26-فبراير-2019

أغرب ما حدث مطلع هذا الأسبوع في فعالية حماس ضد الرئيس "إرحل"، وفي فعالية فتح والسلطة الوطنية مع الرئيس "اخترناك"، أن الجهتين استخدمتا شعارين ليس لهما. الأول ليس لحماس لأنه بالتحديد التاريخي ولد في شارع الربيع العربي من قوى ثورية لم يكن لها موقعٌ إلكترونيٌ آنذاك، ولم ينطلق من أحزابٍ حاكمةٍ مثل حماس التي صارت تمسك الآن بزمام نصف القرار الفلسطيني الرسمي.

حماس وفتح استخدمتا شعارين ليس لهما في فعاليات "إرحل" و"اخترناك"

والشعار الثاني أطلقته السلطة وفتح وألبسته للشارع البسيط عنوة، وأنتج مشاهد من زمن غارق في الاستبداد، فكيف يعني أن فتح العلمانية و"أم الوطنية الجديدة" تستخدم شعاراتٍ تركت في المتحف مع آخر خليفة أموي أو عباسي، وكيف تستخدم أطفال المدارس الذين سيكبرون ويكتبون ضد مدرستهم ومعلمتهم ومديرهم ومعلميهم الذين أجبروهم على هكذا تضامن.

اقرأ/ي أيضًا: من أين لكم كل هذه الكراهية؟

إنه الخراب بكل أعراضه الجانبية وتشوهاته وتناقضاته المريضة؛ الذي يجعل حزبًا في السلطة مثل حماس يقترض شعاره من دفاتر ثورية ليست له. وهو عقاب النهايات الذي يجعل من فتح -صاحبة المسار العلماني والوطني والديمقراطي- تقود دعاية سياسية بهذه الطريقة التي تذكرنا بأيام التلفزيون الأبيض والأسود، عندما كان المستبدون العرب ينظمون استقبالاً من الشعب للزعماء الذي يتجولون في الشارع بسياراتٍ مكشوفةٍ ويلوحون للناس المساكين المجبرين على "باي باي"  للحكام المستبدين.

أرجو أن لا يُفهم من موقفي هذا أنني أتهكم على فتح وحماس، أو أنني أزايد على تاريخهما، ولكن أريد أن نتفق على جملةٍ من المواقف حتى لا يتحول الشعب الفلسطيني إلى حفلة "سوشال ميديا" للخراب والتشظي.

على حماس أن تتعامل مع نفسها على أنها حاكمة غزة، وأن لا تبيع لو ربع موقفها السياسي لأي طرفٍ محسوبٍ على المعارضة الداخلية في فتح، وأن ترتب موقفها السياسي بشكل نديٍ مع فتح والرئيس، وليس عبر استخدامات الآخرين أو مفاهيمهم.

على حماس أن لا تبيع لو ربع موقفها السياسي لأي طرفٍ محسوبٍ على المعارضة الداخلية في فتح

على حماس أن تفكر في أن تكون جزءًا من منظومة الحل، وأن تدفع من رصيدها وتخرج من زاوية المُطالب، هذا سيكون في رصيد حسناتها إن أرادت لمستقبلها السياسي أن يظل مقبولاً.

اقرأ/ي أيضًا: سلطتان من ورق وحطب على عامود خيمة المنسق

مطلوبٌ من حماس مقاربة سياسية جديدة تجاه منظمة التحرير في ظل مرحلة ترامب التي أنهت عقودًا كاملة من العلميات السياسية المعقدة، وطرحت حلاً يشبه البيع والشراء والصرف والإنفاق، وليس حلاً لصراعٍ تاريخي. على الحركة أن تفهم أن رأس أبو مازن "المعتدل تاريخيًا" سيصير بعد عدة أشهر مطلوبًا ومحشورًا رام الله بلا موازنةٍ وبلا مساعداتٍ لا عربية ولا أوروبية، وآنذاك سنقع في حصارين أحدهما في غزة والثاني في الضفة. وتحت الحصار لن يقول أحدنا للآخر إرحل أو بايعناك.

على حماس أن تخرج من فكرة أن أحدًا يجب أن يتحمل دلالها السياسي، ثمة مدارس ومستشفيات وكهرباء وماء وفواتير على مدخل البيت الفلسطيني بحاجة لمن يسدد، لا من يقول للآخر أنت غير عادل.

"البيعة" و"اخترناك" من حقيبة الإكسسوارات الإعلامية التي احتفظ بها الزعماء العرب قبل الربيع

أما بخصوص "البيعة والتجديد" و"اخترناك"، فهذه من حقيبة الإكسسوارات الإعلامية الهابطة التي احتفظ بها الزعماء العرب قبل الربيع، وهي تحول الحياة السياسية إلى مجلس قبائل وعشائر وقرى نائية وعائلية مريضة وحكم فرد. يا إلهي! هل أنتم معجبون بهذا العنوان؟ "عشائر محافظة كذا تبايع الرئيس"، هل هذا يقنعكم؟ أين الدولة الجديدة والعقل المدني والمنهج الديمقراطي والفكر الاجتماعي؟ هل عاش الناس في منظمة التحرير واهترأوا وماتوا كي تتحولوا إلى حفلة مبايعة في الصحف والأخبار؟

بالإمكان أن تقودوا دعاية سياسية فهذا حقكم، وتنمية سياسية مطلوبة، لكن اذهبوا للمؤتمرات القطاعية، للّقاءات المتخصصة، للعصف الفكري والندوات والمناظرات، ولكن ليس إلى البيعة والتجديد، فهاتان الكلمتان لا علاقة لهما بالحاضر السياسي المليء بأجيالٍ باتت غير مقتنعة بكل فتح وحماس، وتجاهد في أن تقول مواقف جذرية أو وسطية خجلاً من الفراغ السياسي.

يوم السبت الماضي كان يومًا لا لون له، عندما وقعنا كلنا في الحفرة، وتجند كثيرون منا ليكونوا أبواقا للخراب السياسي في فلسطين.


اقرأ/ي أيضًا: 

زمن إعلامي رديء

قبل الضمان كنا نهوهو ولا نعض

القضاء والإعلام وصراع الأباطرة