24-نوفمبر-2017

"ماري تجدُ السماء" هكذا عنون الكاتب همّام يحيى مقالته التي كتب فيها عن تجربته كطبيب نفسي مع مريضته (تجد السماء) التي لم تتمكن من تجاوز معاناتها التي بدأت كطفلة منذ أُخذت عنوة من أهلها وأُجبرت على دخول "المدارس الداخليّة" التي أُنشأت لتغريب وتمسيح السّكان الأصليّين لأمريكا كما جاء في المقالة.

ثمة أحاديث كثيرة متشابهة عندما يتعلق الأمر بالاحتلال، وبمسح السكان الأصليين لبلاد من خلال تطويعهم وتحويلهم إلى شركاء في "رواية المُحتل الجميلة"

ثمة أحاديث كثيرة متشابهة عندما يتعلق الأمر بالاحتلال، وبمسح السكان الأصليين لبلاد ما وإحلال سكان جدد مكانهم، الأمر لا يبدأ أو ينتهي بالرصاص فقط، فالاحتلال سلسة طويلة من المعارك التي قد تبدأ بالرصاص ولكنّها حتمًا لا تنتهي به، فالأهم من احتلال الأرض هو مسح سكانها ليس بقتلهم فقط، بل بتطويعهم وتحويلهم إلى شركاء في "رواية المُحتل الجميلة".

أحيانًا أشعر كوافدة إلى أمريكا بأنني جزء من هذا الاحتلال، جزء من سلب الأرض من سكانها الأصليين، وتغيير معالمها ليبدو أنّ ما حدث ليس احتلالًا، بل أمرٌ آخر أخف وطأة من أن يكون احتلالًا. فربما هو اكتشاف لأرض جديدة، أو توطين لمجموعات مضطهدة، أو هي مجرد حروب لنشر الأديان أو "للسمو بالحياة الإنسانية" كما حدث ويحدث عبر التاريخ.

أفكّر كثيرًا في ما يجعل الوافدين إلى "إسرائيل" محتلين، بينما يجعل الوافدين إلى أمريكا باحثين عن فرص جديدة للحياة؟! للأسف فالمسألة هُنا تمامًا مسألة وقت.

بعد ما يزيد عن خمسة قرون من "اكتشاف" كولومبوس لأمريكا، لم يتبق لسكانها الأصليين سوى اعتراف الحكومة الأمريكية بهم كأمم محلية تابعة لها، تتمتع بالسيادة القبلية غير الكاملة على مجموعة من المحميات التي يتمركزون بها في عدد من الولايات. كما تبقى لهم أيضًا الاستمتاع بإجازة يوم "عيد الشكر" الذي يوافق الخميس الأخير من كل شهر (تشرين ثاني/ نوفمبر) والذي يُروّج له كيوم وطنيّ شكر فيه المستعمرون الأوروبيون السكّان الأصليين على مساعدتهم لهم في الزراعة والصيد، ما أنقذهم من المجاعة والموت.

ورغم أنّ "يوم الشكر" بالنسبة للكثير من الأمريكيين ليس عيدًا وطنيًا بقدر ما هو مناسبة عائلية دافئة تجمعهم بعائلاتهم وأصدقائهم لتناول وجبة عشاء معًا، إلّا أنّ ابتكاره جاء بالأصل لترويج رواية تاريخية هدفها تجميل الاستعمار الأوروبي وعلاقته بالأمريكيين الأصليين.

في مقال على "الترا فلسطين" بعنوان "المدينة الفلسطينية على الشاشات الإسرائيلية.. آخر انبساط" يختم الكاتب مقاله بمشهد الانبساط الذي عاشه الصحفي الإسرائيلي "حيزي سيمنتوف"، خلال زيارته لمصنع النبيذ في قرية الطيبة قضاء رام الله، المشهد الذي جمع الصحفي بصاحب المصنع لم يكن ترويجًا فقط "للتسامح والتعايش" بين الطرفين، بل رمى لأبعد من ذلك وفقًا لما جاء في المقال، وهو تصوير حالة الرضا التي يعيشها المجتمع الفلسطيني السعيد تحت الاحتلال. فالاحتلال هُنا لا يريد أن يقتلك ويسرق أرضك ويهدم بيتك فقط، بل يريد أن يراك تصفّق له وتمدحه وتتغنى بالحياة تحت سلطته أمام العالم.

يحارب الأمريكيون الأصليون من أجل تغيير اسم فريق كرة القدم الأمريكية (RedSkins) لما يحمله الاسم من إهانة بحقّهم. وبينما تقرأ الأخبار بخصوص ذلك ستفكّر هل سيأتي على الفلسطينيين يوم يشبه هذا اليوم؟ يومٌ يحاربون فيه من أجل تغيير اسم فريق رياضي إسرائيلي يلمّح لهم بالسخرية؟ هل سنتحول بعد خمسة قرون إلى مجموعات تعيش في محميات منفصلة تابعة لـ "الدولة الإسرائيلية" التي ستمنحنا مساحة قانونيّة كافية فقط للحفاظ على لغتنا وثقافتنا؟ هل ستقيم "إسرائيل" يومًا وليمة عشاء يتوسّطها "ديك رومي" لشكر كل من ساعد في بنائها من رجال السياسة والأيدي العاملة الفلسطينية، ثم يتحوّل هذا اليوم إلى يوم وطنيّ يُرمز فيه إلى عطاء دولة الاحتلال ورضا الشعب المحتل؟ أم أنّها تفعل هذا كل يوم عبر إعلامييها وسياسييها ونحن لا ننتبه، ووحده العالم يفعل؟!


اقرأ/ي أيضًا:

وزارة الإعلام تنتهك القانون إرضاء لـ"الداخلية".. الضحية صحافية

الطلاق في فلسطين لم يكن فضيحة.. كيف كان يحدث؟

غزة: القضاء العشائري رديفًا للمحاكم.. هل نجح؟