10-سبتمبر-2019

صورة عامة لمدينة اسطنبول التركية - gettyimages

قبل شهور، ارتفعت وتيرة الضغوطات الشعبية التركية لإيجاد حلول للاجئين والمهاجرين، ونتيجة لذلك بدأت السلطات التركية بترحيل كل من إقامته غير مسجلة في اسطنبول إلى المدينة التي يحمل بطاقة إقامتها، أما الذين لا يحملون أي بطاقة إقامة في مدينة تركية، ويعتبرون مهاجرين غير شرعيين، فتم ترحيلهم إلى بلدانهم، ما أدخل اللاجئين الفلسطينيين المُهجّرين من سورية في دوامة جديدة، خاصة الذين دخلوا الأراضي التركية "بشكل غير شرعي".

حملة السلطات التركية ضد المقيمين بشكل غير شرعي تشمل اللاجئين الفلسطينيين ويتم تهجيرهم إلى إدلب

ذياب إسماعيل، ابن مخيم اليرموك، كان أحد هؤلاء الذين تم تهجيرهم، بعد أن كان يملك مطعمًا في اسطنبول، إذ تم اعتقاله في نهاية شهر حزيران/يونيو الماضي من مطعمه، بعد أن طُلِبَ منه إظهار بطاقة إقامته التي لا يملكها، فأظهر جواز السفر الفلسطيني الذي منحته إياه السفارة الفلسطينية في تركيا، ليتم اقتياده إلى مركز للشرطة واحتُجز عدة أيام.

اقرأ/ي أيضًا: إسرائيل تواصل نبش مقبرة مخيم اليرموك برعاية روسية

إسماعيل أُرغم على مغادرة مخيم اليرموك عام 2017 رفقة عشرات العائلات الفلسطينية، إلى الشمال السوري، ومن هناك تمكن من دخول الأراضي التركية بشكل غير شرعي.

يقول إسماعيل، إن السطات التركية حوّلته إلى قسم "التسفير"، وهناك -كما يقول- "أُرغم" على البصم على ورقة مكتوبة باللغة التركية التي لا يجيدها، مضيفًا أنه طلب من المترجم المنتدب أن يشرح المكتوب فيها، "لكنه طمأنني بأن الأمر لا يدعو للقلق"، وفق قوله.

تضمنت الورقة إقرارًا بموافقة إسماعيل على ترحيله طواعية لمدينة إدلب، رغم أن السفارة الفلسطينية في اسطنبول خاطبت مركز الشرطة لعدم ترحيله، إلا أن الشرطة ردت بأنه وافق على السفر برغبةٍ منه.

في الثالث من تموز/يوليو الماضي، أصبح إسماعيل في قبضة جبهة النصرة بعد أن تم تسليمه لها عند بوابة مدينة إدلب، فيما بقي أطفاله وزوجته دون معيل في تركيا، وهناك تم تحويله إلى مركز التوقيف واحتجازه بتهمة الانتماء لتنظيم "داعش"، بعد أن علِم التنظيم أن إسماعيل من مخيم اليرموك.

بعد أربعة أيام من احتجازه في "ظروف سيئة" حسب وصفه، أفرجت جبهة النصرة عن إسماعيل، ليعود إلى تركيا مرة أخرى محاولاً اللجوء إلى اليونان، لكن محاولته باءت بالفشل. عندما تحدثنا إليه، أكد لنا أنه سيُواصل المحاولة رغم كل المخاطر التي أبرزها الغرق في البحر، أو القتل بأي طريقة، "لكني ما عدت أملك أي شيء يجبرني على البقاء هنا (في تركيا)" كما قال.

مصير إسماعيل قد تواجهه أكثر من 2400 عائلة فلسطينية لاجئة في تركيا، يقدر عدد أفرادها نحو 10 آلاف لاجئ، ويتوزعون على كل الأراضي التركية في الوسط والجنوب، نصفها في اسطنبول، ومن بينها 500 عائلة تمتلك وثائق الحماية المؤقتة الصادرة عن المدينة، و400 عائلة لا تمتلك هذه الأوراق.

2400 عائلة فلسطينية لاجئة في تركيا، يقدر عدد أفرادها نحو 10 آلاف لاجئ، 400 عائلة منها لا تملك أوراق حماية أو إقامة

هذا المستقبل المجهول أجبر اللاجئ الفلسطيني محمود عيّاد (54 عامًا) على البقاء حبيسًا في شقته في مدينة اسطنبول منذ عدة أشهر، خشية إلقاء القبض عليه.

اقرأ/ي أيضًا: هادي إبراهيم: فلسطينيو لبنان يتامى سياسيًا وضحية للأزمة الداخلية اللبنانية

رحل عيّاد من مخيم اليرموك في سوريا عام 2017، بعد أن نقلتهم القوات الروسية قسرًا إلى مخيم دير بلوط قرب مدينة عفرين السورية الحدودية مع تركيا، ومن هناك تمكن مع عائلته من الدخول إلى تركيا، فيما بقيت خلفه 200 عائلة تقارع الأزمة السورية.

استقرَّ عياد مع عائلته في اسطنبول، لكنه وجد نفسه بلا عمل ولا متابعة من أي جهة، سواءً القنصلية الفلسطينية في المدينة أو الهلال الأحمر التركي، "واكتشفنا أنه غير معترف بنا كوننا لا نحمل بطاقة إقامة، واعتبرت إقامتنا غير شرعية وفق القانون" قال عياد.

توجهت هذه العائلات إلى القنصلية الفلسطينية التي بدورها زودتها بجوازاتٍ فلسطينيةٍ لكن دون رقم وطني، وهذا الجواز غير معترف به في تركيا، ويُعتبر حامله مقيمًا غير شرعي في البلاد، ما يعني ترحيله خارج الأراضي التركية.

خلال الأشهر الماضية، رحلت السلطات التركية عددًا من اللاجئين الفلسطينيين إلى مدينة إدلب. وحسب موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين، فإن السلطات التركية أوقفت 5 لاجئين فلسطينيين بتاريخ 22 آب/أغسطس في منطقة "اسينيورت" ضمن حملتها الأخيرة ضد المخالفين من اللاجئين السوريين والعرب المقيمين في مدينة اسطنبول، ثم أفرجت عنهم بعد أيام.

لا يطلب عيّاد أكثر من الحصول على بطاقة إقامة تخوله البقاء في تركيا حتى يتمكن من العمل، "فالسلطات التركية تداهم ورشات العمل التي يُعتَقد بوجود لاجئين ومهاجرين غير شرعيين فيها".

يُضيف، "طرقنا كل الأبواب، لكننا اصطدمنا بردود سلبية من قبل القنصلية الفلسطينية في اسطنبول، التي لم تزودنا سوى بجوازات من دون رقم وطني غير معترف به لدى السلطات التركية".

عيّاد الذي ولد في مخيم اليرموك عام 1966 تعود أصوله إلى بلدة سلواد شرق مدينة رام الله، وأمه أردنية الأصل، وكانت الزيارة الوحيدة له لبلدته عام 1974، حيث بقي هناك مع عائلته 11 سنة، فيما يسكن أعمامه حاليًا في سلواد والناصرة.

يقول: "ذقنا مر التهجير مرتين، في المرة الأولى عاشها والداي عام 1948، وفي المرة الثانية عند حصارنا في مخيم اليرموك لمدة 7 سنوات من قبل النظام السوري، وبعدها تم تهجيرنا إلى مخيم دير بلوط في عفرين، واليوم نواجه خطر مر التهجير للمرة الثالثة".

وتابع، "تشعر أن كل بقاع الأرض لا ترغبنا، نعيش في دوامة كبيرة من الخوف والخطر، لا نريد سوى أن تكون قضيتنا على الطاولة وأن يتم وضع الحلول لها، نريد أن تسمعنا السلطة الفلسطينية وأن تأخذ أزمتنا على محمل الجد".

خلال الأشهر الماضية، رحلت السلطات التركية عددًا من اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا إلى مدينة إدلب

ووفق شهادة عياد، فإن وضع اللاجئين في مخيم دير بلوط "مأساوي"، فهم لا يتلقون أكثر من طرد غذائي واحد في الشهر، لا شيء يحميهم من حر الصيف وبرد الشتاء، هذا عدا عن انتشار الحشرات الخطيرة والأفاعي السامة. وخلال وجوده في المخيم، توفي 8 لاجئين في المخيم غرقًا في النهر القريب منه.

اقرأ/ي أيضًا: سؤال العدالة في زمن المجزرة: من صبرا إلى الغوطة

يؤكد السفير الفلسطيني في تركيا فائد مصطفى، أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ليست خاصة بهم، إنما هي مشكلة عامة، بعد أن غيرت السلطات التركية من سياستها وبدأت تُرحل المُقيمين في المدن التركية الذين لا يملكون بطاقات إقامة، حيث يوجد أكثر من مليون شخص في اسطنبول وحدها.

وقال مصطفى، إن السفارة ما زالت تبذل جهودًا لتسوية أوضاع فلسطينيي سوريا الذين تأثروا بالإجراءات التركية الأخيرة، وأنها تتواصل مع السلطات التركية منذ بداية الحملة لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، مضيفًا أنه التقى مؤخرًا مع رئيس بلدية اسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، وطرح عليه ملف اللاجئين الفلسطينيين في تركيا، وأسباب خروجهم من سوريا وقدومهم لتركيا، وأعدادهم التقريبية، والظروف التي يعيشونها.

وتابع، "السفارة تحاول قدر الإمكان مخاطبتهم، من أجل استثناء اللاجئين الفلسطينيين من هذه الإجراءات المستحدثة، خصوصًا، أن أعدادهم ليست كبيرة مقارنةً مع أعداد اللاجئين من جنسيات أخرى، حيث يسهل اتخاذ إجراءات خاصة بهم للمعالجة".

وأفاد مصطفى بأن الجانب التركي يتفهم أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، مضيفًا، "لمسنا تجاوبًا واستعدادًا من قبل المسؤولين الأتراك لدراسة أوضاعهم، والمساعدة بما لا يمس الإجراءات العمومية التي أقرتها السلطات مؤخرًا، كما وعدوا بدراسة الملف مع الجهات المعنية".

سفير فلسطين في تركيا: لمسنا تجاوبًا واستعدادًا من المسؤولين الأتراك لدراسة أوضاع لاجئينا

في الخامس من شهر آب/أغسطس أطلق ناشطون فلسطينيون في تركيّا، حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ "#بكفي_نكبات"، للفت الأنظار إلى قضيّة الموقوفين من فلسطينيي سوريا في تركيا، ولمطالبة السفارة الفلسطينية، وجميع المؤسسات والهيئات الفلسطينية العاملة على الأراضي التركيّة بالتدخل، من أجل وقف شمل فلسطينيي سوريا في الحملة التي بدأتها السلطات التركية بتغريم وترحيل من لا يملكون وثيقة الحماية المؤقتة (الكملك)؛ كونهم فارين من جحيم الحرب في سوريا، ولا مكان آخر يلجؤون إليه.

وأكد الناشط والصحفي محمد حامد، أن الحملة طالبت السلطات التركية بالإفراج الفوري عن المعتقلين الفلسطينيين في تركيا، مبينًا أن هذه الحملة هي الثانية من نوعها خلال أقلّ من شهر، حيث أطلق ناشطون في 20 تموز/ يوليو الماضي، حملة للضغط على السفارة الفلسطينية والمؤسسات والمنظمات الفلسطينية، للوقوف عند مسؤولياتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين المهجرين من سوريا إلى تركيا، الذين تأثروا بالقرارات التركية.

وأضاف، "تواصلنا مع مختصين في الشأن القانوني، ونقلوا لنا بأن نحذر اللاجئين الفلسطينيين المتضررين من القرارات الأخيرة من التوقيع على أية ورقة دون معرفة مضمونها، وعدم إظهار جواز سفر السلطة مع وثيقة الحماية المؤقتة لحظة التوقيف، في حال اختلاف البيانات على الوثيقتين".

ودعا المختصون، اللاجئين الفلسطينيين الذين لا يحملون الوثيقة، إلى ترجمة أي إثبات شخصي (هوية سورية أو جواز سفر أو دفتر عائلة) وتقديمها في حال التعرض لأي توقيف، بهدف تطابق الاسم لديهم مع الوثيقة التي سيظهرونها للسلطات، ولسهولة متابعة الموقوفين ومعرفة أماكن توقيفهم.

وأشار حامد إلى أن السلطات التركية تعتبر اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا، سوريون، بسبب حملهم وثائق صادرة عن الحكومة السورية، مطالبًا بإعادة التفكير بإقرار بوضع قانوني لهم وتسوية أوضاعهم وحمايتها.


اقرأ/ي أيضًا: 

"رجل يعود".. عن المخيم المقبرة وانتحار البشر

"جزيرة فاضل".. هنا يرقد حلم العودة لفلسطين

حيفا ويافا.. بحر الغائبين وبرهم