19-أكتوبر-2019

رام الله العاصمة المؤقتة للدولة الفلسطينية، فيها تتواجد مقرات الأجهزة الأمنية الرئيسية والفرعية، وتنتشر فيها نقاط الحراسة أمام منازل المسؤولين والمؤسسات، وفيها أيضًا تمكن لص من سرقة لوحات عشرات السيارة المصطفة أمام المباني السكنية الممتدة من مدخل البيرة الجنوبي إلى مدخلها الشمالي، حدث ذلك في وقت كانت تجوب فيه قوات الاحتلال أحياء المدينتين، حيث تنسحب الشرطة وقوات الأمن الفلسطينية إلى داخل مقراتها مؤقتًا. 

     يشتكي كثيرون من سرقة لوحات أرقام مركباتهم في مناطق فلسطينية، لاستعمالها على مركبات أخرى من نفس النوع واللون    

إحدى تلك السيارات التي سرقت لوحاتها تعود لي، فتوجهت إلى مقرّ الشرطة في البيرة لتقديم بلاغ عن السرقة، وجدت أكثر من شخص حضروا لتقديم بلاغ للشرطة حول السرقة، تبيّن لي أن الإجراءات المطلوبة كي تحصل على ورقة من الشرطة تمكّنك من استخراج لوحة جديدة من وزارة النقل والمواصلات، تشبه إجراءات الحصول على فيزا، فهي تتطلب بلاغًا للشرطة، وصور شخصية، وبراءة ذمة من مخالفات السير، وعليك أن تحضر مرةً أخرى بعد 24 ساعة للحصول على ورقة مختومة من الشرطة. وبما أن جريمة السرقة قد حدثت يوم الخميس، فيتوجب عليك الانتظار حتى يوم الأحد، لكن هذا الشرط يمكن تجاوزه بالواسطة، فأحد جيراني سرقت لوحة مركبته كما حصل معي، لكنّه حصل على كتاب من الشرطة فورًا، واستصدر لوحات أرقام لمركبته في نفس اليوم. 

لوحة أرقام مركبة فلسطينية (توضيحية)

تجادلت مع الشرطة حول جدوى ربط استصدار هذه الورقة حول السرقة، بمخالفات السير، فكان الردّ: لماذا ترتكبون مخالفات سير هُنا، وبمجرد خروجكم إلى الطرق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية لا تُخالفون؟ فقلت إنّها مسؤوليتكم حماية سياراتنا من السرقة. فقال ماذا نفعل وقد حدثت كل السرقات في ذات الطريق التي كانت تسير بها قوات الجيش الإسرائيلي؟

غادرت إلى مقر المحكمة القريب من مقر الشرطة للحصول على براءة ذمة من مخالفات السير، وتبيّن لي أن مخالفات السير التي تظهر على شاشة جهاز كمبيوتر الشرطة ليست هي ذات المخالفات التي تظهر لدى المحكمة، فمعلومات الشرطة غير محدّثة، لذا يتم الاستعاضة بطلب براءة ذمة من المحكمة، فبرنامج مخالفات سير الشرطة غير متصل على ما يبدو ببرنامج المخالفات لدى المحاكم. 

      السلطة لا ترى نفسها مسؤولة عن حمايتك بنفس شدة الدرجة التي ترى نفسها مسؤولة عن تحصيل الضرائب والرسوم منك 

لماذا تشترط وزارة المواصلات براءة ذمة عن المخالفات، لكنّها قبلت قبل شهرين أن تسجّل سيارة باسمي دون براءة ذمة، فإذا كان الأصل مباحًا ما بال الفرع غير مباح؟ كيف يمكنني قيادة سيارتي لثلاثة أيام دون لوحة أرقام؟ لماذا لا تمنحني الشرطة إثباتًا خطيًا يفيد بسرقة لوحات مركبتي. يقولون نحن لا نعطي هذه الورقة إلا بعد مرور 24 ساعة بسبب إجراءات بيروقراطية في جهاز الشرطة، ولو حدثت السرقة مع بداية عطلة الأسبوع، كيف ستبقى مركبتي دون أي إثبات بأن اللوحات قد سُرقت؟ ماذا سأقول لو أوقفتني الشرطة الفلسطينية أو الإسرائيلية؟ 

جانب آخر أثار اهتمامي، أنه يتوجّب على من سرقت لوحة سيارته أن يدفع رسومًا قد تصل إلى قرابة 200 شيكل بدل اللوحة المسروقة، فالسلطة لا ترى نفسها مسؤولة عن حمايتك بنفس شدة الدرجة التي ترى نفسها مسؤولة عن تحصيل الضرائب والرسوم، وهذا بحدّ ذاته إخلال بمبدأ المواطنة المبنيّة على توازن الحقوق مع الواجبات. 

الشق الآخر الأكثر أهمية هو أن وزارة النقل والمواصلات تصدر لمن سرقت لوحات سياراتهم لوحات جديدة بذات الرقم القديم، وهذا يعني ببساطة أن سيارة أخرى مزورة بذات اللون وذات النوع وذات سنة الإصدار ستتجول في محافظات الضفة الغربية في نفس الوقت الذي تتجول به بسيارتك، مع فارق بسيط، فأي مخالفة سترتكبها السيارة المزورة ستعود عليّ، وعليّ حين اكتشف هذه المخالفات بعد سنوات أن أثبت للدولة أنّي لست مخالف، وهذا أمر يصعب تحقيقه في نظام يشبه النظام القانوني الذي نعيش به. فمنذ اللحظة التي سيعاد فيها إصدار لوحة تحمل رقم مركبتي القديم، أنا شخص مشتبه به حال وقوع أي جريمة تستخدم فيها اللوحات المسروقة، مع  فارق بسيط أن السارق لن يتم الوصول إليه بعكس ما أنا عليه، وبالتالي عليّ الاستعداد لتحمُّل مسؤولية كل ما يمكن أن يحدث في تلك السيارة التي تنتحل أرقام مركبتي.

 حين تُسرق لوحات مركبتك، فهذا يعني أن سيارة أخرى بنفس اللون والنوع، ستكون تتجوّل في الضفة وعليك أن تدفع المخالفات التي يرتكبها صاحب المركبة المزوّرة    

مهام عديدة يقع على الحكومة مسؤولية اتخاذها، كالطلب من الأجهزة الأمنية ملاحقة العصابات الخطيرة التي تقوم بسرقة اللوحات، كون ذلك سيكون مقترنًا بجرائم أخرى أشد خطورة، فلا يجوز أن تبقى هذه الجريمة تصنّف في القانون جنحة سرقة على صورة النشل، وعقوبتها من ثلاثة أشهر إلى سنة، وغالبًا ما يتم إطلاق سراح المتهم بسرعة لبساطة التهمة!

وعلى الحكومة أن تطلب من وزارة النقل والمواصلات استصدار لوحة جديدة برقم جديد بدل اللوحة المسروقة، وإلغاء أرقام اللوحات المسروقة، وتعميمها على الشرطة والمواطنين للابلاغ عن أي سيارة تشاهد برقم مسروق، وأن يتم إعفاء أصحابها السابقين من أي شبهات ومسؤولية.

وعلى وزارة النقل أن تلغي رسوم بدل استصدار لوحة جديدة، فهذا أبسط تعويض يمكن أن تقوم به الدولة عن ضرر لحق المواطن بسبب قصورها، وعليها أن تستثني ربط  توثيق بلاغات السرقة بمخالفات السير، وأن تحيل مهمة تلقي البلاغات إلى النيابة العامة، بحيث تتولى النيابة على الفور منح المشتكي إثباتًا يمكّنه من متابعة الأمر مع وزارة النقل والمواصلات، وإبرازه أمام الجهات المعنية حتى استصدار لوحة أرقام جديدة، ولا يوجد ما يمنع أن يكون باللغتين حتى يتم استخدامه خارج مناطق سيطرة السلطة الفلسطينية.


اقرأ/ي أيضًا: 

الحكومة لموظفيها: إيّاكم و"المشطوب"

سيارات فارهة في غزة مكسوة بالغبار لـ"ردّ العيْن"!

"سيارات تأجير" غير صالحة للسير على الطرقات