محور موراج.. العقدة التي شدّتها إسرائيل في خاصرة جنوب قطاع غزة

يومًا بعد آخر تزداد خطورة احتلال الجيش الإسرائيلي "لمحور موراج" شمال مدينة رفح، الذي يفصل المدينة عن الأطراف الجنوبية لمدينة خان يونس. وبحسب مراقبين، فإن إسرائيل ما زالت تسحب خيوط خطتها ببطء، وتعيد رسم حدود النار عبر السيطرة على هذه المنطقة، ما يشي بأنها لن تكتفي بالاحتلال فقط، بل تمضي قدمًا نحو تفتيت قطاع غزة، وفرض معادلات جديدة داخله.

منطقة موراج تُعدُّ المُصدِّر الرئيسي للغذاء في قطاع غزة، وهي السلة الغذائية الأوسع لسكان الجنوب، حيث تشتهر بتربتها الخصبة ومصانعها المرتبطة بالإنتاج الزراعي

ما هي منطقة موراج؟

يرتبط اسم موراج بمستوطنة إسرائيلية سابقة، كانت جزءًا من تجمع مستوطنات "غوش قطيف"، التي أنشأت عام 1972 كموقع عسكري، ثم تحولت إلى مجمع زراعي واسع، قبل أن تنسحب إسرائيل من قطاع غزة عام 2005، في عهد أريئيل شارون.

وأعاد جيش الاحتلال الإسرائيلي احتلال هذه المنطقة الممتدة من البحر غربًا حتى شارع صلاح الدين شرقًا، وصولًا إلى آخر نقطة على الحدود الفاصلة بين قطاع غزة والأراضي المحتلة، بعد استئنافه حرب الإبادة الجماعية في 18 آذار/مارس الماضي، وتحت قيادة الفرقة 36 التي تنشط في مناطق جنوب القطاع.

موراج.. شريان استراتيجي لغزة

ويقول إياد سعدي، أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة القدس المفتوحة، إن منطقة موراج تُعدُّ المُصدِّر الرئيسي للغذاء في قطاع غزة، وهي السلة الغذائية الأوسع لسكان الجنوب، حيث تشتهر بتربتها الخصبة ومصانعها المرتبطة بالإنتاج الزراعي.

وأضاف سعدي في حديثه لـ"الترا فلسطين"، أنّ احتلال إسرائيل "لمحور موراج"، تعني السيطرة على مساحة 74 كيلومترًا مربعًا من قطاع غزة، أي ما يعادل 20 في المئة من مساحته الإجماليّة.

وأشار سعدي إلى أنّ منطقة "موراج" اشتهرت بأراضيها الزراعية الخصبة شاسعة المساحة، وبتنوع محاصيلها من الخضروات والفواكه والورود التي كانت تُصدّر لدول أوروبا، وقد كانت تُغذّي مناطق الجنوب بالخضار حتى خلال فترة الحرب.

وبيَّن إياد سعدي، أن احتلال منطقة موراج سيُعيد رسم الخريطة الديموغرافيّة لقطاع غزة، عبر الضغط المستمّر على السكان في الجنوب، وسيخلق بيئة طاردة لهم، إضافة إلى أنه سيشكّل ضربة للأمن الغذائيّ، مع تزايد شبح المجاعة.

ورغم مرور أكثر من عام ونصف على بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إلا أن احتلال "محور موراج" وتوقيت السيطرة عليه لم يكونا قرارًا اعتباطيًا، إذ كان المزارعون الفلسطينيون في هذه المنطقة يستعدون لجني محاصيلهم الزراعيّة من الخضروات، وباقي الزراعات الموسمية الأخرى، لكن أوامر الإخلاء الإسرائيليّة حالت دون ذلك، وقطعت مصادر أرزاقهم، وحوّلت أماكن عيشهم إلى صحراء قاحلة.

يقول المزارع عبدالهادي أبو جليدان، إنّه اضطر لترك بيته وحقله هربًا من حمم القذائف الإسرائيلية التي تساقطت بالقرب منهم، بعد وقت قليل من إصدار أوامر الإخلاء الإسرائيلية لسكان منطقة حي النصر شرق مدينة رفح.

ويضيف أبو جليدان: "لم يُمهلنا الاحتلال كثيرًا لجمع أمتعتنا، فقد جرفوا مئات الدونمات، بما فيها دفيئاتي الزراعية والأراضي المجاورة، وبعد كل هذا العناء أصبحنا بلا مأوى، ولا أمل لنا حتى بالرجوع".

عمليًا على الأرض، بدأت موجةٌ جديدةٌ من شح الخضروات في الأسواق، مع غلاء فاحش في المتوفر منها، بما يؤشر فعليًا لحرب مجاعة أخرى ستزداد نذرهًا تدريجيًا على رقاب الغزيين.

لكنّ  مغزى المجاعة -على أهميته- وحرمان السكان من الحصول على قوتهم، لم يكن السبب الوحيد لاحتلال "محور موراج"، إذ يرى المراقبون أن إسرائيل ستسعى من خلال احتلاله لتقسيم قطاع غزة إلى مناطق منعزلة يسهل من خلالها مراقبة السكان والتحكم في حركتهم وإحكام القبضة على تدفق المساعدات للقطاع.

 وأكد بينيامين نتنياهو أن "موراج" سيكون بمثابة "محور فيلادلفيا الثاني"، في إشارة إلى الخط الأمني الشهير على حدود قطاع غزّة مع مصر، موضحًا أنّ الهدف من إنشائه هو تقسيم قطاع غزّة والضغط على حركة حماس للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لديها.

لماذا أنشأ الاحتلال محور موراج؟

يوضح الباحث في الشأن الإسرائيلي أحمد فيّاض أن منطقة "موراج" يمثل الشريان الحيوي لقطاع غزة، وبوابةً لإدخال المساعدات والبضائع من معبريّ رفح وكرم أبو سالم، وبالتالي فإن السيطرة عليها تعني "التحكم في المتنفس الاقتصادي الوحيد للغزيين".

وبيَّن فيَّاض أن منطقة "موراج" هي الأوسع في قطاع غزة، بعرض 12 كم تقريبًا، وتشكل تقاطعًا مع حزام أمنيّ على طول القطاع 41 كم، "وهذه المساحة ستسمح للجيش بهامش أكبر للمناورة والسيطرة الأمنية".

ويرى أحمد فيّاض أنّ إسرائيل ربما تسعى من خلال احتلال "محور موراج" لسحب ملف المساعدات من يد حركة حماس في غزة، "فقيادة الجيش الإسرائيلي الآن برئاسة أيال زامير متقبلة لمسألة توزيع المساعدات، إذا طلب منها ذلك عبر المستوى السياسي، بعدما كان  رئيس هيئة الأركان سابقًا هرتسي هليفي يعارض ذلك".

وأشار إلى أنّ بقاء الجيش في "محور موراج" سيُسهل عليه الانقضاض على مناطق أخرى في خان يونس، أو الدخول في محاور أخرى مثل "كيسوفيم" أو "مفلاسيم" وإعادة تطبيق خطة شارون في سبعينيّات القرن الماضي المُسمّاة "الأصابع الخمسة"، التي هدفت حين ذاك لإحكام السيطرة على قطاع غزّة.

وقال فياض: "الهدف المُعلن للجيش من السيطرة على محور موراج، هو الضغط على حركة حماس لتحسين شروط التفاوض على الطاولة، بمعنى أنه يفاوض بالدم ولاقتطاع أجزاء من الأرض، على اعتبار أنّ سلب الأرض هو أكثر ما يوجع الحركة، وهو يراهن على هذين المسارين لتحقيق ما يريد".

ووفقًا لفياض، فإن خطوة احتلال رفح وتفريغ سكانها، ستمكن الجيش من عدم السماح مرة أخرى للسكان بالدخول لها إلَّا بعد إخضاعهم للتفتيش عبر بوابات إلكترونية، وكذلك التحكم بحركة السكان والنازحين في مدينة خان يونس وغيرها من المدن تمهيدًا لخطة التهجير في حال تم تطبيقها.

ويؤكد أحمد فياض أنه في حال استمرَّ الجيش الإسرائيلي في رسم وقائع على الأرض، فإن بقاءه لمدى أطول سيكون أمرًا واقعًا تلبيةً لمطالب اليمين الحاكم، وهذا هو "السيناريو المُخيف" بحسب رأيه.

لكن بقاء الجيش الإسرائيلي في "محور موراج" سيكون مُكلفًا وفقًا لفياض، وسيتطلب مزيدًا من القوات، وهو ما يُناقش حاليًا بين القيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية، خاصة إذا فشلت جهود التسوية ونجاح المفاوضات مع حركة حماس.

ويعاني الجيش الإسرائيلي من نقص في القوات نتيجة مئات القتلى وآلاف المصابين الذين خرجوا من الخدمة، وكذلك بعدما قلَّص الجيش من إصدار أوامر الاستدعاء في قوات الاحتياط، على أثر الاحتجاجات في هذه القوات والعرائض الداعية لوقف الحرب التي وصل عدد الموقعين عليها إلى 140 ألفًا.

من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا، إن احتلال "محور موراج" يأتي ضمن سياسة الضغط العسكري على المفاوض الفلسطيني، واستخدامه كورقة مساومة في حال طال أمد المفاوضات.

منطقة "موراج" هي الأوسع في قطاع غزة، بعرض 12 كم تقريبًا، وتشكل تقاطعًا مع حزام أمنيّ على طول القطاع 41 كم، "وهذه المساحة ستسمح للجيش بهامش أكبر للمناورة والسيطرة الأمنية"

ورأى إياد القرا في حديثه لـ"الترا فلسطين"، أن الاحتلال يسعى جاهدًا لتدمير منطقة رفح وجعلها منطقة إنسانية، وتنفيذ مخطط يرتكز على أن رفح مدينة مدمّرة بالكامل وإقامة مخيمات معزولة عن باقي القطاع.

وبيَّن القرا، أن الاحتلال يعيد رسم الخارطة الجغرافية للقطاع والسيطرة عليه، لكن بخسائر أقل، عبر تقليل الاحتكاك مع المقاومة والسكان.

ولم يستبعد إياد القرا أن يعمل جيش الاحتلال على توسعة "محور موراج" بحيث تزداد فرص الضغط على المقاومة، لكن ما حصل خلال اليومين الماضيين من استهداف المقاومة لآليات الجيش قد يجعله يقلل من فرص ذلك، كون السيطرة على المحور أيضًا لا ترتبط بوجود هدف واضح لأجلها.