قول

ما هو المقترح الكولومبي للجمعية العامة؟ وهل ستدعمه دولة فلسطين؟

26 سبتمبر 2025
ما هو المقترح الكولومبي للجمعية العامة؟ وهل ستدعمه دولة فلسطين؟
شهد الحموري
شهد الحموريمُحامية وأستاذة جامعية

تجري الدورة الحالية للجمعية العامة في ظل ظروف استثنائية، حيث أصبحت قضية فلسطينية والإبادة اختبارًا مصيريًا للمنظمة الدولية وللنظام العالمي القائم على القانون الدولي.  بينما تتصاعد الدعوات للتحرك من قبل غالبية الدول، تبقى العقبة الأساسية هي إرادة القوى العظمى وموازين القوى على الساحة الدولية. النقاش الآن لم يعد فقط حول "التهدئة"، بل حول قضايا جوهرية مثل وقف التمويل العسكري، والمساءلة القانونية، والشكل السياسي المستقبلي للحل.

تشهد الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم تصادم ثلاث تيارات سياسية رئيسية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية: 1. التيار الصهيو-أميركي: وهو التيار الذي تقوده الولايات المتحدة وتدعمه إسرائيل، ويرفض المطالبة بوقف إطلاق النار ويقتصر سقفه التفاوضي على فكرة "الهدنة الإنسانية" المؤقتة، مما يحافظ على الوضع القائم ويسمح باستمرار العمليات العسكرية. 2. تيار الدول العربية والأوروبية: ويسعى إلى إحياء حل الدولتين، لكن ضمن رؤية تقترح إنشاء دولة فلسطينية محدودة السيادة؛ دولة بوليسية تفتقر إلى جيش وطني أو اقتصاد مستقل، مما يجعلها خاضعةً للهيمنة الإسرائيلية بشكل غير مباشر. 3. تيار مجموعتي لاهاي وبوغوتا (المكون من دول من أميركا اللاتينية وأفريقيا وغيرها من المناهضة للاستعمار)، وهو تيار يتبنى خطابًا أكثر جرأةً استنادًا إلى التزاماته السابقة بمواجهة الفصل العنصري وعزل الأنظمة القمعية. يدعو هذا التيار بوضوح إلى وقف بيع الأسلحة لإسرائيل، وفرض عقوبات اقتصادية عليها، وإرسال قوات حفظ سلام دولية إلى غزة تحت مظلة "الاتحاد من أجل السلام" لتعطيل الفيتو الأميركي في مجلس الأمن.

نحن أمام لحظة مصيرية؛ إما أن نمسك بمقود المصير نحو التحرير، أو نفتح فصلًا جديدًا من الذل الذي صنعته الدول العربية والسلطة الفلسطينية على مدى عقود

تضع هذه الخريطة السياسية الشعوبَ العربيةَ والفلسطينية أمام مفترق طرق مصيري: إما توحيد الجهود لضم الصوت العربي الرسمي والشعبي إلى التكتل الأكثر تقدمًا (تيار لاهاي وبوغوتا)، أو خسارة اللحظة التاريخية والفرص الاستراتيجية النادرة التي يتيحها المشهد الدولي الحالي في نيويورك.

قدمت الجزائر قبل عدة أيام مقترح وقف إطلاق نار يخلو من أي إجراءات فعلية لمجلس الأمن – وبالطبع قابلت الولايات المتحدة الأميركية هذا القرار الهزيل بالفيتو. في هذه الحالات المستعصية هناك خيار تفعيل إجراء "Uniting for Peace" وهي آلية استثنائية أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار 377 د-5 عام 1950. الغرض الأساسي منها هو تخطي جمود مجلس الأمن عندما يفشل الأخير في القيام بمسؤوليته الأساسية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين بسبب استخدام حق النقض (الفيتو) من قبل أحد الأعضاء الدائمين. تُعد آلية "الاتحاد من أجل السلام" سلاحًا دبلوماسيًا مهمًا يمكن للدول الداعمة لفلسطين استخدامه لتحريك الملف دوليًا عندما يُعطل مجلس الأمن، مما يضع إسرائيل وحلفاءها في موقف دفاعي أمام الرأي العام العالمي.

يطرح الاقتراح الكولومبي الذي سيقدم للجمعية العامة للأمم المتحدة تفعيل آلية "الاتحاد من أجل السلام" للمطالبة بوقف بيع وتجارة السلاح مع إسرائيل، وفرض عقوبات اقتصادية عليها، وتشكيل قوات حماية دولية لغزة. وقد أكدت عدد من الدول استعدادها لإرسال قوات حفظ سلام إلى غزة، وهناك قابلية دولية لهذا القرار – وهذه القابلية هي نتيجة مباشر لنضال الشعوب التي لم تنفك عن إبداء صوتها الرافض للإبادة عبر العامين المنصرمين. نعم، هناك احتمال كبير بأن لا تتحقق هذه الغاية حتى لو حصلنا على قرار أممي بهذا الشأن. لكننا أمام مكسب استراتيجي مهم – ففشل دخول قوات حفظ السلام قد يوسع الجبهة ويزيد من أطراف الصراع – ويضع الجيش الإسرائيلي في مواجهة مباشرة مع الدول التي وافقت على إرسال البعثات والمنظومة الدولية ككل. وقد تزيد هذه القوات شعور إسرائيل بالعزل وبالتالي تزيد أخطائها الاستراتيجية ونحن الآن نرى أثرًا مشابهًا مع قافلة "الصمود" التي ترافقها حماية عسكرية إيطالية وإسبانية.

طبعًا، هناك مخاطر أخرى تأتي مع قوات حفظ السلام، من أهمها غياب الشفافية وعزل الشعوب المتأثرة عن عملية اتخاذ القرار. واعترافًا بهذه المخاطر، فإننا ندعو كولومبيا وغيرها من الدول الداعمة إلى تأكيد حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني كركن أساسي في تشكيل هذه القوات – مع التأكيد على مبادئ الشفافية والمساءلة القانونية، وجعل الصوت الفلسطيني محورياً في عملية صنع القرار.

نحن الآن أمام خطر عرقلة هذه المبادرة التي قد تحصل الأسبوع القادم، وأكبر خطر يأتي من الداخل. فهناك تردد واضح في موقف ممثلي دولة فلسطين على الساحة الدبلوماسية، ويبدو هذا التردد جليًا في خطاباتهم التي عادةً ما تخلو من أي إشارة إلى وقف بيع السلاح، أو فرض العقوبات الاقتصادية، أو إرسال قوات حفظ السلام. لذلك، فإن واجبنا يقتضي إبداء الدعم الكامل للمبادرة الكولومبية، ومتابعة خطوات ممثلي دولة فلسطين والمطالبة بمحاسبتهم. بل إن واجبنا يمتد لفرض هذه الضغوط على كافة المكاتب الدبلوماسية العربية خلال الأيام القادمة. وفي هذا السياق وخلال الأيام الماضية، تكتل ممثلي المجتمع المدني الفلسطيني والدولي معاً للمطالبة في دعم المقترح الكلومبي. 

لقد قتلت إسرائيل إمكانية تحقيق أهدافها عندما وسعت رقعة أحلامها التوسعية وراهنت على مستقبل مبني على القوة العسكرية. لا رجوع بعد جرائم الإبادة التي بثت على الهواء مباشرةً وأيقظت ضمير العالم. لقد بالغت إسرائيل في المراهنة، ولطخت سمعتها بالدماء المراقة، مما يعني أنها تواجه احتمال خسارة كبيرة، بينما تظهر أمامنا فرص استراتيجية في قلب هذا الظلام.

نحن أمام لحظة مصيرية؛ إما أن نمسك بمقود المصير نحو التحرير، أو نفتح فصلًا جديدًا من الذل الذي صنعته الدول العربية والسلطة الفلسطينية على مدى عقود. إن حلفاءنا الحقيقيين هم الدول التي ذاقت مرارة الاستعمار – مثل جنوب إفريقيا، وكولومبيا، وكوبا، وماليزيا، وغيرها من دول العالم التي تقف مع الحق والعدالة.

الكلمات المفتاحية

النص الكامل لكلمة د. عزمي بشارة في افتتاحية مؤتمر "فلسطين وأوروبا" في باريس

النص الكامل لكلمة د. عزمي بشارة في افتتاحية مؤتمر "فلسطين وأوروبا" في باريس

بلغت فظائع الحرب الإسرائيلية على غزة حد إحراج حلفاء إسرائيل. لذلك، فإن وقف الحرب أوقف الحرج


قوة الإنفاذ الدولية... هل تعني عودة الاحتلال لغزة؟

قوة الإنفاذ الدولية... هل تعني عودة الاحتلال لغزة؟

التحوّل من "الحفظ" إلى "الإنفاذ" يُثير مخاوف فلسطينية مشروعة من أن تتحول هذه القوة إلى ذراعٍ أمنية دولية تعمل بما يخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية


إسرائيل تشرع بتسوية الأراضي في مناطق "ج" وتسجيلها كملكيات خاصة للمستوطنين.. أي سياق؟

إسرائيل تشرع بتسوية الأراضي في مناطق "ج" وتسجيلها كملكيات خاصة للمستوطنين.. أي سياق؟

في أيار/مايو 2025، قررت الحكومة الإسرائيلية "إبطال" عمليات التسوية التي أجرتها السلطة الفلسطينية في المنطقة "ج"، والبدء بتنفيذ مشروع تسوية شامل لتسهيل التوسع الاستيطاني


التحول في الموقف الأميركي من إسرائيل: بين تغير الأجيال وتبدل الوعي السياسي

التحول في الموقف الأميركي من إسرائيل: بين تغير الأجيال وتبدل الوعي السياسي

بينما لا يزال الجيل الأكبر سنًا في هذه الجماعات يعبر عن دعم قوي لإسرائيل، يظهر بين الشباب ما يشبه حالة الفتور أو الانفصال العاطفي عن العلاقة التقليدية

مدارس غزة.. عودة مرتجفة للتعليم بين الركام والنازحين ومقاعد بلا أصحاب
تقارير

مدارس غزة.. عودة مرتجفة للتعليم بين الركام والنازحين ومقاعد بلا أصحاب

لم يكن المشهد الذي رافق استئناف العملية التعليمية في غزة يشبه أي عودة مدرسية شهدها القطاع من قبل

قيادي في حماس لـ "الترا فلسطين": تواصلنا مع روسيا والصين والجزائر لإحباط المشروع الأميركي في مجلس الأمن
مقابلات

قيادي في حماس لـ "الترا فلسطين": تواصلنا مع روسيا والصين والجزائر لإحباط المشروع الأميركي في مجلس الأمن

قال القيادي في حماس وليد كيلاني، لـ"الترا فلسطين"، إن الحركة أجرت اتصالات عديدة في الأيام الماضية، خاصة مع روسيا والصين والجزائر، للضغط بهدف إحباط المشروع الأميركي في مجلس الأمن


مركز غزة: مليوني فلسطيني بالقطاع يعيشون كارثة إنسانية تتفاقم يوميًا مع اقتراب الشتاء
أخبار

الإعلام الحكومي: 288 ألف أسرة بغزة لا تملك أبسط مقومات الحياة

قطاع غزة يحتاج 300,000 خيمة وبيت متنقل لتأمين الحد الأساسي للسكن الإنساني.

عن رواتب الأسرى.. بيان للرئاسة الفلسطينية يكرر التأكيد على دور "مؤسسة تمكين"
أخبار

عن رواتب الأسرى.. بيان للرئاسة الفلسطينية يكرر التأكيد على دور "مؤسسة تمكين"

في 10 شباط/فبراير، قرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس نقل صلاحية صرف رواتب أسر الشهداء والأسرى إلى مؤسسة "تمكين"، تحت عنوان "إصلاح النظام المالي" واستعادة المساعدات الدولية المعلّقة

الأكثر قراءة

1
تقارير

اغتصاب وتعذيب جنسي.. محرّرو غزة يروون لـ"الترا فلسطين" فظائع السجون


2
تقارير

الجبهة الديمقراطية لـ"الترا فلسطين": مصر عرضت على الفصائل خطّة من 5 بنود وهذه تفاصيلها


3
تقارير

داخل صندوق أسود: هكذا تُدار الدبلوماسية الفلسطينية


4
تقارير

خاص | الترا فلسطين يحصل على نصّ وثيقة الخطوات التنفيذية لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة


5
راصد

توني بلير.. سيرة إداري للإيجار