27-مارس-2019

الأم تبكي بحرقة على بيتها المهدوم، وعلى زفاف ابنتها الذي لم يكتمل (Hassan Jedi/ Getty Images)

ثلاث دقائق تعلّقت شيماء فيها بجِهاز فرحها لآخر لحظة، تحدّت الضابط الإسرائيلي الذي اتصّل على والدتها الأرملة ليُرغمها على الخروج من الشُقة فورًا قبل قصفها خلال تلك الدقائق الثلاثة. صرخت الأم فزعًا مقتادة أبناءها على سُلّم البناية، لكنها فوجئت بأن شيماء لم تحرّك ساكنًا ولم تركض معهم.

  كان من المفترض أن تفرح بزفافها، وتنتقل مع عريسها إلى بيت جديد.. لكنّ طائرات الاحتلال قصفت كل شيء!  

عادت أم العروس إلى البيت وإذ بشيماء تصرخ وترفض الخروج منه "ولو على جثتي" كما قالت، فردّت الأم: "راجعين يا ماما ثاني، انزلي البيت حيقع ع روسنا"، فأصرّت شيماء: "لن أخرج قبل أن آخذ كل جهاز فرحي وذهبي"، لكنّها في الحقيقة كانت كمن يُنازع الروح، فجاء الصاروخ.

عادت أم العروس إلى البيت فوجدته هكذا. فكانت هذه الصورة | Hassan Jedi/Getty Images

اقرأ/ي أيضًا: دمَّروا عش الزوجية

"راح كل شيء، رجعنا وياريتنا ما رجعنا، راح جهاز شيماء، دمروا البيت وألغوا فرحتي بابنتي" قالت عايدة السيد الحويطي التي دمّرت الطائرات الحربية الإسرائيلية شقتها بقصف عمارة حسونة وسط مدينة غزة ليلة 25 آذار/مارس الجاري.

مزّق القصف كل ملابس شيماء وحقائبها التي كانت بانتظار قدوم سيارة العريس لنقلها اليوم، عادت صباح اليوم التالي إلى ركام عمارة مكونة من ثمانية طوابق، وأخذت -تحت تأثير صدمة العمر- تُفتش على "أي شيء" من أغراضها تحته.

أجّل جيش الاحتلال ليلة الزفاف إلى أجلٍ غير مسمى، وعن تفاصيلها تحدثت الحويطي لـ طالترا فلسطين" قائلة: "جهّزت لها كل شيء، ذهب وملابس في شنطها، كنا سنعلّق جهازها في شقة عريسها اليوم الأربعاء، والفرح كان يوم الجمعة. صار كل كلامنا، كان مفروض، لا ظل فيها جمعة ولا أربعاء".

صاحت الأم، "أويهااا ويا شيماء يا حبيبتي..."، ثم بكت واختنق صوتها  

وأضافت، "حبيبتي يا بنتي، كانت مستعدة أن تموت تحت البيت وهي تتعلق بفرحها. قالت لي لن نعود إذا خرجنا من البيت يا أمي، كان رجعت ستي من الـ48 لبيتها لما طلعت منه".

شيماء وأمها كانتا مشغولتين طوال الفترة الماضية بالتسوّق للتجهيز للفرح، "لفيت فيها كل الأسواق، كان تعب على صحتي، لكن على قلبي زي العسل، أنهيت كل شيء وقلت لشيماء ارتاحي هاليومين حتى يكون وجهك مرتاح وحلو يوم الفرح" قالت الحويطي.

استدركت، "أتاري الهم والتعب مستنينا على باب البيت، أنا أم أيتام  طول عمري تعبانة وشقيانة، ما صدقت أفرح ببنتي". بكت السيدة الستينية مرة أخرى، وأضافت "أنا نفسيتي دُمّرت أصبحت في الشارع أنا وأولادي".

السيّدة عايدة الحويطي تقف على ركام منزلها الذي دمّره الاحتلال وسط غزة (صورة رشا بركة/ الترا فلسطين) 

شيماء (20 عامًا) التي سقطت أحلامها باحتراق "جِهازها وبيتها"، راحت في حالةٍ بين الوعي واللا وعي لمجرد رؤيتها للمنزل واستنشاقها رائحة جِهازها المحترق تحت أكوام الرماد.

تقول شقيقتها سجود: "شيماء يُغمى عليها كل حين، لا تستوعب الأمور حولها من الصدمة بعدما راحت كل أغراضها وقتلوا فرحتها".

وأضافت سجود في وصف "المشاورات الأخوية" خلال التجهيز للفرح، "كنا مجهزين فقرات كثير حلوة للفرح في الصالة، ورقصات وهدايا لأمي ولأم العريس، وفقرات لشيماء معنا.. لكن الحمد لله أحسن من كل شيء".

العريس فِهر الوحيدي (36 عامًا) الذي كان يتجهّز لحفلة "العريس" ليلة الخميس، وزفافه على شيماء الجمعة القادم، ألغى كل شيء إلى حين أن يخرج مع عروسه من ملامهما.

وأعلنت جهاتٌ وشخصياتٌ من غزة وخارجها أنها تتكفل بدفع تكاليف تجهيز العروس مجددًا، منهم رئيس حملة الوفاء الأوروبية أمين أبو راشد الذي أعلن تكفّله بتكاليف الزواج، ومكتب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الذي قال إنه سيتم زفاف العروس شيماء من أمام المنزل يوم الجمعة المقبل.

لكن الوضع مختلف لدى العروسين، فالأمر بالنسبة لهما ليس مجرد زفاف، تقول والدة شيماء: "أنا غير قادرة على استئجار منزل لأخرج ابنتي إلى عريسها منه، أتلقى شؤون كل أربع شهور، لكني ورغم أني محتاجة لا أقول للناس أنني محتاجة". أما العريس الوحيدي فقد أجّل كل شيء إلى موعد مجهول "لحين الخروج من الأزمة، ولا أظن أن يرضى بأن تخرج عروسه من بين هذا الدمار" وفق قول والدتها الحويطي.

يُذكر أن منزل عائلة الحويطي واحدٌ من 50 بيتًا دمرتها الطائرات الإسرائيلية الحربية -كليًا وجزئيًا- في عدوانها الأخير على قطاع غزة فجر الثلاثاء، وأصبح مبيت أصحابها في الشارع.


اقرأ/ي أيضًا: 

"سندريلا" لإسعاد عرسان غزة!

فساتين "حريم السلطان" تأسر قلوب عرائس غزة

هل تكسر أعراس الفلسطينيين ظهورهم؟

التحديق بالموت