30-سبتمبر-2016

تصوير: عبد الرحمن عوض

في حوض الدار ومع كل صباح، يمرر نظراته متفحصًا أشجار الجوافة، التي غرسها في أرضه قبل نحو ثلاثة أعوام، مطمئنًا على محصولها، قبل أن يشغّل محرِّك سيّارته منطلقًا إلى جامعة بيرزيت، حيث يعمل محاضرًا جامعيًا في كليّة التربيّة، تاركًا لمخيّلته أن تسرح فيما عليه أن ينجزه بعد عودته من عمله الأكاديميّ، ضمن مشروعه في استصلاح الأراضي الزراعيّة.

ويكاد لا يمر يوم، دون أن يعمل الأستاذ الجامعي حسن عبد الكريم (48 عامًا)، في الزراعة واستصلاح الأراضي، باعتبار أنّ هذا العمل هو الأساس لتنمية الريف الفلسطيني، بسواعد الأهالي، وخاصّة الشبّان منهم.

يعتبر أن العمل في الزراعة هو الأساس لتنمية الريف الفلسطيني، وأنّ برامج الدعم المقدمة من الاتحاد الأوروبي جعلت الناس اتّكاليين

عبد الكريم، المحاضر المزارع، يحظى بمكانة مرموقة في قريته بدرس الواقعة على بعد 35 كيلومترًا غرب رام الله، والمحاذية لمدن الداخل المحتل، والمتاخمة للجدار الفاصل. فهو حاصل على درجة الدكتوراة في تعليم العلوم والسياسات التربوية من جامعة ولاية ميشيغان الأمريكية، ويرى نفسه مطيعًا لأرضه وأشجاره التي يعشقها منذ الصغر، فهو يرى أنّ ثمّة علاقة بينه وبين الأشجار.. "هناك علاقة ولغة، وهناك لغة نفسية، ورومانسية". مشيرًا إلى أنّه يعتبر الزراعة نوعًا من التربية، فأنت عندما تربي إنسانًا فإنك تحرص عليه وتعتني به، والشيق في تربية الأشجار أنها مطيعة".

الأستاذ الجامعي حسن عبد الكريم

 

ويصرّ عبد الكريم على أن "العلاقة بين الإنسان الفلسطيني والأرض علاقة عضوية غير منفصلة. وبما أن الفلسطينيين فقدوا الكثير من أرضهم، فقد أصبحت علاقتنا مع الأرض وطيدة وضرورية، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالدرجة الأولى صراع على الأرض".

اقرأ/ي أيضًا: السلطة الفلسطينية.. فشلت حتى في زراعة البطيخ

ومع رؤيته لآلاف الدونمات في قريته "بدرس"، يجتاحها العطش والتهميش، وتحاصرها الصخور والأتربة الجافة غير الصالحة للزراعة، فهو يطمح لاستصلاحها وتنميتها.

وعن سبب اهتمامه بالجوافة تحديدًا، يقول إنّ قرية بدرس، قريبة نوعًا ما من الساحل الفلسطيني، ومناخها يشبه مناخ محافظة قلقيلية التي تشتهر بالجوافة، ويشير إلى أنّ والدته كانت قد زرعت شجرة جوافة في محيط منزل العائلة قبل نحو 20 عامًا، ونجحت نجاحًا لافتًا، وأعطت الثمر المطلوب. وهو ما دفعه لاستنبات 100 شتلة جوافة، نجحت 40 منها في أنّ تحظى برتبة "شجرة".

زرع 40 شجرة جوافة كمرحلة أولى

 

وكانت باكورة انطلاق مشروع تعمير الأراضي لدى عبد الكريم في استصلاح نصف دونم من خلال قطعة أرض مقابلة لمنزله: "قلعت الأشواك الضارة وأحضرت حفارًا لتحطيم الصخور، وأقمت جدارًا حول الأرض، وأحضرت تربة حمراء من أراضي المروج السهليّة بتكلفة ألفي دولار".

اقرأ/ي أيضًا: زيت فلسطين.. رغم الاحتلال

أكثر المشاهد التي تؤلمه، رؤيته قطع الأرض، مهملة، دون أن يهتم بها أحد، وهذه من أكبر الكوارث التي تعرّض لها الشعب الفلسطيني 

على غرار "جوافة قلقيلية" الشهيرة يتطلع عبد الكريم لنقل التجربة من خلال زراعة مناطق واسعة حتى يتمكن من تحقيق إنتاج واسع، بدون التوجه لاستعمال المواد الكيماوية أو المبيدات. فمشروعه الصغير الذي بدأ بـ 40 شجرة جوافة، بات الأن يمتدّ على مساحة أربعة دونمات، دون أن يشعر في يوم من الأيّام أنّ هناك تضاربًا بين عمله الأكاديمي والزراعي.. "أعمل محاضرًا في جامعتي ومزارعًا في أرضي .. أحب المهنتين".

مؤخّرًا، أقدم عبد الكريم عل شقّ طريق نحو أرضه، مارًّا من جبل بين قريته وقرية قبيا المجاورة، وأقام في أرضه بئر ماء كلّفه نحو 10 آلاف دولار، وتخلّص من الصخور الكبيرة بتفتيتها، وأقام سياجًا وسلاسل حجرية حول أرضه لحمايتها من الحيوانات، والتعدي عليها، وزرع فيها أيضًا أشجار اللوزيات والزيتون والعنب والتين والعناب والجوز.

بدايته في استصلاح الأرض

 

ومع نجاح جهوده في تعمير أراضي والده، شرع عبد الكريم باستصلاح قطعة أرض أخرى بمساحة 6 دونمات زراعية، فهو يرى أنّ العمل ممتع رغم أنّه شاق، ويحتاج الكثير من الموارد والآلات والأدوات الزراعيّة، التي من شأنها المساعدة في استصلاح وتنمية مساحات واسعة تعود بناتج غذائي وفائدة مالية، كما تساهم في حل مشكلة البطالة بين الجيل الشاب، عدا عن نظرته إلى تحسين مناظر القرى والبلدات الفلسطينية.

تصوير عبد الرحمن عوض

 

وأكثر المشاهد التي تؤلم عبد الكريم، رؤيته الكثير من قطع الأرض مهملة، دون أن يهتم بها أحد، مذكِّرًا بأنّ الدعم الأوروبي حوّل الشعب الفلسطيني لشعب اتكاليّ، والنتيجة هي أن ابتعدنا عن الأرض، وهذا من أكبر الكوارث التي حلّت بنا.

اقرأ/ ي أيضًا: 

عنب الخليل في مهرجانه السادس.. ندرة وتنوع

ربيع فلسطين الأخضر

الزبيب الفلسطيني.. ما تبقّى لكم من حلوى