06-مايو-2020

يحتفل السامريون في كل عام بعيد الفسح، الذي يرمز للحرية والانعتاق من الظلم، بعد أنّ نجّا "بنو إسرائيل" من عبوديّة فرعون مصر، وأمرهم بالخروج منها، فيقدمون الأضاحي من ماشيتهم تخليدًا للذكرى.

عيد الفسح لدى يرمز للحرية والانعتاق من الظلم، بعد أنّ نجّا "بنو إسرائيل" من عبوديّة فرعون مصر

 تجتمع كل الطائفة السامرية (المتواجد منهم في مدينة نابلس وجزءٌ آخر في حولون) على قمة جرزيم قِبلَتهم المقدسة، في الرابع عشر من الشهر الأوّل، بعد الظهر وقبيل المغرب، مُحضرين الماشية، ذُكُورًا سالمة وليدة سنتها، تبدأ صلاة خاصة، ابتهالًا وشكرًا، ضارعين لله أن يقبل صلاتهم وقُربانهم، التي تُنحر بعد الغروب، وتُحَضَّر شواءً دون تقطيعها، لتُؤكل عند منتصف الليل، و"التوقيت والهيئة، فهما تمامًا كهيئة وميقات خروج بني إسرائيل من مصر"، كما يقول الكاهن عزيز يعقوب.

اقرأ/ي أيضًا: السامريون: لا ذكر للقدس في التوراة وجرزيم قبلتنا

يعتلي الكاهن الأكبر منصته، ليتلو سورة الأمر بالأضاحي بنغمة خاصة، وما أن يصل إلى آية النحر، حتى تُنْحَر الماشية خلال ثوانٍ لتعمّ الفرحة السامريين كافة، مُرددين بنغمة خاصة: نشهد ونقول أن لا إله إلا الله، رافضين أن يُعكّر صفو فرحتهم، مهما كانت الأسباب والظروف، غير مبالين بلظى الشمس أو البرد أو حتى المطر الذي قد ينهمر.

لكن هذه السنة، ظروفٌ طارئةٌ واستثنائيةٌ بحلول جائحة فايروس كورونا الذي غير مظاهر الحياة العامة في بلادنا وفي العالم أجمع، حالت دون اختلاط الناس ببعضهم، وفرضت التباعد الاجتماعي حفاظًا على الأرواح، وتغيرات كثيرة ستلحق بالمظاهر الحياتية كافة والدينية منها، فكل المألوف سيتغير هذا العام، وهذا يشمل الفسح السامري أيضًا.

"في هذا العام، ومع انتشار فايروس كورونا أيضًا ستقام الطقوس كالمعتاد، ولكن سنتقيد بالتعليمات المفروضة حفاظاً على سلامتنا"، يقول الكاهن عزيز يعقوب وهو يشير بحزن إلى المذبح الذي تم تجديده وتوسيعه هذا العام.

ويضيف، لقد تم تجديد حفر التنانير، فقد كان في الأرض ست حفر كبيرة، وأصبحت الآن 24 حفرة متوسطة الحجم، جزءٌ منها للاستعمال الآجل نظرًا لعدد الأسر التي ستقوم بالذبح، والجزء الآخر بقي مغطى (بالإنجيل)، ويمكن استخدامها في المستقبل حسب حجم الطائفة وحاجتها.

كما تم توسيع المذبح ومكان الذبح إلى مذبحين ليتسع العدد الحالي للطائفة، وأيضًا مساحة الساحة المخصصة للصلاة أصبحت الآن ضعف المساحة السابقة.

ماجد  صدقة (80 سنة)، معلمٌ وأحد المتمكنين من تاريخ الطائفة السامرية، يقول: "في القرن الثامن عشر أثناء فترة حكم العثمانين كانت من أصعب الفترات التي مرت على الطائفة، ففي حارة الياسمينة مكان سكننا آنذاك، كان أجدادنا يجتمعون في غرفة صغيرة سرًا ويحَضرون الذبائح ويقيمون طقوس القربان دون علم أحد، ولكن هذه الظروف لم تكن تمنعهم من الاحتفال بعيد الفسح".

في القرن الثامن عشر، خلال الحكم العثماني، في حارة الياسمينة مكان سكننا آنذاك، كان أجدادنا يجتمعون في غرفة صغيرة سرًا ويحَضرون الذبائح ويقيمون طقوس القربان دون علم أحد

أيضًا، يُضيف صدقة، في القرن التاسع عشر كان هناك سامري يُدعى عبد الله الشلبي، يعمل مترجمًا عند متصرف نابلس العثماني الذي لم يكن يتحدث اللغة العربية، وقد كان شلبي يعرف العربية والتركية، ويستقبل الرسائل من قسطنطينية ويترجمها له، فطلب الكاهن عمران من الشلبي أن يسأل المتصرف السماح لهم بإقامة طقوس القربان، وكان الكاهن عمران بدوره على علاقة طيبة مع المتصرف ويبارك له بكل أعياد المسلمين، ولكن حينها كانوا يخافون من التعرض لمضايقات. رحب المتصرف بطلبه وسمح لهم بإقامة طقوسهم بحرية، وكان عدد أبناء الطائفة وقتها لا يتجاوز المئة، فأقيمت قرابين الفسح على جبل جرزيم منذ ذلك اليوم حتى الآن.

اقرأ/ي أيضًا: عن الفسح والسامري في سجن فرعون

وفي أواخر القرن التاسع عشر، وبهدف الحفاظ على الطقوس والشعائر الدينية واستمرار إحياء عيد الفسح، ورغم الوضع الاقتصادي المتدني الذي كانت تعاني منه الطائفة،  كان تاجران سامريان ميسورا الحال، يقيمان القربان على نفقتهما الخاصة بطلب من الكاهن عمران، وهما فرج صدقة وإسحق لطفي (الدنفي).

ويُضيف صدقة، "أذكر مما قرأت من مدونات الطائفة، عندما انتشر مرض الطاعون، وكانت تزهق أرواحٌ بأعدادِ كبيرة بسبب هذا الوباء، مات سبعة أشخاص من الطائفة السامرية، وكان عددها لا يتجاوز المئة، فقام الكاهن عمران بحجر أبناء الطائفة داخل الكنيسة في حي الياسمينة في البلدة القديمة للحفاظ على أرواحهم، حيث قاموا باجراءات تقيهم العدوى، ورغم انتشار هذا الوباء لم ينقطع قربان الفسح".

ومع مشقة الانتقال إلى قمة جرزيم، حيث كانوا في القدم يصعدون الجبل على ظهور الدواب، استمرت طقوس الفسح أيضًا، وفق صدقة. وحتى في الانتفاضة الأولى والثانية ومع تصادف العيد وقت حظر التجوال، واجتياح المدينة والظروف الأمنية السيئة، أجريت طقوس القربان بهدوء ودون مشاركة من خارج الطائفة.

حتى الآن، في زمن انتشار وباء كوفيد-19 سيحضر كل سامري القربان، لأن تواجدهم في قمة جرزيم هو فريضة على كل سامري، مع الالتزام بتعليمات وزارتي الصحة الفلسطينية والإسرائيلية

لم ينقطع عيد الفسح وطقوسهم منذ مئتي عام، رغم كل الظروف الصعبة سواءً كانت اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية أو أمنية. حتى الآن، في زمن انتشار وباء كوفيد-19 سيحضر كل سامري القربان، لأن تواجدهم في قمة جرزيم هو فريضة على كل سامري، مع الالتزام بتعليمات وزارتي الصحة الفلسطينية والإسرائيلية، ومن هذه التعليمات الابتعاد عن التجمعات المكتظة، ووضع الكمامات، والالتزام بكل الإجراءات الوقائية.

هذا العام يُعد الظرف استثنائيًا، يقول الكاهن عزيز، بسبب انتشار الوباء، وسيكون الاحتفال وطقوس الذبح مقتصرًا على الطائفة فقط، وسيرافقنا الإسعاف والإطفائية وعددٌ من أفراد الشرطة، ولن يُشارك الصحفيون أو السياح الأجانب، مع الالتزام بكافة الإجراءات الوقائية، حسب تعليمات وزارتي الصحة الفلسطينية والإسرائيلية .

ستقام الصلاة الخاصة بعيد الفسح، الذي بات يدعى عيد الفطير، "وسيتبادل أبناء الطائفة التهاني طوال هذه الفترة مُتمنّين عيدًا سعيدًا، آملين تكرار المناسبة عامًا إثر عام؛ والفرحة غامرة وهذا الوباء منته من بلادنا والجميع بخير بإذن الله" يقول الكاهن يعقوب.


اقرأ/ي أيضًا: 

مدرسة جرزيم: سلام وطني وفاتحتان إسلامية وسامرية

سامريون يتزوجون بأوكرانيات.. أصل القصة

غفران السامريين: الرضع والمسنون يصومون أيضًا