أجمع خبراء، بأنّ المرسوم الدستوريّ الصادر عن رئيس السلطة الفلسطينيّة، محمود عبّاس، بتولّي رئيس المجلس الوطنيّ رئاسة السلطة الفلسطينيّة في حال شغور منصب الرئيس، يشوبه "عيب قانونيّ دستوريّ، وغير موفّق في الوسيلة من الناحية السياسيّة".
والإعلان الدستوريّ الّذي نشر عبر الوكالة الرسميّة الفلسطينيّة، نصّ على أنّه "إذا شغر مركز رئيس السلطة الوطنيّة في حالة عدم وجود المجلس التشريعيّ، يتولّى رئيس المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ مهامّ رئاسة السلطة الوطنيّة مؤقّتًا، لمدّة لا تزيد على تسعين يومًا، تجرى خلالها انتخابات حرّة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقًا لقانون الانتخابات الفلسطينيّ، وفي حال تعذّر إجراؤها خلال تلك المدّة لقوّة قاهرة تمدّد بقرار من المجلس المركزيّ الفلسطينيّ لفترة أخرى، ولمرّة واحدة فقط".
وصف نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني السابق، الإعلان الدستوري من عباس، بـ"الخطوة السياسية"، التي تنطوي على بعض العيوب الدستورية
نائب رئيس المجلس التشريعيّ الفلسطينيّ السابق، حسن خريشة، سبق أن شهد حالة مماثلة، وكان في مركز صنع القرار عند رحيل الرئيس السابق ياسر عرفات. وتعليقًا على "المرسوم الدستوريّ"، قال خريشة لـ "الترا فلسطين"، إنّ هذه خطوة سياسيّة أكثر من كونها قانونيّة. أمّا من الناحية القانونيّة، فإنّ هذا القرار فيه بعض العيوب الدستوريّة، ولكنّه من الناحية السياسيّة، يحسم الجدل في الداخل الفلسطينيّ، وهو أفضل الحلول السيّئة، بحسب خريشة، مشيرًا إلى أنّه "كان من الأولى أن يقود المرحلة المقبلة شخص منتخب".
وأضاف خريشة، أنّ البحث عمّن سيكون الرئيس المؤقّت في المستقبل هو خطوة إيجابيّة، ولكن حسب القانون الأساسيّ، فإنّ رئيس المجلس التشريعيّ هو من يتولّى منصب الرئيس في حال شغور هذا المنصب، ثمّ يحضر لانتخابات خلال مدّة 60 يومًا، وهو ما حصل في التجربة السابقة، حيث تولّى رئيس المجلس التشريعيّ في حينها روحي فتوح، الرئاسة، و"أنا كنت نائبه، وتولّيت رئاسة المجلس التشريعيّ في تلك الفترة".
وأردف خريشة "لكنّ الظروف اليوم غير طبيعيّة، فالمجلس التشريعيّ مغيّب ومعطّل بقرار من المحكمة الدستوريّة وهو أمر عليه خلاف كبير، ثانيًا هناك حرب إبادة على الشعب الفلسطينيّ، وهناك ضغوط من أميركا وإسرائيل تحت شعار اليوم التالي للحرب، وهناك أقاويل كثيرة حول هذا الموضوع، وبالتالي هذا المرسوم وضع حدًّا لهذه المغالطات، وكأنّه اعتبر أنّ المجلس الوطنيّ يتولّى مسؤوليّات المجلس التشريعيّ، رغم أنّ المجلس الوطنيّ غير منتخب وتنازل عن صلاحيّته طواعية إلى المجلس المركزيّ".
وظهرت معالم النقاش حول الأزمة السياسيّة، في تصريح عبّاس المقتضب، الّذي نشر مرافقًا للإعلان الدستوريّ، بالقول: "إيمانًا ووعيًا منّا بهذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الوطن والقضيّة الفلسطينيّة.. وما يعيشه اليوم من أزمة سياسيّة واقتصاديّة تتمثّل فيما يتكبّده شعبنا بفعل حرب الإبادة من تهديد وجوديّ يمسّ كافّة جوانب الحياة في فلسطين. وإيمانًا منّا بأنّ كرامة الوطن ما هي إلّا انعكاس لكرامة كلّ فرد من أفراده، الّذي هو أساس بناء الوطن، وبأنّ حرّيّة الإنسان وسيادة القانون وتدعيم قيم المساواة والديمقراطيّة التعدّديّة والعدالة الاجتماعيّة هي أساس الشرعيّة لأيّ نظام حكم يقود البلاد للفترة المقبلة من تاريخ شعبنا".
وأضاف عبّاس: "انطلاقًا؛ ممّا سبق وبالبناء عليه، ورغبة في الخروج ممّا يعيشه الوطن من أزمات، ومن أجل الحفاظ على الاستقرار في هذه الفترة الّتي يواجه فيها الوطن الكثير من التحدّيات، الّتي تقتضي منّا مواجهتها، صدر الإعلان الدستوريّ".
بدوره، ذهب أستاذ القانون في الجامعة العربيّة الأميركيّة، رائد أبو بدويّة، إلى تفسير مرسوم الرئيس من الناحية القانونيّة، قائلًا إنّ "الرئيس تجاوز الصلاحيّات الممنوحة له من الناحية الدستوريّة، فالقانون الأساسيّ لا يمنح الرئيس أيّ صلاحيّات لإصدار مرسوم دستوريّ، وأيضًا مضمون المرسوم نفسه وما فيه من إجراء تعديل دستوريّ ليس أيضًا من صلاحيّات الرئيس، وبالتالي المرسوم الّذي أصدره غير دستوريّ".
وردًّا على ما تقدّم به خريشة خلال حديثه مع "الترا فلسطين"، من كون مرسوم الرئيس كان "سياسيًّا أكثر ممّا هو يتربّط في جانب قانونيّ"، اتّفق أبو بدويّة بأنّه من الناحية السياسيّة كان هناك حاجة فعلًا لتعبئة هذا الفراغ، ولكنّ الرئيس استخدم أداة قانونيّة غير موفّقة، وأيضًا من الناحية السياسيّة كان بإمكانه أنّ تعبئة هذا الفراغ عبر توافق وطنيّ وعبر مشاورات وطنيّة سواء مع أحزاب داخل منظّمة التحرير أو خارجها، خاصّة في ظلّ وجود انقسام فلسطينيّ.
وأكّد رائد أبو بدويّة، أنّه "كان بإمكان الرئيس أن يستخدم أداة سياسيّة أفضل من هذه، عبر التوافق الوطنيّ، رغم أهمّيّة تعبئة الفراغ الّذي خلقه حلّ المجلس التشريعيّ".
أمّا عن عودة منظّمة التحرير الفلسطينيّة، إلى المشهد ومنحها "بعض الدور"، قال أستاذ القانون أبو بدوية، إنّ "هذا أمر مطلوب، ولكن قبل أن تعود إلى المشهد من المطلوب منها أن تجدّد ما يسمّى بالشرعيّات سواء المجلس الوطنيّ أو المركزيّ أو غيرها من مؤسّسات منظّمة التحرير، الّتي مضى عليها زمن وهي غير فاعلة ولا منتخبة".
وعن سؤال "ما هو هدف الرئيس من هذه الخطوة؟"، ردّ أبو بدويّة، قائلًا: إنّ "الهدف هو سياسيّ متعلّق بصراعات حول المنصب ما بين قيادات سياسيّة داخل فتح في الضفّة الغربيّة، وأيضًا قد يكون استجابة لضغوط أوروبّيّة وأميركيّة وعربيّة لتعبئة هذا الفراغ خشية من الفوضى السياسيّة والأمنيّة الّتي من الممكن أن يخلقها خلوّ هذا المنصب في حال غياب الرئيس".
ويرى رائد أبو بدوية بدويّة، أنّ "الرئيس عبّاس لبّى رغبات جهات خارجيّة مهتمّة في المنطقة، خشية من الفوضى، ولبّى رغبات داخليّة في حركة فتح، إذ إنّ اختياره لفتوح (الّذي في المنصب حاليًّا) كشخص لا يملك تأثيرًا قويًّا في الشارع الفلسطينيّ أو حركة فتح وغير طامع بالمنصب، فإنّ استلامه للسلطة يجنّب حركة فتح أيّ صراعات، ويطمئنّ قياداتها حول هذا الاختيار".
وفي السياق نفسه، كشفت مصادر لصحيفة وموقع "العربيّ الجديد"، عن بعض كواليس الإعلان الدستوريّ الّذي أصدره رئيس السلطة الفلسطينيّة، محمود عبّاس، مساء أمس الأربعاء، في حال شغور مركز رئيس السلطة الفلسطينيّة، مشيرة إلى أنّه جاء لقطع الطريق على أمين سرّ اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة حسين الشيخ لتولّي منصب نائب رئيس السلطة الفلسطينيّة.
وأكّدت المصادر ذاتها، أنّ قرار عبّاس جاء بعدما رفض أعضاء مركزيّة حركة "فتح" تحديد أسماء ليختار الرئيس من بينهم نائبًا له. وقال مصدران متطابقان لـ"العربيّ الجديد"، إنّ "الرئيس محمود عبّاس طلب من أعضاء مركزيّة فتح اختيار ثلاثة أسماء ليختار من بينهم نائبًا له، وذلك بناء على الضغوط الأميركيّة والعربيّة الّتي تطالبه بإصلاح السلطة، وإيجاد بديل له في حال شغور منصبه لأيّ سبب كان".
وتابع المصدّران "رفض أعضاء مركزيّة فتح إعطاء الرئيس عبّاس أيّ أسماء ليختار من بينها نائبًا له؛ لأنّ هذا سيدخل الحركة في تناحر داخليّ، وطلبوا منه بالمقابل أن يختار هو من يريد أن يكون نائبًا له، لكنّه رفض".
وأشار المصدّران إلى أنّ "التوافق على إعلان دستوريّ يأتي برئيس المجلس الوطنيّ روحي فتوح، كان المخرج لعدم تعيين الرئيس نائبًا له، ولا سيّما أنّ العيون كانت تتّجه إلى تولّي حسين الشيخ أمين سرّ اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير منصب نائب الرئيس".
وأوضح مصدر ثالث من اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة اشترط عدم ذكر اسمه لـ"العربيّ الجديد"، أنّ "الرئيس عبّاس في منتصف هذا الشهر دخل عامه التسعين، وهو يريد أن يطمئنّ ويخشى أن يحدث شيء مفاجئ في حياته، ويريد أن تتمّ عمليّة نقل السلطة بطريقة سلميّة وديمقراطيّة".
وقال المصدر إنّ "الإعلان الدستوريّ الّذي أعلنه الرئيس أمس، يقطع الطريق على أيّ محاولة لفرض أحد من خارج النظام السياسيّ على رأس السلطة، وبالتالي هذا القرار هو تأكيد على مشروعيّة المؤسّسة والشرعيّة الفلسطينيّة، وبالتالي يضمن تداول السلطة في إطار المؤسّسة السياسيّة الفلسطينيّة في المرحلة الانتقاليّة الّتي تلي شغور منصب الرئيس عبّاس رئيس السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة، وفترة ستّة أشهر الّتي جاءت في الإعلان الدستوريّ كافية لإنضاج أيّ عمليّة انتخابيّة"، وفق ما ورد في "العربيّ الجديد".
المقاربة الأمريكية في كل مرة تطرح الأسئلة نفسها المعنية بأمن إسرائيل، ولو غلّفت بحديث عن حل الصراع ومشاريع ومقترحات للسلام وحتى مؤخرًا الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
اقرأ أكثر في مقال @basselrizqallah:https://t.co/54CotCgDpd pic.twitter.com/4ltaEI0AfU
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 19, 2024
وقال مصدر كبير في فتح، طلب عدم ذكر اسمه بسبب حساسية القضية، لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، إن خطوة عباس جاءت بعد "ضغوط أميركية هائلة". وبحسب المصدر فإن هناك خطة لتشكيل لجنة لإدارة الشؤون المدنية في غزة بعد الحرب، وسيتم الإعلان عن هذه اللجنة من قبل عباس، ولكن لن يكون للسلطة الفلسطينية أي سلطة داخلها.
بدورها، قالت صحيفة "هآرتس"، نقلًا عن مصادر فلسطينيّة، وصفتها بـ"رفيعة المستوى"، إنّ "توقيت المرسوم جاء استجابة للضغوط المتزايدة على عبّاس للإعلان عن اعتزاله أو تعيين خليفة له إذا عجز عن الاستمرار". ونفى مسؤولون في رام اللّه أن تكون "صحّة عبّاس هي الّتي دفعت إلى اتّخاذ هذا القرار، لكنّهم اعترفوا بأنّ ضغوطًا خارجيّة أثّرت على القرار". وبحسب الصحيفة الإسرائيليّة، صرّح مسؤول كبير في منظّمة التحرير الفلسطينيّة بأنّ "عبّاس يهدف إلى منع الفراغ القياديّ وتجنّب أيّ فرض خارجيّ لزعيم جديد دون انتخابات".
وأضافت "هآرتس"، حذّر مسؤولون في فتح من أنّ "تنفيذ هذا المرسوم من شأنه أن يجبر الفصائل الفلسطينيّة والأطراف الدوليّة والعربيّة على تنظيم انتخابات سريعة للرئاسة والمجلس التشريعيّ. ولكنّ البعض يرى في هذه الخطوة تكتيكًا يسمح للدائرة المقرّبة من عبّاس بالاحتفاظ بالسيطرة، مع بقاء فتوح مجرّد رمز".
وقال أحد كبار قادة فتح لـ"هآرتس": "لا يمكن معرفة ما يهدف إليه عبّاس على وجه التحديد. لقد بدأ الضغط عليه منذ فترة طويلة، ممّا أدّى إلى إقالة الحكومة السابقة لمحمّد اشتيّة. ولكن بدلًا من أن يؤدّي ذلك إلى تغيير جوهريّ، اختار رجله الموثوق به، محمّد مصطفى، وشكّل حكومة من التكنوقراط لم تتمكّن من إحداث أيّ تغيير إيجابيّ".
من جانبها، نقلت القناة الـ12 الإسرائيليّة، عمّا وصفتها بـ"مصادر فلسطينيّة موثوقة"، قولها إنّ "إعلان أبو مازن لا علاقة له بوضعه الصحّيّ، وهناك ضغوطات أميركيّة دفعته لهذا الإعلان، وهناك دول في الخليج العربيّ لها يد بهذا الإعلان".
يشار إلى أنّ القانون الأساسيّ الفلسطينيّ ينصّ على أنّه "في حال شغور مركز رئيس السلطة الفلسطينيّة، يتولّى رئيس المجلس التشريعيّ الفلسطينيّ مهامّ رئاسة السلطة الوطنيّة مؤقّتًا لمدّة لا تزيد عن 60 يومًا، تجرى خلالها انتخابات حرّة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقًا لقانون الانتخابات الفلسطينيّ". غير أنّ المجلس التشريعيّ، الّذي فازت في أغلبيّته حركة حماس، في آخر انتخابات عام 2006، عطل بعد حوالي عام ونصف من تشكيله، وحلّ بقرار من المحكمة الدستوريّة أواخر 2018. أمّا المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ الحاليّ، يرأسه روحي فتوح (75 عامًا)، القياديّ في حركة فتح، الّتي يتزعّمها عبّاس، وكان رئيسًا للمجلس التشريعيّ في عام 2004 عند رحيل عرفات، إذ تولّى مهمّة رئاسة السلطة، ودعا إلى انتخابات رئاسيّة فاز فيها عبّاس.
وفي 26 تشرين الثاني/نوفمبر، شارك عبّاس في اجتماع مجلس الوزراء الأسبوع، وبحسب ما نشر في وكالة الأنباء الفلسطينيّة، فقد "أطلع الرئيس مجلس الوزراء على آخر مستجدّات الوضع السياسيّ، والجهود المبذولة لوقف العدوان الإسرائيليّ على شعبنا الفلسطينيّ، وفق القرار الأمميّ 2735، الّذي ينصّ على وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات إلى قطاع غزّة، والانسحاب الإسرائيليّ من قطاع غزّة، وتمكين دولة فلسطين من تحمّل مسؤوليّاتها كاملة في قطاع غزّة كما في الضفّة الغربيّة، ووقف الاعتداءات الإسرائيليّة في الضفّة الغربيّة بما فيها القدس، والتأكيد على تنفيذ قرار الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة، بشأن فتوى محكمة العدل الدوليّة، بشأن إنهاء الاحتلال والاستيطان".