مرضى الجهاز التنفسي في غزة: "كل ما نريده أن نتنفس مثل الناس"
13 أكتوبر 2025
توقفت الحرب على غزة، إلا أن آثارها لا تزال معلّقة في الهواء؛ فالغبار والدخان ورائحة البارود حوّلَت التنفس إلى معاناةٍ لا تتوقف، خاصةً لمرضى الجهاز التنفسي، إذ يتسلل المرض مع كل شهيقٍ في خيام النزوح وبين ركام البيوت.
التلوث الناجم عن الركام والمواد الكيميائية يفاقم أمراض الربو والتهابات القصبات، ويزيد من تدهور الحالات المزمنة مثل الانسداد الرئوي
منذ سبعة أعوام، تعاني هبة الشريف (36 عامًا) من التهاباتٍ حادةٍ في الجيوب الأنفية ومشاكلَ مزمنةٍ في الجهاز التنفسي، لكنّ ظروف الحرب وما رافقها من نزوحٍ مستمر وتدهورٍ بيئي فاقمت حالتها الصحية إلى حدٍّ لم تعهده من قبل.
تقول هبة: "لم تعد المشكلة في المرض، بل في كل ما يحيط بي. فالغبار المتصاعد من الركام، والهواء المحمّل بجزيئات الدخان، وكل خيمة تُنصب، وكل حركة تُثير الغبار، تزيد من أزماتي التنفسية. لا أستطيع أن أتنفس كما كنت سابقًا. كل نسمة هواء تحوّلت إلى عناءٍ شديد".
وتستذكر هبة حين باغتتها نوبةٌ حادة دون أن تمتلك بخاخًا: "شعرت أنني على حافة الموت. كنت أختنق، ولا أحد حولي قادر على مساعدتي. فالمرافق الصحية بعيدة، والأدوية، إن وُجدت، باهظة الثمن".
أصبحت المهام اليومية البسيطة أو حتى السير لبضعة أمتار تحديًا مرهقًا لهبة. ولم تعد قادرة على رعاية طفليها كما ينبغي. تضيف: "الدمار جعل من الهواء عدوًا لا أستطيع الفكاك منه. لم أعد أبحث عن الرفاهية، أريد فقط هواءً نقيًا وعلاجًا يحفظ لي ما تبقّى من كرامتي".
وتخوض لين أسليم (15 عامًا) في حي الرمال بمدينة غزة صراعًا مشابهًا لما تعانيه هبة النازحة في خانيونس. فجهازها التنفسي الهش يعاني بشدة وسط بيئةٍ مشبعةٍ برائحة البارود وبقايا الغارات، ليتحوّل تنفّسها اليومي إلى معركةٍ لا تنتهي من أجل البقاء.
منذ طفولتها، عانت لين من ضيق تنفّسٍ يزداد سوءًا مع تغيّر الطقس، إلا أن تداعيات الحرب فاقمت حالتها بشكلٍ غير مسبوق. تقول بصوتها الهادئ: "لما أشم أي ريحة زي البارود أو الدخان أو أي رائحة قوية، بتعب كثير. ولا أرتاح إلا عندما أحصل على الدواء أو تبخيرة".
حتى أبسط المهام تحوّلت إلى عبءٍ ثقيل على جسدها الصغير. فمجرد صعود الدرج أو حمل دلو ماء قد يؤدي إلى نوبةٍ حادةٍ من ضيق التنفس تحتاج بعدها إلى وقتٍ طويل لاستعادة تنفّسها الطبيعي.
ولا تنسى لين حين أشعل الجيران النار مستخدمين قطعًا من الإسفنج، "حيث كان الدخان خانقًا وأتعبني كثيرًا، حتى نقلوني إلى المستشفى، وبقيت أربعة أيام على المحاليل والإبر بسبب الأزمة". إذ عندما تشتد حالتها، تصبح عاجزة تمامًا عن الحركة أو الكلام.
كانت لين سابقًا تعتمد على جهاز التبخيرة والأدوية المتوفرة في المنزل، لكنها اليوم مضطرة للذهاب إلى العيادة مع كل نوبةٍ حادة، إن استطاعت الوصول في الوقت المناسب، وسط أوضاعٍ معيشيةٍ وصحيةٍ متردّية في شمال قطاع غزة.
تقول لين: "أنا بس بدي أعيش مثل باقي البنات، ويروح عني التعب والعيا، وأقدر أعمل أي حاجة بتمناها بسهولة".
أما محمود عوض (25 عامًا)، فأجبرته أزماته التنفسية المتكررة خلال الحرب على ترك عمله في نقل البضائع داخل الأسواق الشعبية، إذ يعتمد هذا العمل على الجهد البدني. يقول: "كنت أشتغل عشان أساعد أهلي، بس صحتي ما عادت تساعدني. كل مرة أتعرض لأزمة، أحتاج وقتًا حتى أرجع أتنفّس طبيعي".
ويشير محمود، النازح في دير البلح وسط قطاع غزة، إلى أنه كان يعاني من الربو منذ طفولته، ورغم اعتياده على التعايش مع المرض، إلا أن الحرب الأخيرة وما خلّفته من تلوث جعلت الأمر لا يُطاق.
ويستذكر محمود عندما باغتته أزمةٌ حادة أثناء النزوح قائلًا: "كنت حاسس رح أختنق، وما كان في أي إسعاف حوالينا. أهلي حملوني عالشارع وأنا مش قادر أفتح صدري. جارنا أنقذني لما أعطاني بخاخ من عنده. لولاه، يمكن ما ضليت عايش".
ويضيف: "حتى إذا عثرت على الدواء لا أستطيع أحيانًا شراءه بسبب سعره. أحيانًا أشعر أني أختنق من القهر، وليس من المرض. كل ما نريده أن نتنفس! مثل بقية الناس".
انفجار صحي صامت
يصف الطبيب محمد حرز، أخصائي الأمراض الصدرية، الوضع التنفسي الراهن في قطاع غزة بأنه "انفجار صحي صامت"، تزداد فيه الحالات يوميًا وتتضاعف حدة الأعراض، خصوصًا بين الفئات الأضعف مثل الأطفال وكبار السن ومرضى الربو.
يصف الطبيب محمد حرز، أخصائي الأمراض الصدرية، الوضع التنفسي الراهن في قطاع غزة بأنه "انفجار صحي صامت"
ويبيّن حرز أن التلوث الناجم عن الركام والمواد الكيميائية يفاقم أمراض الربو والتهابات القصبات، ويزيد من تدهور الحالات المزمنة مثل الانسداد الرئوي، كما تتسبب عوامل أخرى مثل ضعف التهوية وانتشار العفن في المنازل في تفاقم الأمراض التنفسية.
ويوضح أن ارتفاع نسبة الجسيمات الدقيقة في الهواء يؤدي إلى مشاكل صحية جديدة، خاصةً للأطفال وحديثي الولادة، مما يجعل البيئة المحيطة غير مناسبةٍ للتنفس.
ويشير حرز إلى نقص الأدوية الأساسية وغياب أجهزة التنفس الصناعي واكتظاظ المستشفيات بما يفوق طاقتها، عدا عن تضرر البنية التحتية وغياب وسائل النقل الطبي، ما يساهم في تأخير نقل المرضى إلى المستشفيات. وتعمل الطواقم الطبية تحت ضغطٍ نفسي وجسديٍ شديد، وسط تزايد الحالات وانعدام الدعم.
ويؤكد الطبيب أن الوضع يحتاج إلى تدخلاتٍ عاجلة تشمل توفير الأدوية وأجهزة التنفس، وتحسين التهوية في الملاجئ، وإنشاء عياداتٍ ميدانية، وتوعية الأهالي بأساسيات التعامل مع الأزمات التنفسية. كما يطالب بتقديم دعمٍ نفسيٍ للكوادر الطبية. ويقول: "الوضع لا يحتمل التأخير، فكل دقيقةٍ تؤخَّر فيها الاستجابة قد تعني حياةً تُفقد بسبب نقصٍ بسيطٍ في الأجهزة أو الدواء".
الكلمات المفتاحية

مدارس غزة.. عودة مرتجفة للتعليم بين الركام والنازحين ومقاعد بلا أصحاب
لم يكن المشهد الذي رافق استئناف العملية التعليمية في غزة يشبه أي عودة مدرسية شهدها القطاع من قبل

10 أيام من الاقتحام: الاحتلال يحوّل منازل في يعبد إلى ثكنات عسكرية ويُشرد العائلات
"منذ اليوم الأول للاقتحام، احتلّ الجنود ستة منازل بالكامل، والآن يسكنون فيها، بعد أن أجبروا سكانها على المغادرة وإبقاء الأبواب مفتوحة".

رصاص وكمائن حول الجدار: تصاعد خطير في إصابات العمّال الفلسطينيين
64 عاملاً استشهدوا منذ بداية الحرب على غزة، منهم نحو 40 عاملاً منذ مطلع العام 2025. وهناك أكثر من 3 آلاف إصابة موثقة خلال العامين الماضيين

مدارس غزة.. عودة مرتجفة للتعليم بين الركام والنازحين ومقاعد بلا أصحاب
لم يكن المشهد الذي رافق استئناف العملية التعليمية في غزة يشبه أي عودة مدرسية شهدها القطاع من قبل

قيادي في حماس لـ "الترا فلسطين": تواصلنا مع روسيا والصين والجزائر لإحباط المشروع الأميركي في مجلس الأمن
قال القيادي في حماس وليد كيلاني، لـ"الترا فلسطين"، إن الحركة أجرت اتصالات عديدة في الأيام الماضية، خاصة مع روسيا والصين والجزائر، للضغط بهدف إحباط المشروع الأميركي في مجلس الأمن

الإعلام الحكومي: 288 ألف أسرة بغزة لا تملك أبسط مقومات الحياة
قطاع غزة يحتاج 300,000 خيمة وبيت متنقل لتأمين الحد الأساسي للسكن الإنساني.

عن رواتب الأسرى.. بيان للرئاسة الفلسطينية يكرر التأكيد على دور "مؤسسة تمكين"
في 10 شباط/فبراير، قرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس نقل صلاحية صرف رواتب أسر الشهداء والأسرى إلى مؤسسة "تمكين"، تحت عنوان "إصلاح النظام المالي" واستعادة المساعدات الدولية المعلّقة

