20-يناير-2023
نتنياهو وبن غفير

بلغ التشكيك في مهنية المحكمة العليا الإسرائيلية وحياديتها ومشروعيتها ذروته، بعد قرارها بإلغاء تعيين زعيم حزب شاس المتشدد دينيًا أريه درعي وزيرًا للصحة والزراعة في حكومة اليمين المتطرف التي يقودها بنيامين نتنياهو.

مبدأ الفصل بين السلطات في الأنظمة السياسية الديمقراطية غير مطبق بالكامل في "إسرائيل" منذ إنشائها، فرئيس الحكومة؛ رأس السلطة التنفيذية والوزراء في حكومته من أعضاء البرلمان، وهذا يعني التداخل بين السلطة التشريعية والتنفيذية

الهجوم المضاد، بعد قرار المحكمة، شاركت فيه معظم مكونات الائتلاف الحكومي، وتراوح بين اعتباره انقلابًا على إرادة الناخبين الذين اختار 400 ألف واحد منهم التصويت لحزب "شاس" كما قال وزير القضاء الإسرائيلي ليفين.

مئات الآلاف من اليهود الشرقيين المتدينين اختاروا الحزب الذي أدين زعيمه أكثر من مرة بالاحتيال والاختلاس والتهريب الضريبي، وهؤلاء عبروا عن اعتقادهم أن القرار جاء من محكمة علمانية غالبية قضاتها منذ نشأتها من اليهود الغربيين - الأشكناز. أغلب أطراف الائتلاف الحكومي حثّوا رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على الامتناع عن الاستجابة لقرار إقالة اريه درعي بالإعلان أن المحكمة لا تملك صلاحية  البت في هذه المسألة.

مبدأ الفصل بين السلطات في الأنظمة السياسية الديمقراطية غير مطبق بالكامل في "إسرائيل" منذ إنشائها، فرئيس الحكومة؛ رأس السلطة التنفيذية والوزراء في حكومته من أعضاء البرلمان، وهذا يعني التداخل بين السلطة التشريعية والتنفيذية. هذا الأمر ليس شاذًا جدًا مقارنة بدول أخرى، وتعايشت معه السلطات الثلاثة في "إسرائيل" منذ إنشائها، لكن الأمر المستجد حاليًا وتجلى بوضوح في قضية اريه درعي، هو أن رأس السلطة التنفيذية بنيامين نتنياهو ومعه زعماء الأغلبية البرلمانية وكبار الوزراء –اريه درعي، ايتمار بن غفير، بتسلئيل سموتريتش- لديهم ثاراتٌ شخصية وايديولوجية مع السلطة القضائية.

نتنياهو مثلاً، متهمٌ بثلاث قضايا جنائية منظورة أمام القضاء. ودرعي أدين بالتهرب الضريبي وقبل ذلك بتلقي الرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال. وسموتريتش بادر لتشريع قانون  يشرعن فيه الاستيلاء على أرض فلسطينية خاصة، وبعد أن شرع الكنيست القانون ألغته المحكمة العليًا. اعتبر كثيرون في "إسرائيل" قرار المحكمة صفعة شخصية لسموتريتش، فقد بادر لسن القانون من أجل الإفلات من الملاحقة القضائية، لأنه شيد منزله الخاص على ارض فلسطينية بملكية خاصة. أما ايتمار بن غفير فأدين واعتقل عدة مرات في تهم تتراوح بين التحريض والانتماء لتنظيمات إرهابية.

على هذا النحو يبدو الصراع في "إسرائيل" بين قادة السلطة التشريعية والتنفيذية من جهة والسلطة القضائية من جهة أخرى أعمق من الصراع السياسي والأيدولوجي، بل يتخطاه لدوافع شخصية كفيلة بالحفاظ على تماسك الفريق الأول في هجومه المصيري على القضاء، خاصة المحكمة العليا. وما يزيد الأمر تعقيدًا ويفتح الباب على احتمالاتٍ كثيرةٍ بعضها قصيرة المدى وأخرى بعيدة المدى وأعمق تأثيرًا في هذه المواجهة، ما أظهرته نتائج استطلاع مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية قبل أيام  بأن 55.6% من الإسرائيليين يؤيدون أن يكون للمحكمة العليا سلطة لإلغاء قوانين الكنيست إذا تبين أنها تتعارض مع مبادئ الديمقراطية.

يبدو الصراع في "إسرائيل" بين قادة السلطة التشريعية والتنفيذية من جهة والسلطة القضائية من جهة أخرى أعمق من الصراع السياسي والأيدولوجي

في المقابل، المعارضة الإسرائيلية التي تستند في قاعدتها الانتخابية بشكل أساسي على اليهود الغربيين في تل أبيب وبقية المدن الكبرى، وتقودها النخب السياسية العسكرية والإعلامية والأكاديمية، أقامت مسيرة كبيرة شارك فيها -وفق التقديرات- حوالي 100 ألف شخص، أعلنوا رفضهم التعديلات القضائية، مؤكدين أن نتائج الانتخابات وما أفرزه صندوق الاقتراع لا يتضمن تخويلاً بتنفيذ "انقلاب قضائي وتقليص دور القضاء وإخضاعه للسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في اختيار وتعيين القضاة".

في الأسبوع الأول من المواجهة الفعلية في معركة المحكمة العليا، رددت الأصوات الموالية لبنيامين نتنياهو الدعوات التي ترى أن المحكمة العليا بمكوناتها من القضاة وصلاحيتها ليست حكمًا في كل القضايا. بينما في الطرف الثاني، باتوا يعلنون على رؤوس الأشهاد أن الشرعية المستمدة من صندوق الانتخابات ليست مسوغًا للانقلاب على النظام السياسي.

صحيح أن الطرف الثاني يستخدم مصطلحات الحرب الأهلية وخراب الهيكل الثالث في الحشد لتظاهراته، لكن رغم ذلك من المبكر ترجيح سيناريو الحرب الأهلية. والأهم من ذلك كله أن سيناريو الانقلاب القضائي أو الحرب الاهلية أو الانقسام العميق، بحاجة لمعسكرين كبيرين أحدهما لا يرى في المحكمة العليا حكمًا في كل شيء، والآخر لم يعد يرى في نتائج الانتخابات مصدرًا للشرعية تؤهل من يملكها لإحداث تغييرات جذرية في النظام السياسي.