02-مايو-2021

Mostafa Alkharouf/ Getty

تعيش أربع عائلات فلسطينية أيامًا حاسمة في منازلها الكائنة بحيّ الشيخ جراح في القدس المحتلة، بعد أن منحتها المحكمة العليا الإسرائيلية مهلة أخيرة حتى يوم الخميس المقبل، من أجل الموافقة على حلٍّ إسرائيلي أو انتظار حكم نهائي من المحكمة في قضيتهم. بالتزامن مع ذلك تترقب ثلاث عائلات أخرى مصيرًا مشابهًا، قد يمتد ليهدد 500 شخص في الحي.

   القضية الأطول والأقدم في محاكم الاحتلال؛ جمعيات استيطانيّة تحاول تهجير أهالي حيّ الشيخ جراح في القدس من منازلهم 

الحلّ الإسرائيلي يقوم على إلزام أصحاب المنازل بالاعتراف بمزاعم المستوطنين أن الأراضي المقامة عليها منازلهم تعود ملكيتها لهم، مقابل اعتبارهم مستأجرين محميين حتى الوفاة، وهو الحل الذي يرفضه أصحاب المنازل بالكامل.

Mostafa Alkharouf/Getty

اقرأ/ي أيضًا: قضية الشيخ جراح: مهلة أخيرة للموافقة على "الحل الإسرائيلي"

قضية الشيخ جراح، تعتبر القضية الأطول والأقدم في محاكم الاحتلال، حيث تحاول جمعيات استيطانية تهجير 550 شخصًا يسكنون 28 منزلاً في الحي الواقع شمال البلدة القديمة في القدس. وهم جميعًا لاجئون هجرتهم العصابات الصهيونية من منازلهم إبان النكبة سنة 1948، فانتقلوا إلى القدس؛ حيث كان القسم الشرقي منها تحت الحكم الأردني.

يوضح زكريا عودة، منسق الائتلاف الأهلي لحقوق الفلسطينيين في القدس، أنه في العام 1956 وقعت الحكومة الأردنية ممثلة بوزارة الإنشاء والتعمير اتفاقية مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، تقضي بتوطين 28 عائلة لاجئة في القدس.

بموجب الاتفاقية، وفرت الحكومة الأردنية قطعة أرض في حي الشيخ جراح، وتبرعت وكالة الغوث بتكاليف إنشاء 28 وحدة سكنية، مقابل تخلّي هذه العائلات عن بطاقة الإغاثة.

Mostafa Alkharouf/Getty

ويبيّن عودة لـ الترا فلسطين، أنه كل عائلة وقعت اتفاقية مع وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية، وينص البند رقم 11 فيها، أنه ستقوم الحكومة الأردنية بتفويض الملكية للسكان بعد انقضاء ثلاث سنوات من إتمام البناء، على أن يدفع السكان أجرة رمزية خلال هذه المدة، إلا أن ذلك لم يحصل. ثم في عام 1967، وقع حي الشيخ جراح (وبقية شرق القدس) تحت الاحتلال الإسرائيلي، ليتجمد كل شيء دون متابعة تفويض الأرض وتسجيلها بأسماء العائلات.

اقرأ/ي أيضًا: أبارتهايد كامل الأوصاف

بعد حرب 67، وفق عودة، احتلَّت الجمعيات الاستيطانية منزل عائلة الشنطي التي كانت في زيارة إلى الكويت خلال الحرب، وحوّلته إلى مكتب لها. كما استولت على مغارة في الحي بدعوى أنها مغارة "شمعون الصديق" ومكانٌ مقدسٌ لهم.

مستوطنون في حيّ الشيخ جراح - Mostafa Alkharouf/Getty

وأضاف، أنه حتى العام 1972 عاشت العائلات بسلام وأمان، قبل أن تزعم جمعيتان استيطانيتان (الأولى الأشكنازيم والثانية السفارديم) ملكيتها منذ العام 1885 للأرض التي توجد المنازل عليها.

وأفاد عودة بأن الجمعيتين سجلتا الأرض في دائرة تسجيل الأراضي الإسرائيلية بناءً على مستندات ومعلومات وصفها بأنها "خاطئة ومضللة". إثر ذلك، رفعت عودة دعاوى ضد أربع عائلات، إلا أن محكمة إسرائيلية أصدرت حكمًا لصالح العائلات، أقرت فيه أن العائلات موجودة بشكل قانوني وحسب صلاحيات الحكومة الأردنية، ولا يوجد مخالفة للقانون.

   يخشى 550 من أفراد 28 عائلة فلسطينية أن تحلّ بهم نكبة جديدة وأن يجدوا أنفسهم على قارعة الطريق 

في عام 1982، رفعت الجمعيات الاستيطانية دعوى ضد 24 عائلة مطالبة بإخلائها، فكلَّفت 17 عائلة من بينها محاميًا إسرائيليًا يدعى توسيا كوهن لمتابعة القضية، بسبب امتناع المحامين الفلسطينيين في ذلك الوقت عن الترافع أمام محاكم الاحتلال لأسباب سياسية. يشير عودة إلى أن كوهين هو المحامي ذاته الذي دافع عن العائلات الأربعة في القضية السابقة.

اقرأ/ي أيضًا: صور منهوبة تُعرض في القدس لأوّل مرة

وبيّن عودة، أن المحامي كوهين بادر لعقد اتفاقية مع محامي الجمعيات الاستيطانية عام 1991 عرفت باسم (اتفاقية توسيا كوهن)، اعترف بموجها أن الأرض للجمعيات الاستيطانية. أصبحت هذه الاتفاقية هي الأساس القانوني الذي تعتمد عليه المحاكم في أي دعوى تتعلق بهذا الموضوع.

 النقطة الفارقة في الصّراع بين العائلات الفلسطينية والجمعيات الاستيطانية تعود لعام 1991، فيما يُعرف باتفاقية "توسيا كوهن"  

على أثر هذه الاتفاقية، شرعت الجمعيات الاستيطانية برفع دعاوى قضائية ضد السكان. عائلتا حنون والغاوي من العائلات التي صدرت ضدها أحكامٌ بدفع إيجار للمستوطنين، وتم إرسال مخمن قدّر إيجار كل منزل بـ75 ألف شيكل.

يشير عودة إلى أن العائلتين رفضتا دفع الإيجار "لأن ذلك يعني الاعتراف بملكية الجمعيات للأرض"، ليصدر في عام 2002 قرارٌ من المحكمة العليا الإسرائيلية بإخلاء العائلتين. ورغم أن العائلتين وضعتا مبلغ الإيجار في صندوق المحكمة لحين البت في ملكية الأرض، إلا أن القرار صدر بالإخلاء، وتم طرد العائلتين إلى الشارع بالقوة، ومصادرة أثاث منازلهم.

لم تنته القضية هنا، ففي عام 2003، باعت الجمعيات الاستيطانية حقوق الملكية في الأرض لشركة "نحلات شمعون"، بهدف التهرب من النقاش والبحث حول ملكية الأرض؛ من خلال وجود مالك جديد لها. وعلى ضوء هذا القرار عادت عائلتا حنون والغاوي إلى منزليهما، إلى أن تتضح الملكية.

اقرأ/ي أيضًا: 11 صورة من فلسطين بعدسة رحّالة فرنسي

نبيل الكرد (77 سنة)، صاحب أحد المنازل الأربعة التي منحتها المحكمة العليا مهلة حتى الخميس، أوضح لـ الترا فلسطين، أن قضية منزله بدأت منذ بداية التسعينات، ثم في العام 2001 أصدرت المحكمة قرارًا بإغلاق المنزل بذريعة التوسعة، وقد أغلق القاضي المنزل بيده وأخذ المفتاح، وحكم بتغريمه 97 ألف شيكل، ليبقى المنزل مغلقًا حتى اقتحمه المستوطنون -بقرار من المحكمة- في نهاية عام 2009.

يعيش الكرد الآن مع المستوطنين في ذات المنزل، حيث تواصل العائلة سكنها في مساحة 50 مترًا من البيت، هي التي بنتها وكالة الغوث، بينما التوسعة الجديدة يعيش فيها المستوطنون. يشير الكرد هنا لاعتداءات متكررة من المستوطنين، كان منها محاولةٌ للاستيلاء على المنزل، لكنه أحبطها مع جيرانه، وكذلك محاولة مستوطن قتل والدته (رفقة)، ثم رفع دعوى ضدها بأنها قامت بضربه.

 يرفض الكرد كل مزاعم المستوطنين، ويؤكد أن كل ما يحدث ذو طابع سياسي من أجل أخذ الأرض 

وبينما تقترب قضية حي الشيخ جراح من سنتها الخمسين في محاكم الاحتلال، يؤكد عودة، أنه طوال هذه السنوات لم يتمكن المستوطنون من إثبات ملكيتهم للأرض، ولم تناقش أي محكمة مسألة الملكية، أو تتحقق من الكوشان الموجود لدى المستوطنين إن كان صحيحًا أو مزيفًا، لولا هذه الاتفاقية (توسيا كوهين) التي شكلت الأساس القانوني.

يُذكر أن سلطات الاحتلال هجَّرت 12 أسرة من عائلات حنون والغاوي والكرد بين عامي 2008 و2009. وهو التهديد الذي تواجهه العائلات الأربعة في غضون أيام، وتتخوف منها ثلاث عائلات أخرى في شهر آب/أغسطس المقبل، ويُهدد عشرات الأُسر في الشهور المقبلة.


اقرأ/ي أيضًا: 

صور توثّق غزة بعد عام من النكبة

ادفع الباب وادخل لترى كم غيّروا صفد

13 صورة عن الحياة في فلسطين قبل القرن العشرين