اشتكى عدد من المرضى الغزيّين ومرافقيهم الّذين يتلقّون العلاج في المستشفيات المصريّة، إخلائهم من السكن الفندقيّ التابع للمستشفيات إلى مساكن مكتظّة وصغيرة المساحة على أطراف القاهرة، لا تتوفّر فيها خصوصيّة للعائلات، ولا تراعي راحة المرضى، بعد انتهاء علاجهم داخل المستشفيات. وتبين شهادات غزيّين في أحاديث منفصلة لـ "الترا فلسطين"، أنّ المساكن الجديدة لا تتوفّر فيها مصاعد كهربائيّة، كما أنّها تقع في مناطق شبه معزولة، لا يوجد فيها أسواق أو محالّ تجاريّة، وغياب للمواصلات العامّة.
السيّدة ع. خ (38 عامًا)*، كانت تتلقّى العلاج في أحد مستشفيات القاهرة، إثر إصابتها بشظايا في الوجه والعينين نتيجة قصف إسرائيليّ، تقول: "كان قرار النقل مؤلمًا جدًّا، ورفضته في البداية، فمن غير السهل الانتقال إلى سكن جديد في بلد لا أعرف فيها شارعًا واحدًا، ولكن تبيّن أنّ الموضوع إجباريّ للعائلات الّتي أنهت علاجها، ويشمل عائلات أخرى كذلك".
اضطرّ مئات الجرحى والمرضى الغزيّين إلى الحصول على العلاج في عدد من المستشفيات المصريّة بعدما أخرجت قوّات الاحتلال 34 مستشفى، و80 مركزًا صحّيًّا عن الخدمة، واستهداف 162 مركّبة إسعاف، في قطاع غزّة
وتضيف "ع. خ" لـ "الترا فلسطين"، بعد ساعات من القرار الّذي أبلغتنا فيه الإدارة وسفارة فلسطين بالقاهرة، حضرت حافلة، ونقلتنا من المستشفى مع عدد من العائلات من مستشفيات مصريّة أخرى، وتوجّهنا للسكن الجديد والّذي عرفت بأنّه يقع في منطقة العبور على أطراف القاهرة. مضيفة: "وصلنا المجمّع السكنيّ المحاط بسياج كبير، ووجدنا أنّ 400 عائلة فلسطينيّة كانت قد سبقتنا إليه، وهناك استقبلنا الأمن، وأبلغنا برقم البناية والشقّة المخصّصة لنا، وكانت في الدور الخامس"، وتتابع "غ. خ"، توجّهت لمدخل البناية، وهناك تفاجأت بأنّه لا يوجد مصعد كهربائيّ، وكنت شاهدة على معاناة سيّدتين في الخمسينات من العمر، ويعانين من أمراض عدّة، وهنّ يصعدن الدرج بصعوبة ومشقّة، وما أن وصلت باب الشقّة حتّى صدمت مرّة أخرى، بأنّ عائلتين قد سبقتني إليها.
وتردف السيّدة الثلاثينيّة، بعد دخول الشقّة تبيّن أنّه جرى تخصيص غرفة واحدة لكلّ عائلة داخل الشقّة الّتي تضمّ ثلاث غرف فقط، بغضّ النظر عن عدد أفراد كلّ عائلة. وأوضحت: "حاولت التأقلم والتعرّف على العائلات الّتي تشاركني السكن، فأنا غريبة بلاد، ولكن في اليوم التالي تفاجأت بأنّه لا يوجد محال سوبر ماركت أو أسواق في محيط السكن، وعندما حاولت الوصول لأقرب مكان للتسوّق تبيّن لي أنّه من الصعوبة البالغة توفّر مواصلات عامّة في تلك المنطقة، وعلينا الانتظار لوقت طويل في الشارع حتّى مصادفة مرور "توك توك" للوصول إلى السوق مقابل 30 جنيهًا مصريًّا، وهنا قرّرت مغادرة السكن بدون رجعة.
وأشار إلى أنّها "توجّهت لإدارة السكن، وأبلغتهم بقرار المغادرة، الّتي طلبت منها البقاء؛ لأنّ مغادرته تعني فقدان الحقّ في صرف العلاج أو العودة إلى المستشفى الّذي كنت أتعالج فيه في حال حاجتي إلى ذلك، فوافقت على ذلك، وانتقلت إلى سكن جديد ساعدتني شقيقتي الّتي جاءت من الإمارات إلى مصر لدفع ثمن إيجاره".
الأمر ذاته، تكرّر مع السيّدة ت. ش (40 عامًا)، الّتي كانت تتلقّى العلاج من مرض السرطان في أحد مستشفيات القاهرة، وانتقلت هي الأخرى إلى مجمّع سكنيّ جديد، مشيرة إلى أنّ مشكلة "اكتظاظ الشقّة، تتفاقم بسبب ضعف المناعة". وأضافت ت. ش، خلال حديثها لـ "الترا فلسطين"، "توجّهت إلى إدارة المكان، وقدّمت اعتراضي لهم، فتفهموا ظروفي لكنّهم اعتذروا لعدم توفّر أيّ حلّ، مع الإشارة إلى أنّ الأمر مرتبط في السفارة الفلسطينيّة". وتتابع السيّدة الّتي تلقّت 76 جلسة علاج تنوّعت ما بين "كيماويّ وإشعاع وكيماويّ أحمر مكثّف"، إلى أنّها اضطرّت هي الأخرى إلى مغادرة السكن، بعدما تكفّلت عائلة غزيّة في نقلها إلى مسكن خاصّ.
"خصوصيّة مفقودة"
السيّدة م. س (34 عامًا)، والّتي أجرت عمليّة في عينها لإزالة شظايا زجاج نتيجة قصف إسرائيليّ، واجهت هي الأخرى أزمة نتيجة انتقالها إلى السكن الجديد، وتقول:" المشكلة لم تكن في الانتقال إلى السكن الجديد، بقدر عدم توفّر خصوصيّة وأسباب الراحة فيه للمرضى وذويهم، كما كان متوفّرًا لنا في السكن التابع للمستشفى". وتضيف "م. س" في حديثها لـ "الترا فلسطين"، الشقّة الّتي أسكن فيها مكتظّة بالمرضى وذويهم، ولا تتوفّر فيها الراحة بسبب صراخ الأطفال المستمرّ، عدا عن الإشكاليّات الّتي تنجم بين السيّدات بسبب استخدام مرحاض ومطبخ واحد، وليس انتهاء بعدم توفّر مصعد كهربائيّ.
وتتابع "م. س" الّتي ترافقها ابنتها (9 أعوام) وسلفتها (50 عامًا)، أحرص طوال الوقت على التزام غرفتي، وفي حال خروجي منها يجب عليّ أن أرتدي ملابس الصلاة، بسبب وجود شابّ لدى إحدى العائلات الّتي تشاركنا السكن. وتشير م. س، إلى صعوبة توفّر المواصلات بالقرب من المجمّع السكنيّ، مبيّنة أنّها تضطرّ للتواصل مع شركة توصيل خاصّة عند حاجتها إلى الذهاب إلى السوق، وتضطرّ لدفع سعر مضاعف عن السعر العاديّ والمتعارف عليه.
واضطرّ مئات الجرحى والمرضى الغزيّين إلى الحصول على العلاج في عدد من المستشفيات المصريّة بعدما أخرجت قوّات الاحتلال 34 مستشفى، و80 مركزًا صحّيًّا عن الخدمة، واستهداف 162 مركّبة إسعاف، في قطاع غزّة، وفق أرقام الإعلام الحكوميّ.
سفارة فلسطين تعقّب
وفي ردّ مكتوب لسفارة فلسطين في مصر، وصل لـ"الترا فلسطين"، موقعًا من السفير في القاهرة دياب اللوح، قال: إنّ "عدد المواطنين الفلسطينيّين الّذين وصلوا من قطاع غزّة، منذ بداية حرب الإبادة وحتّى إعادة احتلال معبر رفح، وصل إلى نحو مائة ألف مواطن، بالإضافة إلى عدّة آلاف كانوا موجودين في مصر قبل الحرب ينتظرون العودة إلى قطاع غزّة، من بين هذا العدد الكبير أكثر من عشرة آلاف جريح ومريض، بالإضافة إلى مرافقيهم، حيث وصلوا إلى مصر، وأدخلوا إلى المستشفيات الحكوميّة المصريّة لتلقّي العلاج الطبّيّ".
وأشار ردّ السفير إلى أنّ الجرحى والمرضى "وزّعوا على نحو 160 مستشفى في شمال سيناء وعموم مصر. فيما دأبت السفارة على التنسيق مع خليّة الأزمة في وزارة الصحّة والسكّان المصريّة لمتابعة أحوال الجرحى والمرضى، وكذلك قامت وفود من السفارة برفقة وفود من مؤسّسات وجمعيّات خيريّة بزيارة جميع الجرحى والمرضى في كافّة المستشفيات ولأكثر من مرّة وتقديم المساعدات الماليّة لهم من قبل المؤسّسات والجمعيّات الخيريّة، وذلك تحت إشراف السفارة". وأوضحت السفارة: "من أنهوا علاجهم من الجرحى والمرضى، وخرجوا بشكل نهائيّ من المستشفيات، كانوا بحاجة ماسّة وملحّة لتوفير سكن لهم؛ بسبب ضيق الحال، وتمّ التعاطي مع هذه الحاجة الملحّة والضروريّة".
ووفق السفارة الفلسطينيّة، "قامت محافظة شمال سيناء وبالتنسيق مع سفارة فلسطين في القاهرة، بتخصيص 4 بنايات، تعرف باسم عمارات السبيل، حيث تمّ تسكين نحو 400 مواطن فيها، وكذلك تخصيص عدّة مراكز استشفاء في الشيخ زويد والعريش وبير العبد، استوعبت عدّة مئات أخرى من المواطنين، وبالتعاون بين محافظة شمال سيناء والمؤسّسات والجمعيّات الخيريّة والسفارة تمّ تأثيث هذه العمارات والمراكز وتقديم وجبات الطعام والمساعدات الماليّة والرعاية الطبّيّة، وتمّ زيارة هذه المراكز من قبل وفود من السفارة والمؤسّسات والجمعيّات الخيريّة لأكثر من مرّة. وفي ذات السياق، قامت وزارة التضامن الاجتماعيّ المصريّة بفتح كافّة مراكزها في مصر، واستوعبت نحو ألف مواطن، وتقدّم لهم الوزارة الرعاية الكاملة أيضًا".
نوّهت سفارة فلسطين في القاهرة لـ"الترا فلسطين"، إلى وجود "حوالي 1600 جريح ومريض ونحو 2500 يرافقونهم، وكلّ أسرة تسكن في غرفة مستقلّة وحدها، ويتمّ دمج فئة الشباب مع بعضهم البعض حسب السعة الاستيعابيّة للغرف"
وجاء في توضيح السفارة: "لغرض التخفيف على أبناء شعبنا من الجرحى والمرضى ومرافقيهم وبالتنسيق مع الجهات المسؤولة، سمح لأعداد كبيرة منهم بالسكن في مساكن خاصّة لهم أو لدى أقاربهم، أو في جمعيّات مصريّة خيريّة". موضّحة: "بادرت إحدى الجمعيّات الخيريّة باستئجار عدّة عمارات في مدينة العاشر من رمضان؛ لتوفير سكن لمواطنين من عدّة جنسيّات من بينها عدد من أسر الجرحى والمرضى الفلسطينيّين، وذلك بطلب من السفارة وبموافقة من الجهات المصريّة المسؤولة، ومن ذهب للسكن فيها ذهب بمحض إرادته، وبطبيعة الحال غالبيّة الشقق ذات مساحة محدودة تتراوح ما بين 70 إلى 90مترًا، وخصّصت شقّة لكلّ أسرة بشكل مستقلّ، والشراكة تكون في حالة أنّ المستفيدين من فئة الشباب فقط، علاوة على أنّ غالبيّة هذه البنايات بدون مصاعد وذات ارتفاع موحّد ما بين 4- 6 طوابق"، وفق ما ورد.
ونوّهت السفارة إلى وجود "حوالي 1600 جريح ومريض ونحو 2500 يرافقونهم، وكلّ أسرة تسكن في غرفة مستقلّة وحدها، ويتمّ دمج فئة الشباب مع بعضهم البعض حسب السعة الاستيعابيّة للغرف، وتقدّم الرعاية الطبّيّة والغذاء لهم"، كما "أخذت طلبات جوازات سفر إليهم لإصدارها من وزارة الداخليّة في رام اللّه، والسفارة تتابع مع خليّة الأزمة وإدارات المستشفيات لتمكين كلّ من يرغب من الجرحى والمرضى من مغادرة المستشفى بعمل كتاب له والحصول على تصريح وإرسال مندوب من السفارة لمرافقته إلى العنوان الّذي يحدّده بنفسه".
وختم ردّ السفارة المكتوب على "الترا فلسطين"، بالقول: "أيّ مواطن فلسطينيّ موجود في مصر، وخاصّة من الجرحى والمرضى الّذين أنهوا علاجهم، وبحاجة إلى إدخال إلى المستشفى لتلقّي العلاج تعمل تحويلة طبّيّة له من وزارة الصحّة الفلسطينيّة لتلقّي العلاج الطبّيّ في أحد مستشفيات الأمانة العامّة التابعة لوزارة الصحّة المصريّة وبتغطية ماليّة بنسبة 100% من وزارة الصحّة المصريّة".
*الأسماء محفوظة لدى هيئة التحرير.