25-يوليو-2020

عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات


مرّت فترة على الموعد الذي حدده الائتلاف الحكومي الإسرائيلي لإطلاق إجراءات ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية إلى إسرائيل، وذلك في 1 تموز/ يوليو 2020. لكن، لا يوجد في الأفق ما يوحي بتوقيت بدء تنفيذ تلك الخطوة حتى الآن. وكان حزبا الليكود، برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، و"أزرق أبيض"، برئاسة وزير الدفاع الحالي بيني غانتس، قد اتفقا على تشكيل "حكومة وحدة ائتلافية طارئة" تناوبية، في نيسان/ أبريل 2020، وذلك بعد ثلاثة انتخابات تشريعية في أقل من عام لم يتمكن فيها أي منهما من تحقيق أغلبية حاسمة.

   الخلافات الإسرائيلية - الإسرائيلية حول كيفية تنفيذ هذه الخطة، وانتقال هذه الخلافات إلى الإدارة الأميركية، مضافًا إليها التحديات الداخلية التي يواجهها ترامب ونتنياهو، والرفض الفلسطيني والعربي والدولي الواسع، دفع ذلك إلى تأجيل القرار في ظل غموضٍ يكتنف إمكانية حدوثه أصلًا   

وبحسب البندين الثامن والعشرين والتاسع والعشرين في اتفاق الائتلاف، فإن الحكومة ستعمل بتوافق تام مع الولايات المتحدة للبتّ في مسألة الخرائط المرتبطة بـ "خطة السلام" التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 28 كانون الثاني/ يناير 2020، والتي ستمكّن إسرائيل من "فرض السيادة" على أراضٍ في الضفة الغربية، تصل نسبتها إلى 30 في المئة من مساحتها الكلية، وتشمل غور الأردن والمستوطنات الإسرائيلية، في المناطق المصنفة (ج) في اتفاق أوسلو لعام 1993، التي تمثّل أكثر من 60 في المئة من مساحة الضفة. وبعد نيل الموافقة الأميركية سيكون في مقدور رئيس الحكومة أن يعرض الاتفاق بدءًا من 1 تموز/ يوليو 2020، لبحثه أمام الحكومة، وتصديقه في الحكومة أو في الكنيست، من دون أن يكون في إمكان حزب "أزرق أبيض" الاعتراض.

لكن الخلافات الإسرائيلية - الإسرائيلية حول كيفية المضي قدمًا في تنفيذ هذه الخطة، وانتقال هذه الخلافات إلى الإدارة الأميركية بواشنطن، مضافًا إليها التحديات الداخلية التي يواجهها ترامب ونتنياهو، والرفض الفلسطيني والعربي والدولي الواسع للخطة، دفع ذلك إلى تأجيل القرار في ظل غموضٍ يكتنف إمكانية حدوثه أصلًا، وخصوصًا أن الانتخابات الأميركية قريبة. ولا يُخفي المرشح الديمقراطي، جو بايدن، معارضته لقرار الضم المزمع. وفي هذا السياق، فإن آخر اجتماع عقده مسؤولو الحكومتين الأميركية والإسرائيلية لمناقشة هذا الموضوع، كان أواخر حزيران/ يونيو 2020.

   هذا لا يعني أن الظروف والمعطيات قد لا تتغيّر على الأرض لصالح صيغة أو أخرى في دفع مشروع الضم   

ورغم تردد إدارة ترامب الواضح الآن في إعطاء الضوء الأخضر لنتنياهو لبدء إجراءات الضم، أو "فرض السيادة الإسرائيلية" كما يسميها الاتفاق الحكومي الإسرائيلي، فإن من الضروري التنبيه هنا أنّ هذا لا يعني أن الظروف والمعطيات قد لا تتغيّر على الأرض لصالح صيغة أو أخرى في دفع مشروع الضم.

الإطار التأسيسي لمشروع الضم

في 28 كانون الثاني/ يناير 2020، طرح ترامب "رؤيته للسلام" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بعنوان: "السلام من أجل الازدهار: رؤية لتحسين حياة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي"، غطت حزمة واسعة من القضايا، أهمها: مفهوم حل الدولتين، ووضع القدس، والسيادة، والحدود، والأمن، واللاجئون. ولم تُخف الخطة انحيازها المطلق لصالح إسرائيل، بل إنها كانت نتيجة تواطؤ تام بين الطرفين. وكان ترامب قد اجتمع في البيت الأبيض، قبل يوم واحد من إعلان الخطة، مع نتنياهو ومنافسه حينها غانتس، لضمان موافقة الحكومة الإسرائيلية وتيار المعارضة الأبرز عليها، في حين تمَّ استبعاد الفلسطينيين من المشاورات، بسبب محاولات إدارة ترامب فرض الشروط الإسرائيلية عليهم.

وتضمنت الخطة أربعة ملاحق، الأول منها يتعلق بالخرائط الإطارية المتخيلة لحدود الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، التي تسعى لترسيخ سيطرة إسرائيل على المعابر الدولية مع الأردن ومصر، فضلًا عن المياه الإقليمية للدولة الفلسطينية القادمة. وتعرض الخطة على الفلسطينيين دولة منقوصة السيادة، ومقيدة بحدود الأمن الإسرائيلي، ومنزوعة السلاح، ومقطعة الأوصال، ويصل بينها جسور وأنفاق تحت إشراف أمني إسرائيلي. ولا يلتزم ذلك العرض معايير قرارات الشرعية الدولية، خصوصًا لناحية تعريف الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد الخامس من حزيران/ يونيو 1967، بل يرهن ذلك باشتراطات قاسية على الفلسطينيين الالتزام بها أولًا.

ورغم أن الخطة تزعم أن أي عرض سلام واقعي يستلزم من إسرائيل أن تُقدم على "تنازلات جغرافية جوهرية" للفلسطينيين لإفساح المجال لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، فإنها تستدرك بالتأكيد أنها قد انسحبت عمليًا من 88 في المئة من الأراضي التي احتلتها عام 1967. بل تذهب الخطة أبعد من ذلك بتقرير أن "87% من الأراضي الإسرائيلية في الضفة الغربية سيتم ضمها إلى الأراضي الإسرائيلية المجاورة، و97% من الفلسطينيين في الضفة الغربية سينضمّون إلى الأراضي الفلسطينية المجاورة". كما تشير الخريطة المتخيلة للدولة الفلسطينية إلى أن "غور الأردن، المنطقة الحاسمة للأمن القومي الإسرائيلي، سيبقى تحت السيادة الإسرائيلية" المطلقة. وبحسب نتنياهو، فإن الخطة "تمنح إسرائيل حدودًا شرقية دائمة للدفاع عن أنفسنا عبر أطول حدودنا"، ومن ثم، فإن إسرائيل ستطبق قوانينها هناك.

وفي النتيجة النهائية، استنادًا إلى الخرائط الإطارية في الخطة، فإن إسرائيل ستحصل على ما نسبته 30 في المئة من أراضي الضفة، تشمل المستوطنات اليهودية وغور الأردن. إلا أن ذلك مشروط بثلاثة أمور، أولًا، أن تكون حدود الأراضي التي ستضمها إسرائيل حصيلة عمل لجنة أميركية - إسرائيلية مشتركة؛ أي لا بد من ضوء أخضر أميركي. ثانيًا، وجود توافق في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي على أي قرار في هذا الاتجاه. ثالثًا، قبول إسرائيل بقيام دولة فلسطينية بعد أربع سنوات، إن التزم الفلسطينيون بشروطٍ قاسية تفرضها الخطة عليهم.

أسباب تعثر مشروع الضم

لم تتأخر إدارة ترامب، بعد إعلان خطتها للسلام، في تشكيل اللجنة الأميركية - الإسرائيلية لرسم حدود المناطق الفلسطينية التي سيُسمح لإسرائيل بـ "فرض السيادة" عليها في الضفة الغربية، ويرأس الجانب الأميركي فيها، سفير الولايات المتحدة في القدس، ديفيد فريدمان. غير أن الخلافات التي عصفت بالائتلاف الحكومي الإسرائيلي، حول حجم الضم وتوقيته وظروفه واشتراطاته، وبين حزب الليكود وقادة المستوطنين الرافضين رهن ذلك بالموافقة على قيام دولة فلسطينية في المستقبل، جعلت الإدارة الأميركية تتردد في إعطاء الضوء الأخضر لنتنياهو للتحرك منفردًا من دون غطاء من شركائه في الحكومة.

ومع ذلك، فقد حاولت إدارة ترامب التوسط بين أطراف النزاع الإسرائيلي للوصول إلى تفاهم حول قرار الضم قبل الموعد المحدد في اتفاق الائتلاف الحكومي، لإطلاق إجراءاته، في الأول من تموز/ يوليو 2020، كما كان مقررًا. وتمَّ إيكال المهمة على نحو أساسي إلى فريدمان، الذي كان أحد أبرز ناشطي الحركة الاستيطانية في الولايات المتحدة، قبل تعيينه سفيرًا، وبقي بعد ذلك من أشد المتحمسين والداعمين لتمكين إسرائيل من ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، وهو ما دفع صحيفة هآرتس الإسرائيلية إلى وصفه بـ "سفير الضم". كما كان فريدمان من أكثر من دفع بجهود الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل ونقل السفارة إليها. ولشدة تطرفه، فإن كثيرًا من اليهود الأميركيين عارضوا ترشيحه سفيرًا. وضغط فريدمان بشدة لإيجاد إجماع ضمن معسكر اليمين الإسرائيلي للمضي قدمًا في قرار الضم، لأنه، كما نتنياهو، يرى أن وجود ترامب في البيت الأبيض فرصة قد لا تتكرر.

ولكن، عندما لم يتمكن فريدمان من تحقيق اختراقٍ في مهمته، تمّ عقد اجتماع في البيت الأبيض، في 23 حزيران/ يونيو 2020، ضم كلًا من مستشار الرئيس وصهره ومسؤول ملف السلام الفلسطيني - الإسرائيلي، جاريد كوشنر، ومستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، والمبعوث الأميركي الجديد إلى الشرق الأوسط، آفي بيركوفيتش، إضافة إلى فريدمان، لاتخاذ قرار نهائي حول ما إذا كانت إدارة ترامب ستدعم نتنياهو في قرار الضم، حتى لو لم يؤيده غانتس ووزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي. وفي ذلك الاجتماع، اتخذ قرار بسفر بيركوفيتش وفريدمان إلى إسرائيل للضغط على الأطراف الإسرائيلية المختلفة للتوصل إلى صيغة اتفاق، إلا أنهما لم ينجحا في مهمتهما. ومن هنا بدأ التردد في موقف ترامب يتبلور.

ونناقش فيما يلي أسباب الخلاف الإسرائيلي، والتردد الأميركي المبني عليه، إلى حد بعيد.

1. إسرائيليًا، يمكن إجمال أسباب الخلاف الإسرائيلي في التالي:

يريد نتنياهو أن يبدأ مباشرة في إجراءات ضم 30 في المئة من أراضي الضفة الغربية، بحيث تشمل المستوطنات ومنطقة غور الأردن، وفي المقابل يدعو غانتس وأشكنازي ومسؤولون أمنيون إلى ضم تدريجي، وضمن ترتيبات محلية وإقليمية في محاولة لتجنب تفجر الأوضاع فلسطينيًا، وتداعيات ذلك المحتملة على العلاقات ببعض الدول العربية، وتحديدًا الأردن، والتقارب مع بعضها الآخر استنادًا إلى العداء لإيران. كما أن ثمَّة خشية من توتر العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، الذي أعلن رسميًا معارضته أي محاولة لضم أجزاء من الضفة الغربية من دون توافق مع الفلسطينيين. أما زعماء المستوطنين، فإنهم يرفضون ضمًّا قد يقود يومًا إلى اعتراف بكيانية فلسطينية، مع أنه لن يكون لها من شروط الدولة إلا الاسم.

تردد ترامب في إعطاء ضوء أخضر لقرار الضم من دون وجود توافق داخل الحكومة الإسرائيلية. ورغم أن اتفاق الائتلاف الحكومي يتيح لنتنياهو الشروع في إجراءات القرار من دون أن يتمكن حزب "أزرق أبيض" من منع ذلك، فإن ثمَّة اتفاقًا آخر مع إدارة ترامب على عدم الشروع في تنفيذ الضم من دون موافقة البيت الأبيض.

لا تمثل مسألة الضم أولوية كبرى لدى أغلب الرأي العام الإسرائيلي؛ ذلك أن الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في إسرائيل، على خلفية الموجة الثانية من فيروس كورونا، دفعت نحو ركود اقتصادي غير مسبوق. وتشير المعطيات إلى ارتفاع معدل البطالة في إسرائيل إلى 20 في المئة، وتشمل قرابة مليون شخص. ويحمّل أغلب الإسرائيليين نتنياهو المسؤولية، إذ يتهمون حكومته بأنها سمحت بانتشار العدوى من خلال فتحها المدارس بسرعة، وفشلها في فرض ارتداء الكمامات الطبية[18]. وبناء على ذلك، فإن حزب "أزرق أبيض" يصر على أن الأولوية الآن هي التصدي للجائحة.

بسبب الأزمة الاقتصادية وتزايد عجز الميزانية الإسرائيلية، يحذر مسؤولو المؤسستين العسكرية والأمنية من أن قرار الضم قد يترتب عليه انفجار للعنف في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما قد يؤدي إلى إفلات زمام الأمور من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وربما تفجّر انتفاضة ثالثة في الضفة، وحدوث مواجهة عسكرية مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة. ويخشى نتنياهو من أن جولة جديدة من المواجهات ستضاعف من أزمة إسرائيل الاقتصادية.

القلق من الانقسام السياسي الأميركي الداخلي حول المسألة، والأضرار التي قد تترتب على هيكل العلاقات الأميركية - الإسرائيلية وبنيتها مستقبلًا؛ إذ إن بايدن لا يُخفي معارضته هذه الخطوة، وكذلك الحزب الديمقراطي، فضلًا عن أن ثمّة انقسامًا بين المنظمات اليهودية الأميركية حول الأمر. وسنشير إلى هذه القضايا بإيجاز في القسم التالي.

2. أميركيًا، يمكن حصر أسباب التردد الأميركي في التالي:

عجز الائتلاف الحكومي الإسرائيلي عن حسم موقفه من المسألة؛ إذ يريد ترامب، بتأثير من كوشنر، توافقًا في معسكر اليمين الإسرائيلي على الأقل، وذلك لتقوية موقفه داخليًا، في حال ترتبت تداعيات على القرار، مثل وقوع أحداث عنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو صدور مواقف قوية ضد القرار، أوروبية أو من الأمم المتحدة.

انعكس الخلاف الداخلي الإسرائيلي في خلافات داخلية ضمن فريق ترامب؛ ففي حين يريد فريدمان ووزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الذي صرح في حزيران/ يونيو 2020 بأن "حكومة إسرائيل هي من يقرر بشأن الضم، سواء لجهة الكيفية أو التوقيت"، إعطاء نتنياهو الضوء الأخضر، حتى من دون موافقة حزب "أزرق أبيض"، فإن كوشنر يضغط في اتجاه تأجيل ذلك، فضلًا عن ربط الدعم الأميركي بالتزام إسرائيلي واضح بقيام دولة فلسطينية.

تمثل الخلافات داخل اليهود الأميركيين ومنظماتهم حول الموضوع تحديًا آخر لإدارة ترامب. ففضلًا عن وجود أصوات يهودية أميركية معارضة من ناحية مبدئية لقرار الضم، من أفراد، مثل الصحافي المعروف، بيتر بينارت، ومؤسسات مثل IfNotNow، فإن المنظمات اليهودية الأساسية، اختلفت حول الموضوع انطلاقًا من مقاربتها لمصلحة إسرائيل، وتداعيات القرار عليها أميركيًا. مثلًا، ترفض منظمة "جي ستريت" (منظمة صهيونية أميركية أقرب إلى أجندة الحزب الديمقراطي) المشروع، لأنه يمس "المبادئ الديمقراطية" لإسرائيل[22]، في حين تؤيده منظمات أخرى، وعلى رأسها "المنظمة الصهيونية الأميركية" Zionist Organization of America، ولجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية "أيباك".

 لا يشجع هذا الوضع ترامب، على الأقل في هذا التوقيت، على المغامرة في إعطاء ضوء أخضر لقرار الضم، بما قد يترتب عليه من تداعيات كبرى 

وتتضاعف تعقيدات المشهد بالنسبة إلى المنظمات الصهيونية الأميركية المؤيدة لقرار الضم في ضوء إعادة انبعاث حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، في أيار/ مايو 2020، بعد مقتل الأميركي الأسود، جورج فلويد، خنقًا تحت ركبة رجل شرطة أبيض في ولاية مينيسوتا، وتجدد النقاش أميركيًا عن تلقّي كثير من رجال الأمن الأميركيين تدريبات في إسرائيل حول كيفية التعامل مع الاحتجاجات المدنية. ونتيجة لذلك، فإن منظمةً مثل "أيباك" وجدت نفسها مضطرة إلى إبلاغ أعضاء في الكونغرس بأنهم أحرار في انتقاد خطة الضم، "طالما أن الانتقادات تتوقف عند هذا الحد"، بمعنى ألّا تقترن بالحديث عن فرض عقوبات على إسرائيل. وكشفت، أيضًا، مذكرة مسربة أعدتها منظمة صهيونية أخرى، هي "رابطة مكافحة التشهير" Anti-Defamation League، التي تقدم نفسها بوصفها منظمة حقوق مدنية، عن المعضلة التي يواجهها اللوبي الصهيوني في أميركا، إذ تحاول المذكرة تقديم تصور يتجنب استثارة السود الأميركيين، وممثليهم وممثلي الآسيويين واللاتينيين في الكونغرس، عبر عدم التعرض لهم في حال انتقدوا إسرائيل من جراء مشروع الضم، على ألّا يصل ذلك إلى طرح تشريعات مناهضة للدولة العبرية، كرهن المساعدات العسكرية الأميركية المقدمة لها بسجل حقوق الإنسان الفلسطيني، أو قرار الضم.

إعلان حملة بايدن معارضتها رسميًا المشروع، وتأكيد مستشاره للسياسة الخارجية، نيكولاس بيرنز، أن الضم "هو القضية التي يمكن أن تسبب الضرر الأكبر للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل"، ما جعل اللوبي الصهيوني يتردد في ممارسة ضغوط كبيرة على إدارة ترامب لإعطاء إسرائيل الضوء الأخضر للمضي في مشروع الضم في هذه المرحلة. ولا تقف الأمور عند هذا الحد، إذ وقّع أكثر من 191 عضوًا ديمقراطيًا في الكونغرس رسالةً إلى نتنياهو وغانتس وأشكنازي يطلبون فيها منهم عدم المضي في مشروع الضم.

     اللوبي الصهيوني يخشى أن تتدهور العلاقات على نحوٍ أكبر مع الحزب الديمقراطي     

وإذا كانت هذه الرسالة انطلقت اعتمادًا على الحرص على "أمن إسرائيل يهوديةً ديمقراطية"، فإن رسالة أخرى في مجلس النواب، وقعها ثلاثة عشر عضوًا ديمقراطيًا، أرسلت إلى بومبيو، طالبوه فيها بمعارضة قرار الضم، وهددوا بأنهم سيعملون على تمرير مشروع قانون في الكونغرس يعتبر إسرائيل "دولة أبارتهيد"، وربط المساعدات العسكرية الأميركية السنوية المقدمة لها، بقيمة 3.8 مليارات، بهذا الأمر وحقوق الفلسطينيين تحت الاحتلال. وهناك رسالة أخرى في مجلس الشيوخ، وقّعها اثنا عشر عضوًا ديمقراطيًا، قالوا فيها إنهم سيتقدمون بتعديل على مشروع "ميزانية قانون الدفاع لعام 2021"، يُحظر بموجبه على إسرائيل أن تستخدم أيًا من أموال المساعدات الأميركية في تمويل مشروع الضم. وبناء عليه، فإن اللوبي الصهيوني يخشى أن تتدهور العلاقات على نحوٍ أكبر مع الحزب الديمقراطي، خصوصًا أن أغلب موقّعي رسالة الـ 191 هم من أنصار إسرائيل في الحزب، وهو ما يهدد بتحويلها إلى قضية حزبية في الكونغرس.

يجد ترامب نفسه، في مقابل ذلك كله، أمام المعركة الأخطر في حياته السياسية، في ظل تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، وتحول الولايات المتحدة إلى بؤرتها عالميًا، وفشل إدارته في التصدي لها، والانهيار الاقتصادي ومعدلات البطالة غير المسبوقة التي ترتبت عليها. وتشير استطلاعات الرأي لانتخابات الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، تأخر ترامب على نحوٍ بعيد أمام منافسه الديمقراطي، بايدن، ليس على المستوى الوطني أو الولايات الترجيحية، كفلوريدا، فحسب، بل كذلك احتمال مواجهته انتخابات صعبة في ولايات تعتبر حمراء (الحزب الجمهوري) تاريخيًا، مثل أريزونا وتكساس.

لا يشجع هذا الوضع ترامب، على الأقل في هذا التوقيت، على المغامرة في إعطاء ضوء أخضر لقرار الضم، بما قد يترتب عليه من تداعيات كبرى، خصوصًا أن القضية لا تمثّل أولوية للرأي العام الأميركي، ولا حتى لليهود الأميركيين. واستنادًا إلى رئيس الكنيست، ياريف ليفين، المقرب من نتنياهو، فإن إدارة ترامب "ليست في مزاج التعامل" مع موضوع الضم حاليًا، وأن نتنياهو لن يقدم عليه من دون تنسيق مسبق معها. 

عوامل قد تحرك موضوع الضم مجددًا

لا يعني ما سبق انعدام فرص الضم، بضوء أخضر أميركي، مطلقًا، بل إن ثمَّة معطيات قد تستجد وتعيد طرح الموضوع مرة أخرى وتهيئ الأرضية له. وتنقسم هذه المعطيات قسمين، إسرائيليًا وأميركيًا.

1. إسرائيليًا: 

أ. ضغوط المستوطنين المتصاعدة على نتنياهو والقلقين من احتمال خسارة ترامب الانتخابات الرئاسية الأميركية، ومجيء بايدن المعارض للمشروع. ويرى قادة المستوطنين أن الفرصة المتاحة الآن تتراجع بسرعة من جراء ذلك. ويصرّون على أن نتنياهو مطالَب بالتحرك منفردًا، حتى من دون ضوء أخضر أميركي. وأمام ذلك، فإن نتنياهو قد يضطر إلى الخضوع لضغوطهم، خصوصًا أنه مدين لهم بالكثير في دعمه ودعم الليكود انتخابيًا، وهو الذي خاض الانتخابات الثلاثة الأخيرة واعدًا بإنفاذ القرار.

ب. بناء على ذلك، وفي ضوء الخلافات المتصاعدة بينه وبين نائبه غانتس، فإن نتنياهو قد يسعى إلى التحلل من أحد أهم بنود الائتلاف الحكومي، الذي ينص على أن يتناوبا على منصب رئيس الوزراء؛ بحيث يستمر نتنياهو في المنصب مدة 18 شهرًا، يكون خلالها غانتس نائبًا له ووزيرًا للدفاع، ثم يصبح الأخير رئيسًا للوزراء في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 مدة 18 شهرًا أخرى. وإذا قرر نتنياهو المضيَّ في هذا الاتجاه، فإنه سيكون في حاجة إلى أصوات المستوطنين، والتركيز على مشروع الضم مجددًا لاستنفارهم أيديولوجيًا وانتخابيًا.

ج. صحيح أن نتائج انتخاباتٍ تشريعية رابعة ليست مضمونة، ولكن ما قد يرجح لصالح الليكود أن تحالف "أزرق أبيض" أضعف سياسيًا في موقفه من نيسان/ أبريل 2020، عندما شكلا الحكومة، إذ إن قبول غانتس بدخول حكومة ائتلافية مع نتنياهو قاد إلى انشقاق في تحالفه.

2. أميركيًا

رغم أن ترامب يواجه مشاكل كثيرة، داخليًا وخارجيًا، جعلته غير مهتم كثيرًا، حاليًا، بموضوع الضم، فإن استمرار تراجعه في استطلاعات الرأي من جراء تفشي جائحة كورونا وتدهور الاقتصاد، قد يدفعه إلى أن يعيد التركيز من جديد عليه. ودائمًا ما يتهم ترامب الديمقراطيين بتحولهم إلى حزبٍ يحتضن "معاداة السامية"، وقد يحاول تفعيل هذه الورقة من جديد ليصرف الانتباه عن التحديات الحقيقية التي تواجه الولايات المتحدة.

قد يرى ترامب ما سبق تنشيطًا للقاعدة الإنجيلية Evangelicals الداعمة له، التي تؤيد إسرائيل بنسبة تزيد على 80 في المئة انطلاقًا من خلفية دينية. ويمثل من يصنفون أنفسهم إنجيليين و"مولودين من جديد" Born-Again نحو 42 في المئة من الشعب الأميركي بكل شرائحه وأعراقه. ويقول 38 في المئة من البيض إنهم ينتمون إلى هذه الفئة، في حين أن أكثر من 53 في المئة منهم يعتبرون أنفسهم جمهوريين. وأغلب هؤلاء صوّتوا لصالح ترامب، ولا زالوا يدعمونه بقوة. ولا يُخفي بعض قادة الإنجيليين استياءهم اليوم من تردد ترامب في دعم خطة الضم، ويحذرون من ردة فعل عند التوجه إلى صناديق الاقتراع. إلا أن هذا ليس أمرًا محسومًا، فثمة من يرى أن الانجيليين و"المولودين من جديد" لديهم قضايا أخرى يهتمون بها إلى جانب إسرائيل، مثل تعيين قضاة أقرب إلى تفكيرهم ومعارضة حق الإجهاض، وهم سعداء أصلًا بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، ولا يفهمون بالضرورة موضوع الضم. ومع ذلك يرى بعض الخبراء أن قرابة ثلث الإنجيليين قد يأخذون الموقف من إسرائيل في اعتبارهم في الانتخابات القادمة.

اقرأ/ي أيضًا: بؤرة استيطانية للمراهقات فقط: "نُحارب لأجل أرض إسرائيل"

 

هناك ضغوط بعض الجمهوريين؛ إذ بعث، مثلًا، اثنا عشر عضوًا جمهوريًا في مجلس النواب الأميركي برسالة إلى بومبيو يحضّونه فيها على ضرورة دعم الإدارة مشروع الضم، واعتبروا أي انتقاد له شكلًا من أشكال "معاداة السامية". وبحسب الرسالة، فإن "أميركا ليس لديها صديق أعظم من إسرائيل، وإسرائيل ليس لديها صديق أعظم من أميركا". وبحسب استطلاع رأي جرى عام 2019 فإن 64 في المئة من الجمهوريين عبّروا عن رغبتهم في انحياز إدارة ترامب إلى الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين، في مقابل 10 في المئة فقط بين الديمقراطيين، و18 في المئة بين المستقلين.

خاتمة

رغم أن هناك من يرى، إسرائيليًا وأميركيًا، أن فرص قيام إسرائيل في المرحلة الحالية بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية تراوح "ما بين مستوى منخفض إلى معدوم"، وأن "صفقة القرن" التي تحدّث عنها ترامب قد ينتهي بها المطاف إلى أن تصبح "إخفاق القرن"، فإنه لا ينبغي التقليل من خطورة الثنائي ترامب - نتنياهو، فقد أثبتا مرات عديدة أن من الصعب التنبؤ بقراراتهما وتحركاتهما. وهما إذا كانا اليوم يواجهان تحديات كبيرة، داخليًا وخارجيًا، فإن هذا قد يشجعهما على الدفع من جديد بقرار الضم، بغضّ النظر عن التداعيات، خصوصًا في حالة نتنياهو الذي يواجه تهمًا قضائية بالفساد.

ليس بالضرورة، أيضًا، أن يكون قرار الضم في الضفة الغربية، في حال حدوث توافق أميركي - إسرائيلي، على نسبة الـ 30 في المئة كلها، بل قد يشمل الكتل الاستيطانية الكبرى، من دون غور الأردن، في مرحلة أولى. وإذا كانت مثل هذه الخطوة قد تفيد ترامب في الأسابيع القادمة، مع اقتراب الانتخابات، من دون تأكيد ذلك الآن، فإن نتنياهو في حاجة إليها، أولًا، لناحية إرثه السياسي، إذ إنه صاحب أطول فترة حكم رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل. ثانيًا، لمستقبله السياسي. وثالثًا، لتعزيز تماسك قاعدته الشعبية والسياسية وتقوية موقفه في حال حدوث تطورات في ملف متابعته قضائيًا. والأمر مرتبط اليوم باتجاهات نضوج عوامل الحثِّ على المضي في القرار، أو عوامل الكبح في سياقه، أميركيًا وإسرائيليًا.

     ثمَّة من يقلل من خطورة الضم في حال تمَّ على أساس أن إسرائيل تسيطر بالفعل على الضفة الغربية      

وتتوافر مسألة أخيرة، تتمثل بأن ثمَّة من يقلل من خطورة الضم في حال تمَّ على أساس أن إسرائيل تسيطر بالفعل على الضفة الغربية، بما فيها غور الأردن والمستوطنات. والفارق هنا، أن حالة الأمر الواقع de facto، لا تمكّن إسرائيل من تملّك الأراضي الخاصة الفلسطينية، استنادًا إلى معاهدة جنيف الرابعة، ولا "قانونيًا" أمام المحاكم الإسرائيلية، كما لو كان هناك ضم "قانوني"، أو de jure. وإذا مُرر هذا القانون عبر الكنيست، فإن إسرائيل ستلجأ إلى الاستيلاء على الأراضي الخاصة الفلسطينية عبر حيل كثيرة مثل قانون أملاك الغائبين، كما فعلت في مصادرة أملاك وممتلكات الفلسطينيين الذين طردوا أو نزحوا من القدس الشرقية بعد عام 1967، في حين أنها تحت سلطة الأمر الواقع اليوم لا تستطيع مصادرة أراضٍ فلسطينية إلا لضرورات عسكرية محضة[41]. ومع أن القانون الدولي سيبقى يكيّف الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد الخامس من حزيران/ يونيو 1967، على أنها أراضٍ محتلة، فإنّ المحاكم الإسرائيلية، سيكون لها تكييف آخر، وذلك كما جرى من قبل في الجولان السوري المحتل والقدس الشرقية، في ظل عجز دولي وتواطؤ أميركي.


اقرأ/ي أيضًا: 

توماس فريدمان.. في حب الصهيونية حتى الموت

كتاب "الإرث الفلسطينيّ المرئيّ والمسموع".. تحصين الذاكرة الفلسطينية

نتنياهو يقترح خطَّة بديلة عن ضم الضفة