06-أغسطس-2018

كثيرة هي المواضع التي يمكن القول فيها إن رئيس السلطة  الفلسطينية محمود عباس، وقف أو تحرك، واتخذ مواقفَ مضادة للصالح العام الفلسطيني. لكن آخر قفزة نفذها السيد عباس، جاءت اليوم، بتصريحات غرائبية وعصية على الهضم بشأن قطع السعودية لعلاقتها بكندا. الغرابة تتفاقم بالعلم أن كل هذا الهيجان السعودي بحق الدولة الأمريكية الشمالية الهادئة ما هو إلا نتيجة انتقادات جدية، وجهتها كندا لطبيعة الجحيم الحقوقي في سعودية سلمان وابنه.

الأبشع في حالة تبني مصفوفة الاستبداد "التضامنية"، عندما لا تكون نتيجة دوغمائية عقائدية أو التزام سياسي، بقدر ما هي مدفوعة الأجر

ربما سيكون تلقي قفزة عباس أهون بكثير مما هو عليه الآن لو كانت خلفية الكباش السعودي الكندي معزوة لملف تجاري أو غزوة دبلوماسية. لكن، ومرد الأمر كله متعلق بطبيعة حقوقية، وأناس يدفعون عمرًا ودمًا في السجون السعودية نتيجة مطالبات ومواقف من واقع البؤس السعودي فهذا يستدعي إدراكًا موضوعيًا لعمق الأزمة المفتعلة التي ولجها عباس جارًا معه سمعة ومسار قضية لا يعوزهما مزيد من التشويش.

اقرأ/ي أيضًا: السعودية تطرد سفير كندا.. والرد الكندي: مصممون على الدفاع عن حقوق الإنسان

كما من المستبعد أن تنزعج كندا الرسمية من الموقف الفلسطيني الرسمي الأخير، هذا أن تضامن السلطة مع السعودية لن يخفف بدوره لا طبيعة الانتقادات للواقع الحقوقي في السعودية ولا سيعفي السلطة أو ينقذها من مبضعالنقد والتدقيق الدولي بشأن ممارساتها الأمنية وملفها الحقوقي في الضفة الغربية، وإرث ممارساتها في غزة قبل الـ2007 الذي لا يلبث في الهدوء إلا ليعود بضحايا جدد وأرشيفات أخرى.

أن تقف مع القمع، وهي حالة طافحة في تاريخ البشرية وحاضرها، والعرب لهم حصة غير هينة من تبني مواقف الولاء للاستبداد بالجملة، يعني أنك تشرعن إلى درجة ما، من منظورك، هذا القمع. بل وتستدخله قبولًا، ولن يكون بالإمكان المجادلة بنفيه عن من يتبناه، خاصة وأن أجهزة محمود عباس الأمنية متمرسة في فنون القمع.

والخطير على المستويات التي تهم الفلسطيني مباشرة، أن الفلسطينيين اليوم أمام تساؤل من الشرعي أن يطرحه العالم عليه، كيف تسعى وتطالب بالتضامن ضد الانتهاكات الشاسعة القائمة بحقك، في حين تتضامن مع مستبدين آخرين ضد ضحاياهم؟!

أما الأبشع في حالة تبني مصفوفة الاستبداد "التضامنية"، عندما لا تكون نتيجة دوغمائية عقائدية أو التزام سياسي، بقدر ما هي مدفوعة الأجر. وهذا ما تتناقله الأنباء حول الحوالات السعودية التي ظهرت بسخاء مفاجئ تزامنًا مع تصريح محمود عباس المعني بالحديث.

بينما الأنكى من تأجير المواقف وبيعها، كالحاصل اليوم بشأن التصريحات المتعلقة بالسعودية وكندا، والتي لم يقم بمثلها من هم أقرب من محمود عباس للنظام السعودي، أن هذا الموقف الفلسطيني يصدر لصالح السعودية في الوقت الذي مارست فيه السعودية بدورها أفضح أشكال التطبيع وأسرع خطواته خلال السنتين الآخيرتين، وابتزت سلطة محمود عباس ماليًا طويلًا لتمرير تفاهماتها مع تل أبيب وإدارة دونالد ترامب.

يبدو أن مصير مشروع السلطة الفلسطينية، بكامل أدوارها الأمنية الفجة، يشغل بال رئيسها أكثر مما يشغله موقع الشعب الفلسطيني بتلاوينه وتكويناته في كل أماكن تواجده. فالقبول بالمال السعودي وتصدير مواقف من هذا العيار تجاه دولة بحجم كندا، نتيجة انتقاداتها الحقوقية للسعودية مجددًا، وفي مرحلة من الحرج كالتي تعيشها المسألة الفلسطينية حاليًا، تزامنًا مع ما أطلق عليه "صفقة القرن"، بما تحمله من كارثة مرتقبة، بوساطة سعودية إماراتية مفضوحة، وفي ظل حالة الإرهاق السريري الذي تشهده حملات التضامن مع حقوق الشعب الفلسطيني، خاصة في أمريكا الشمالية، لا يمكن نعته بأقل من فضيحة علنية وجحيم من نوع جديد جر إليه الفلسطيني بجرة قلم رئاسية. كما لا تبقى مساحة شاسعة للمناورة بالحديث، إلا التمني لو كانت هذه التصريحات قد لفقت للرئيس على عجل كما جرت العادة السعودية الإماراتية في الاختراق الإلكتروني وتلفيق التصريحات!


اقرأ/ي أيضًا:

إسرائيل: دول عربية تدعم تجاوز أبو مازن في خطة ترامب

السعودية لـ السلطة: هذه صفقة ترامب ولا مجال لنقاشها

أبو مازن: القدس هي مكة.. عرضوا علينا أبو ديس عاصمة