03-أكتوبر-2015

جيرمي كوربين بعد خطابه في 29 أيلول/سبتمبر (Getty)

لم يكن فوز جيريمي كوربين بزعامة حزب العمال البريطاني مفاجئًا فحسب، وإنما رفع من وتيرة وحدّة التحفظات، والتخوفات المشوبة بالتشكيك استطرادًا، لدى حزب العمل الإسرائيلي؛ بالنظر إلى كونه نظيرًا أيديولوجيًا، يؤطر العلاقة معه ويوطدها شكلٌ من أشكال التوأمة في المرتكزات الفكرية والسياسية.

التحفظات التي سبقت انتخابات حزب العمال، نابعة بالأساس من تصريحات كوربين المنتقدة صراحة لسياسات "إسرائيل" المتطرفة

التحفظات التي سبقت انتخابات حزب العمال وواكبتها، نابعة بالأساس من تصريحات كوربين المنتقدة صراحة لسياسات "إسرائيل" المتطرفة، ومواقفه المؤيدة من جانب آخر للصراع الفلسطيني والمقاومة. فهو لا يخفي ميله إلى حركة حماس وحزب الله كشركاء ولاعبين أساسيين في إطار مفاوضات عملية السلام، ما جعل من فوزه بزعامة حزبه يُقابَلُ بابتهاج وتهليل واسعَين على عدة مستويات شعبية ورسمية في الوطن العربي، لاسيما ذات المكون اليساري، عززه مواقف كوربين المعتدلة إلى حد ما حيال قضايا محورية في المنطقة، على رأسها دعم المقاطعة ومعاداة الصهيونية والتعهد بالسعي إلى فرض حظر على بيع أي أسلحة لـ"إسرائيل" إذا ما تم انتخابه رئيساً للحكومة، وضرورة التمسك بخيار الحل السياسي للأزمة السورية، وليس انتهاءً بانتقاد مشاركة بلاده في غزو العراق، وهو ما قام به فعلًا قبل أيام قليلة في أول خطاب له منذ انتخابه زعيمًا أمام المؤتمر العام لحزب العمال البريطاني.

موجة التخوفات والتحفظات على فوز كوربين اندلعت تحت غطاء ما واظب حزب العمل على تسويقه والترويج له؛ أي باعتباره حزبًا "حمائميًا" و"معارضًا" لحكومات اليمين وسياساتها المتعلقة بالاستيطان، ومناديًا بضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات مع الجانب الفلسطيني. لكن واقع الحال لا ينفي بروز نقاط رئيسة أفرزتها التطورات الأخيرة وينبغي التنبه إليها تتعلق بالفجوة القائمة بين ترويجات حزب العمل ومواقف جيريمي كوربين المعلنة، في مقابل عدم التغاضي عن وجود تقاطعات مفصلية بإزاء بعض المسائل والقضايا الحساسة.

اقرأ/ي أيضا للكاتب: مَن للأقصى؟

يمكن فهم تبعات الأزمة بطابعها المباشر من خلال دعوات ممثلين عن حزب العمل إلى التحاور مع كوربين والاستيضاح منه حول مواقف وتصريحات محددة، وهي تبعات يسعى الحزب كذلك إلى تجييرها لصالحه عبر استثارة نواب حزب العمال وأعضائه ومُواليه لمواصلة دعم "إسرائيل" بشكل ظاهر للعيان؛ خشية أي تبعات لن تصب في مصلحة الأخيرة، لا في ضوء تزعم كوربين راهنياً لحزب العمال فقط وإنما في إطار نظرة مستقبلية لطبيعة المتغيرات المحتملة إذا ما تم انتخابه رئيسًا للحكومة. 

 أمطرت غيوم الحزب العمالي في لندن، لكن مظلات نظيره في القدس لم تفتح بعد

من جهة أخرى، فقد وجد الحزب نفسه في موقف لا يُحسدُ عليه أمام الطيف السياسي والرأي العام الإسرائيلي نظير تصريحات ومواقف زعيم حليفه الأيديولوجي، وضعت مصير العلاقة بين الحزبين العماليين على المحك؛ فالثوابت والمصالح القومية العليا أولويات ميدئية لا يجوز المساس بها من قريب أو بعيد، وإثبات الولاء "للدولة" على حساب الأيديولوجيا أوقعَ الحزب في مآزق حرجة، يُخشى أن تعصف بصورته وشعبيته في الشارع السياسي، خاصة بعد الهزة القوية التي تعرض لها في الانتخابات الماضية، آذار/مارس 2015، ما جعله في حاجة ماسة لمعاودة كسب الثقة وتحسين وضعيته السياسية، من دون التضحية بخسارة مزيد من أصوات الناخبين أو مواجهة أي اختبار جديد لشعبيته قد يتسبب في انحسارها، بشكل أو بآخر، صمت الحزب على مواقف نظيره العمّالي في بريطانيا ممثلاً بزعيمه الحالي.

إذن، فقد أمطرت غيوم الحزب العمالي في لندن، لكن مظلات نظيره في القدس لم تفتح بعد، بانتظار توضيحات وإجابات حازمة على جملة من الأسئلة يحكمها الرهان على القيم والرؤى المشتركة بينهما في عهد الزعامة الحزبية الجديد، ويقفز إلى واجهتها سؤال الحدود الفاصلة بين تصريحات جيريمي كوربين بصفته الشخصية ومواقف وشعارات الحزب الذي يتزعمه، وهو ما سوف تتمخض عنه حالة "التنافر" في قادم الأيام.

اقرأ/ي أيضا للكاتب: محاولات "تطبيع الإعلام" تتواصل