات شهرية تتراوح بين 20 و30 مليون شيكل من عائدات المقاصة لتسديد الديون على الكهرباء بدون "استئذان" السلطة الفلسطينية. وفي 2025 أُعلن عن تسوية الدين المتبقي، البالغ قرابة 2 مليار شيكل، عبر اقتطاع مباشر من أموال المقاصة بقرار أحادي اتخذه وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش.
من هنا، يتضح أن الحديث عن دولة فلسطينية مستقلة أو عن سيادة فعلية يبقى خطابًا فارغًا إذا لم يُعالج ملف الكهرباء أولًا. فالضفة الغربية تعتمد بنسبة 95–99% على الكهرباء الإسرائيلية، وتُدار شبكاتها المشتّتة عبر مئات نقاط الربط دون قدرة على تحكّم مركزي. في هذا الواقع، تتحول أبسط خدمة حياتية، مثل الكهرباء، إلى أداة ابتزاز مالي وإداري، حيث تُخصم الديون المتراكمة مباشرة من أموال المقاصة وتُستغل كورقة ضغط سياسي. في ظل هذه التبعية البنيوية، تبقى السيادة شعارًا لا مضمون له، إذ يستحيل بناء اقتصاد وطني أو إدارة حياة مدنية طبيعية من دون أمن طاقي مستقل. فالكهرباء هنا ليست مجرد سلعة، بل شرط وجودي لأي شكل من أشكال الاستقلال.
الكلمات المفتاحية

النص الكامل لكلمة د. عزمي بشارة في افتتاحية مؤتمر "فلسطين وأوروبا" في باريس
بلغت فظائع الحرب الإسرائيلية على غزة حد إحراج حلفاء إسرائيل. لذلك، فإن وقف الحرب أوقف الحرج

قوة الإنفاذ الدولية... هل تعني عودة الاحتلال لغزة؟
التحوّل من "الحفظ" إلى "الإنفاذ" يُثير مخاوف فلسطينية مشروعة من أن تتحول هذه القوة إلى ذراعٍ أمنية دولية تعمل بما يخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية

إسرائيل تشرع بتسوية الأراضي في مناطق "ج" وتسجيلها كملكيات خاصة للمستوطنين.. أي سياق؟
في أيار/مايو 2025، قررت الحكومة الإسرائيلية "إبطال" عمليات التسوية التي أجرتها السلطة الفلسطينية في المنطقة "ج"، والبدء بتنفيذ مشروع تسوية شامل لتسهيل التوسع الاستيطاني

مدارس غزة.. عودة مرتجفة للتعليم بين الركام والنازحين ومقاعد بلا أصحاب
لم يكن المشهد الذي رافق استئناف العملية التعليمية في غزة يشبه أي عودة مدرسية شهدها القطاع من قبل

قيادي في حماس لـ "الترا فلسطين": تواصلنا مع روسيا والصين والجزائر لإحباط المشروع الأميركي في مجلس الأمن
قال القيادي في حماس وليد كيلاني، لـ"الترا فلسطين"، إن الحركة أجرت اتصالات عديدة في الأيام الماضية، خاصة مع روسيا والصين والجزائر، للضغط بهدف إحباط المشروع الأميركي في مجلس الأمن

الإعلام الحكومي: 288 ألف أسرة بغزة لا تملك أبسط مقومات الحياة
قطاع غزة يحتاج 300,000 خيمة وبيت متنقل لتأمين الحد الأساسي للسكن الإنساني.

عن رواتب الأسرى.. بيان للرئاسة الفلسطينية يكرر التأكيد على دور "مؤسسة تمكين"
في 10 شباط/فبراير، قرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس نقل صلاحية صرف رواتب أسر الشهداء والأسرى إلى مؤسسة "تمكين"، تحت عنوان "إصلاح النظام المالي" واستعادة المساعدات الدولية المعلّقة

