19-أغسطس-2018

لم يدرك أن صورة حذاء عسكري أسود، مع عبارات صاخبة غير مفهومةٍ بالعبرية، ستكون آخر مشهد يراه في قريته الواقعة شمال غرب رام الله. كان السابع من نيسان/إبريل يومًا عاديًا عند حسّان التميمي (17 عامًا)، ولم يكن يعرف ماكان ينتظره هناك في سجن "عوفر" العسكريّ، عندما اعتقلته قوّات الاحتلال في الرابعة فجرًا، مع اثنين آخرين من أبناء قريته ديرنظام.

يعاني حسان من وضع صحي خاص، إذ يجبره مرضه على الالتزام بحمية غذائية صارمة، وتمنعه صعوبة امتصاص جسده للبروتينات من تناول أنواع كثيرة من الأطعمة. لم يكن التميمي يعرف أن هذه هي آخر نظرة سيرى فيها بيته، وأخته الصغرى، وأخيه، ولم يخطر في باله لا هو ولا أهله أنه قد يقضي في السجن مدة طويلة، فبنية جسده النحيل على الأقل، تجعل استهداف الاحتلال له غير متوقع ولا مفهوم.

إدارة سجون الاحتلال منعت الطفل حسان التميمي من دوائه والطعام الذي يلائمه، فتدهورت صحته حتى فقد بصره

سُجن حسان عدة أشهر بتهمة ضرب الحجارة، مُنع فيها من الحصول على أدويته، وأُجبر على تناول طعام لا يلائم وضعه الصحي، وهو الآن في بيته وسط قرية دير نظام، فاقدًا للبصر، وأمله ضئيل بأن يبصر مجددًا، ويسيّر حياته اليومية بصعوبة.

اقرأ/ي أيضًا: عقارات أسرى وذهب زوجاتهم للبيع لسداد الغرامات

يروي التميمي لـ الترا فلسطين، أنه عندما تم اعتقاله فجرًا بدأ جنود إسرائيليون بتقييده وربط قطعة قماش على عينيه، وأخذه الجنود إلى المعسكر القريب من القرية، ثم نقلوه إلى سجن "عوفر" العسكري، وهناك أورد حسان تفاصيل دقيقة عن حالته، وعن حاجته اليومية للحصول على دواء. يتابع، "سجل طبيب عسكري هذه المعلومات. مع ذلك منعوا الدواء عني".

كان يفقد الوعي مرارًا في السجن حتى قرر بعض الأسرى الذين يعرفونه بدء إضرابٍ مفتوحٍ عن الطعام، مطالبين بنقله إلى المشفى، وبعد قرابة شهر ونصف من اعتقاله، تحديدًا بتاريخ 27 أيار/مايو، وفي الساعات الأوَلِى من وصوله إلى المشفى، دخل في غيبوبة لمدة ثلاثة أيام، خرج منها فاقدًا بصرَه.

يبين التميمي أن آخر ما لمحه جنديان يُقيّدان يديه وقدميه على سرير المشفى. وبعد ضغطٍ مستمر من مؤسسات حقوق الإنسان، ونادي الأسير، قررت المحكمة الإفراج عنه، ليتنقل بين مستشفيات عدة، ويعود أخيرًا إلى بيته، من دون أن يراه هذه المرة.

وتوضح ابتسام مزهر (51 عامًا)، وهي أم حسان، لـ الترا فلسطين، أن العائلة وجدت - بعد الإفراج عن حسان - أن الدواء الذي كانت ترسله له، وكذلك بطاقة هويّته، وبعض أغراضه الشخصية، لا تزال في أمانات السجن، أي أن الدواء الذي كانت تُرسله له لم يصله.

وتُبين مزهر أن سبب تدهور حالة حسّان هو عدم تقديم الدواء له، وعدم توفير الطعام اللاّزم الذي يتناسب مع مرضه، مما جعله يتناول أنواعًا من الطعام كانت ممنوعة عنه، مضيفة أن حسّان يستيقظ حاليًا من نومه مرعوبًا بسبب الكوابيس التي يرى فيها نفسه في السجن أو المستشفى، ويتعرض للتحقيق والأسئلة المتكررة التي يطرحها المحققون في سجن "عوفر" العسكري.

الطفل حسان التميمي يستيقظ من نومه مرعوبًا بسبب الكوابيس التي يراها عن التحقيق والمستشفى

يعلق حسان بأن أكثر ما يزعجه عند التفكير في مرضه أنه لم يعد قادرًا على ممارسة هواياته المفضلة، ولن يلعب البلياردو التي يحبها مع أصدقائه، بينما تعتقد والدته أن مشاكله ستكون أكبر من هذا الحد في حال بقي فاقدًا للبصر، وأكبر من تلك التي يواجهها أي شخص ولد ضريرًا، وسيحتاج إلى سنوات طويلة للتعود على هذه الحالة.

اقرأ/ي أيضًا: أطفال في سجون الاحتلال.. لقاء مبكر بالجلاد

ويبين جبر التميمي (22 عامًا)، شقيق حسّان المقرب، أن شقيقه يفكر كثيرًا في عجزه، ويحتاج إلى مساندة، ووقفة عالية من عائلته وزملائه في المدرسة. فيما يوضح عبد الخالق التميمي (56 عامًا)، والد حسان، أنه لن ييأس من محاولة البحث عن الشفاء لابنه، وذلك بعد أن ذهب حسان إلى الأردن لمقابلة بعض الأطباء المختصّين. يضيف، "هذا البصيص الصغير من الأمل هو من يحرّك آمال حسان وعائلته، مع أن الأطبّاء الفلسطينيين أوضحوا نسبة علاجه من عدمة".

وفي اتصالٍ هاتفي أجراه الترا فلسطين مع الأسير ذيب التميمي (21 عامًا)، وهو أحد أقارب حسان، وأحد من أضربوا عن الطعام لنقل حسان إلى المستشفى بعد تدهور أوضاعه الصحية، يقول إن حالة حسان بدأت تتدهور في الأيام الأولى من وصوله إلى السجن، "ففي البداية لم يتناول أيّ طعام من الأطعمة التي كانت ممنوعة عنه، ولكن مع عدم توفر الطعام المطلوب، اضطر حسّان أن يأكل من طعام الأسرى، ومن أصنافٍ ممنوعة، ولكنه كان يتقيأ تارة، ويفقد وعيه تارة أخرى".

ويُبين التميمي أن حالة فقدان البصر عند حسان بدأت تدريجيًا، وقد أخبر الأسرى حراس السجن، وكذلك التنظيم، الذي بدوره أخبر إدارة السجن، ولكن دون أي رد من الإدارة، إلا بعد شهر ونصف تقريبًا من اعتقاله وتدهورحالته الصحية.

بينما يقول الأسير السابق وليد عيد (21 عامًا) الذي كان شريك الغرفة في سجن "عوفر" العسكري، إن الإرهاق الجسدي كان يبدو على حسان، فأخذه الأسرى إلى الطبيب الخاص بالسجن ثلاث مرتين، لكنه ادعى بأن وضعه مستقر، ثم بعد المرة الثالثة اعترف الطبيب بأن أوضاع حسان في تدهور.

مع زيارة حسان التميمي إلى الأردن، لا يبدو أن عائلته تنتظر خبرًا مفرحًا، لكنها تريد - على الأقل - أن لا تنهي حسابات الأطباء الصارمة، الأمل البسيط الذي يعيش حسان عليه أيامه الطويلة والمظلمة.


اقرأ/ي أيضًا:

رومانسية أسرى وزوجاتهم على عينك يا سجان

عندما فرض الأسرى إنهاء القمع مقابل وقف تشفير الوجوه

هدده المحققون بزوجته وقطع خلفه ولم يرضخ