15-أغسطس-2018

بعد نجاح مصر في إغلاق حدودها مع قطاع غزة وتأمينها، وتوقف عمليات تهريب الحشيشة التي كانت تُزرع في سيناء إلى إسرائيل وفلسطين، تحولت الضفة الغربية إلى أكبر سوق لإنتاج الحشيشة وتصنيعها لتغطية احتياجات السوق الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء، إذ تَحُولُ الإجراءات المشددة وقساوة الأحكام التي تتخذها السلطات الإسرائيلية بحق المتورطين في زراعة المخدرات دون انتشار زراعتها داخل مناطق الخط الأخضر، فاستعاض كبار التجار اليهود عن ذلك بزراعتها في أراضي الضفة، في المناطق الأكثر مأمنًا لهم والقريبة من الخط الأخضر في شمال الضفة الغربية وجنوبها، مستفيدين من سهولة نقلها إلى إسرائيل وكذلك وإلى الضفة الغربية، بسبب غياب الحدود الضابطة، كذلك مستفيدين من ضعف إجراءات الملاحقة القضائية الفلسطينية للفاعلين، رغم إقرار قانون متشدد لمكافحة المخدرات، إلا أن النتائج جاءت معاكسة وتزداد المخدرات انتشارًا.

تَحولُ الإجراءات المشددة وقساوة الأحكام التي تتخذها السلطات الإسرائيلية بحق المتورطين في زراعة المخدرات دون زراعتها داخل الخط الأخضر، فاستعاض كبار التجار اليهود عن ذلك بزراعتها في أراضي الضفة

إن غالبية الأشخاص الذين يُلقى القبض عليهم في عمليات مداهمة المنابت، هم في الغالب أقرب إلى المُستَخدَمينَ ولا يشكلون رأس صناعة المخدرات وتجارتها، وهذا يفسر استمرار زراعة مستنبتات الحشيش، رغم الكشف اليومي عنها دون أي تراجع في حجم زراعتها.

اقرأ/ي أيضًا: "كنتُ أتعاطى المخدرات في بيت مستوطن"

كما تتسم الإجراءات القانونية لملاحقة مالكي صناعة المخدرات بالضعف لأسباب عدة، أبرزها: التنافس الشديد بين الأجهزة في الكشف عن هذه المنابت، وسرعة الإعلان عن ضبط هذه المستنبتات قبل قيام الجهات المختصة بدورها الفعلي في التحقيق مما يضعف عمليات التحري، وذلك طمعًا في حصول المكتشفين على ترقيات، إضافة إلى الحماية التي توفرها "أوسلو" للمتورطين من حملة الهوية الإسرائيلية، وعدم القدرة على ملاحقتهم أمام المحاكم الفلسطينية، ورفض النيابة الإسرائيلية الاعتماد على الملفات التحقيقية الفلسطينية، فسلطة الشرطة في القانون الفلسطيني، بينما الشرطة الإسرائيلية هي سلطة استدلال وتحقيق توثق كل خطواتها، وبالتالي لا تصلح إجراءات الشرطة الفلسطينية للاعتماد عليها في تحقيقات الشرطة الفلسطينية، عدا عن أن أجهزة أُخرى تُنافس الشرطة في عملها، ولا خبرة لها في ضبط المخدرات، وغالبًا ما تكتفي بالحد الأدنى من تغطية النيابة لإجراءاتها.

التنافس الشديد بين الأجهزة في الكشف عن منابت الحشيش، وسرعة الإعلان عن ضبط هذه المستنبتات قبل قيام الجهات المختصة بدورها الفعلي، أضعف الإجراءات القانونية لملاحقة مالكي صناعة المخدرات

الشركاء الفلسطينيون في عملية صناعة المخدرات وإنتاجها - بغض النظر عن ماهيتهم - لا يتعدى دور غالبيتهم دور الوسطاء والوكلاء في الإنتاج والتوزيع، ويحمل غالبيتهم بطاقات إسرائيلية تحميهم لو أُلقيَ القبض عليهم من قبل الشرطة الفلسطينية بموجب اتفاق "أوسلو". وبهذا بقيت صناعة المخدرات مزدهرة بل وتزداد ازدهارًا في بيئة زراعية خصبة وقانونية وسياسية ضعيفة، والخسارة التي يتلقاها المنتجون الحقيقيون نتيجة الملاحقة الفلسطينية واكتشاف المستنبتتات واعتقال المزارعين لا تتعدى بغالبها ثمن البذور وتكاليف الزراعة، فضررهم من اكتشاف المستنبتاب غير مؤلم، ويحاولون تدارك ذلك من خلال البحث عبر الوكلاء عن مستخدمين جدد، وابتكار وسائل زراعة جديدة سواء في البراري أو في داخل المباني كما يتضح من المستنبتات التي يتم الكشف عن بعضها.

ما ذكرته يندرج في إطار التحليل، أما المعلومات والحقيقة فهي بحاجة إلى إعلان رسمي من قبل الجهات المختصة لتفسير هذه الظاهرة، فلا يكفي أن تبقى المعلومة التي تقدم للمواطن حول سوق المخدرات هي فقط صورة شرطي يقف وسط حقل، وخبرٌ بأن الجهاز الفلاني أو العلاني قد كشف عن وجود مستنبت، وطول النبتة وعدد المستنبتات، ويذيل الخبر بوجود النيابة في الحملة.

إن ما يُقدمه البعض من تحليلات بأن ازدياد المخدرات بين الشباب بسبب البطالة والفقر والإحباط وغير ذلك هي عوامل تُحلل انتشار الظاهرة، وهي تتعلق بأسباب التعاطي وليس أسباب الازدهار، وهي مشكلة قائمة بقوة حتى قبل انتشار ظاهرة الزراعة.

إن التحدي الأول الذي يواجه السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية هي تَحوُّلُ الضفة الغربية إلى مستنبت متنقل لزراعة الحشيشة وتوزيعها، ونجاح الأجهزة الامنية في فرض الأمن والنظام يتركز في نجاحها في اجتثاث هذه الظاهرة، فهذا هو دور الأمن الحقيقي الذي ينتظره المجتمع.


اقرأ/ي أيضًا:

من المستوطنات إلى قلقيلية.. بريد نفايات

الضفة.. مقبرة نفايات "إسرائيل" السامّة!

نفايات "ديمونا".. قاتل صامت في الخليل