06-نوفمبر-2018

"تتخيل الأغنام إلهًا رحيمًا وطيبًا بشكل لا متناهٍ، قادرًا على أن يغفر حتى للذئاب. تتخيل الذئاب، بدورها، إلهًا قويًا قادرًا على كل شيء، تعبده وتخشاه حتى الأغنام".

-خوان أرماندو إيبلي-


نحن أغنامٌ أحيانًا، وأحيانًا ذئاب. وفي السياسية كما في الحب كما في تناول وجبة طعام، لله دورٌ معقدٌ ووصفٌ متباين في مجريات الأحداث يُؤول عليه كلٌ بالطريقة التي تناسبه في التوقيت الذي يناسبه. فبينما تُعرف المصيبة بأنها ابتلاءٌ من الله لعبده الذي يحبه عندما يتعلق الأمر بالأنا، فإن ذات المصيبة هي عقابٌ من الله على الآخر.. على العدو. على إسرائيل مثلًا؟

أتساءل كيف استطاعت "إسرائيل" أن تحافظ على وجهيها (المتدين والعلماني) دون أن يفسد أي وجه على الآخر مهمته وعمله؟

عند وضع كلمة الله و"إسرائيل" معًا، أتساءل كيف استطاعت "إسرائيل" أن تحافظ على وجهيها المتناقضين تمامًا دون أن يفسد أي وجه على الآخر مهمته وعمله؟ وجهها المتدين الذي أسسها؛ والذي هو القناعة التي شكلتها ككيان سياسي اقتصادي واجتماعي بالأصل. ووجهها العلماني المتقدم الذي يغازل العالم ديمقراطيته وتنوعه. كيف استطاعت الرقص على حبالٍ تسير في اتجاهات مختلفة في ذات الوقت! والوصول إلى قممٍ متناقضة وبعيدة في ذات اللحظة!

اقرأ/ي أيضًا: كيف أفسدت السياسة قدرتنا على العناق؟

الجانب النقي المضيء لدور الله في حياة الإنسان لا يضايقني. الرابط الروحي الذي تتكفل الأديان بخلقه بين الإنسان وربه؛ أعتقد أنه شأنٌ شخصي. ثم إن مهمة الأديان على مر العصور أن تمنح البشر الطمأنينة، أن تخرجهم من حلقة العبث المليئة بالأسئلة، إلى عالم من السكينة تنتهي فيه الجمل بنقطة واحدة لا علامات استفهام. نقطة واحدة وليس سيلًا من النقاط، فإذا اختار أحدهم هذا أو لم يختره ما شأنُ الآخرين في محاسبته؟

ربما تبدأ المشكلة عندما تصبح العلاقة الفردية هذه بمثابة مسافةٍ يُقرر الشخص وضعها بينه وبين الأحداث من حوله، فتتحول الطمأنينة بقضاء الله وقدره إلى حالة استسلامٍ وكسلٍ يُقرر الإنسان فيها أن لا يكون مواطنًا للدولة بقدر ما هو عبد لله. ويصبح دور الله في نشأة الدول وزوالها هو الشيء الوحيد الذي يتحدث عنه.

شخصيًا أفكر بدور الله في حياة البشر بشكل مختلف، فبعد أن يخلق الله البشر لا يتدخل فيهم، هكذا أعتقد، لا يتدخل في حروبهم ولا قدراتهم الإنجابية ولا مستواهم المادي ولا مقاييس السعادة أو التعاسة في قلوبهم. ومثلما قد ألوم صديقة تصبر على إهانة زوجها لها بدعوى أنها تدعو له وأنها متيقنة أن الله سيهديه، أو من أنها تحتسب معاناتها معه أجرًا عند الله، أتعجب من تعويل شعوب على الله من أجل وقف الحرب أو إنهاء مجاعة أو عدم اعتبار الخسائر خسائر لأنها عند الله أجر وثواب. لا أرى أي علاقة بين الأمرين، فكيف يمكن لمعاناة إنسان وأي استهلاكٍ لحياته ومشاعره أن يتحول إلى أجر وثواب؟

إسرائيل" نجحت في توظيف الدين لبناء "دولتها"، وها هي تلعب على حبال العلمانية والدين بطريقة ذكية منذ عقود

سيلومني الكثيرون على قناعتي وسيسردون عليَّ قصص نصر الله للمؤمنين به عبر التاريخ. وأنا هنا لست لنقاش هذه القصص بالتحديد أو الخوض في مفاهيم التسيير والتخيير التي قد تبدو ملائمة لمن يريد توضيح العلاقة بين التدخل الإلهي والفعل البشري. ما يهمني هنا هو كيف يمكن لتقليص دور الله في الحرب بأذهاننا أن يشعرنا بالمسؤولية الحقيقة تجاهها. إذا توقفنا عن انتظار المعجزات ربما سنبدأ بتحمل المسؤولية وبالعمل بشكل جدي.

دعونا نعود إلى سياسية العدو في توظيف الله، أعتقد أن "إسرائيل" نجحت في توظيف الدين لبناء "دولتها"، وها هي تلعب على حبال العلمانية والدين بطريقة ذكية منذ عقود، تمسك الحبل الذي تحتاجه في اللحظة المناسبة وترخيه عندما تدرك أن ضرره أكثر من نفعه. وبينما فشلت مجتمعاتنا العربية وهي المجتمعات المتدينة التي يحضر الله بكثافة في حياتها في توظيفه لخلق قوة ما، فإن الضرر الذي جلبه الدين على السياسة العربية هو الذي يمكننا التحدث عنه بإسهاب لا النجاح، فاستخدام الدين عربيًا جاء في ثلاثة أشكال أساسية: إما بالرجوع إلى شكليات الماضي وتقليدها بحذافيرها على أمل إعادة مجدٍ كان، أو لمحاربة بعضنا وإقصاء الآخر باسم المذهب والطائفة، أو برمي المسؤولية عن أكتافنا وإلقائها على عاتق الله وانتظار تدخله لإنهاء كوارثنا كنوعٍ من الإيمان به وعبادته.


اقرأ/ي أيضًا:

عن التورط السياسي والحب الأمي لله

هكذا يُستخدم الأشخاص الأقل حظًا

التسحيج أن تصدق أن كل شيء بخير