07-يناير-2018

صورة توضيحية - (Getty)

بحزم شديد، حذرت الوالدة علياء العربيد طفلها محمد وهي تدس له الساندويتش في جيب حقيبته، من أن يخطو ناحية مقصف المدرسة، فمحمد ابن الـ10 سنوات أصيب بنزلة معوية نتيجة تناوله "ساندويتش فلافل" من مقصف المدرسة، ارتمى على إثرها  في الفراش لمدة أسبوع، ولم تجنِ عائلته شيئاً من شكواها بعد هذا الحادث.

الوالد إسماعيل العربيد، توجه فور الحادث إلى إدارة المدرسة في شمال مدينة جباليا، و روى لهم ما أصاب طفله نتيجة الغذاء غير الصحي الذي حصل عليه من مقصف المدرسة، بحسب ما أفاده به الطبيب الذي عرض حالة طفله عليه، إلا أن الوالد فوجئ بردة فعل "باردة"، حسب وصفه، من إدارة المدرسة، فلم يملك سوى منع طفله من الاقتراب نحو هذه المقاصف.

شهادات على "قذارة" وصدأ في مقاصف مدارس بقطاع غزة، وشكاوى تتحدث عن تسمم أطفال بسبب أغذية المقاصف

لم يكن محمد الطفل الوحيد الذي أصيب بتسمم جراء تناول المواد الغذائية المتنوعة التي تقدمها المقاصف المدرسية، فالشكاوي حول الأغذية السيئة التي تقدمها هذه المقاصف وعدم مطابقتها وبيئة عملها للشروط الصحية لم تنقطع من الأهالي، ومن ذلك أن والدة الطفل زياد عابد توجهت أيضاً إلى إدارة مدرسةٍ في منطقة الصفطاوي لتقديم شكوى حول نوعية الأطعمة التي تقدمها هذه المقاصف للأطفال، فكانت شاهدة على مخالفات كبيرة وفق ما روت لـ"الترا فلسطين".

اقرأ/ي أيضاً: العيادات الخاصة بغزة: مرضى يتعلقون بقشة أدوية عشوائية

تقول سهام عابد، إنها شاهدت بعينها الدخان الأبيض الذي يخرج من سيرج الفلافل، عندها وقفت دقيقة تتفقد المكان، فوجدت اللحوم المصنعة تسخن على فرن أكله الصدأ، "وهذا أشد خطراً من الفلافل المقلي بسيرج منتهي صلاحيته" كما تقول.

وتضيف سهام، "وجدت حلوى وشيبس لونها باهت. لأول مرة أرى هذه الأنواع، لم أستطع تحمل القذارة التي تملاً المكان، فمضيت بسرعة إلى الإدارة في المدرسة، وفور أن أخبرتها قابلتني بحرص كاذب، وشددوا في حديثهم معي أن مراقبة المقصف من أولويات المدرسة". وتابعت، "إلا أن نظرة واحدة على المقصف تبدي مدى صدق القول".

"الترا فلسطين"، وفي إطار بحثه عن تفاصيل في هذا الموضوع، تواصل مع الشاب العشريني (ع.ج) في إحدى المدارس الابتدائية، وقد فضل عدم الكشف عن هويته، إذ أكد لنا أن المقاصف المدرسية لا تراعي في عملها أي شرط صحي ولا يعنيها ذلك أبداً، وقال إن هذه المقاصف "مشروع خاص ربحي لسنة واحدة يحاول فيها صاحب المقصف تحصيل ما أمكنه من الأرباح".

ووفقاً لــ(ع.ج)، فإن أصحاب المقاصف وبعد أن يربحوا المناقصة التي تجريها المدارس كل عام، يكونوا قد دفعوا ثمناً مرتفعاً جداً لقاء أجرة سنة واحدة دون رغبة من أكثرهم أساساً في خوض غمار مناقصة العام المقبل، "وبالتالي يحاول القائمون على هذه المقاصف تحصيل أكبر الأرباح لتعويض ثمن الإيجار، وهذا لا يأتي إلا بتقليل التكاليف أكبر قدر ممكن".

ويؤكد أن أصحاب المقاصف لا ينظرون إلى مكان العمل عند استلامه، ولا يكلفون أنفسهم إجراء تطوير أو تنظيف للمكان، "وبالتالي يبقى المكان قذراً" وفق قوله.

وكشف الشاب (ع.ج) عن بعض التعليمات التي تلقوها من صاحب المقصف منذ الأيام الأولى، ومنها أن الربح هو الأهم، وأن "سيرج القلي" لا يتم تغييره إلا كل خمسة أيام، وأن السرعة أهم ما في العمل، مضيفاً، "بالتأكيد لا يمكن أن ننظر إلى النظافة عندما نؤمر بالإسراع  في العمل". وأشار إلى أن إعداد الساندويتشات لهيئة الإدارة المدرسية والمعلمين يتم بعناية خلافاً لما يقدم للطلبة.

مقاصف مدرسية تعقد صفقات مع تجار تشتري بموجبها مواد غذائية تبقى على انتهاء صلاحياتها يوماً أو يومين، ولا يتم بيعها قبل انتهاء صلاحياتها

وكشف الشاب (ع.ج) أن صاحب المقصف الذي يعمل معه يبحث عن تجار  ليعقد معهم صفقات مواد غذائية بنصف الثمن، فيشتري المواد التي لم يتبقّ على انتهاء صلاحياتها إلا يوماً أو يومين، ويراهن على الطلب الكبير للأطفال، إلا أن معظمها يبقى في المقصف لأربعة أيام، موضحاً أن هذه الصفقات تحقق أرباحاً كبيرة لأصحاب المقاصف.

اقرأ/ي أيضاً: أعشاب سامة في "دكاكين الطب البديل" في غزة

تواصلنا مع الطبيب زياد أبو شقرا، من الطب الوقائي التابع لوزارة الصحة، من أجل الحصول على توضيح لما يجري في هذا الملف. يقول أبو شقرا، إن الصحة وبالتعاون مع وزارة التعليم انتهت من حملة على مقاصف جميع مدارس قطاع غزة، تبين خلالها أن هناك التزاماً كبيراً من أصحاب المقاصف بالشروط الصحية، باستثناء ما قال إنها "بعض الملاحظات" لدى مقاصف تم إبلاغ وزارة التربية والتعليم بها لمتابعتها على الفور.

وأضاف أبو شقرا أن من بين هذه "الملاحظات" ما يخص مبنى المقصف، وجودة بعض المواد المقدمة، وبعضها يتعلق بمكان قلي الفلافل وزمانها، وطريقة القلي أيضاً.

وزارة الصحة تقول إن المقاصف المدرسية تلتزم بالشروط، لكنها لا تنفي وجود ملاحظات على مباني المقاصف، وجودة بعض الأغذية وتحديداً الفلافل

المعلومات عن حملة متكاملة لوزارة الصحة، رافقتها معلومات أخرى من دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، حول منع حماية المستهلك من تنفيذ حملات تفتيش على المدارس، وفق ما أفادنا به فارس شحادة، مدير مكتب محافظة غزة في الوزارة، مؤكداً أن جولات الطب الوقائي لا تبحث عن الأمور التي تركز عليها حماية المستهلك، "لذلك يتم تسهيل مهامهم وإعاقتنا نحن" وفق قوله.

اقرأ/ي أيضاً: كنت أتعاطى المخدرات في بيت مستوطن

ورفض شحادة في حديثه لـ"الترا فلسطين" الكشف عن السبب الرئيس لمنعهم من تنفيذ جولات، واكتفى بالقول: "موضوع القيام بجولات تفتيشية لمقاصف المدارس تحت الدراسة لدينا نظراً لوجود بعض العقبات بيننا وبين التعليم، وهذه سنتغلب عليها، فمصحلة المواطنين فوق كل الأمور". ولفت إلى أن حماية المستهلك لن تهمش شكاوى الأهالي حول الاستهتار الذي تبديه إدارات المدارس في التعامل مع هذه الشكاوى.

توجهنا إلى وزارة التربية والتعليم للاطلاع أكثر على آلية الرقابة على المقاصف، وهناك التقينا بفايز السرحي، رئيس قسم التغذية والمقاصف المدرسية في الوزارة. يوضح السرحي أن المقاصف تعد ضمن المنظومة التعليمية، "وهناك لجنة صحية تتابع بشكل مكثف وخطوة بخطوة عمل المقاصف وتقصيرها إن وجد، ولا تتساهل مع أي مقصف لا يتبع الشروط الصحية".

لكن السرحي اعترف في الوقت ذاته بأن هذه المتابعة لا تمنع وجود ما قال إنه "بعض التقصير"، مضيفاً أن التعامل مع هذه الحالات يتم بالتوجيه إلى الطريق الصحيح أولاً، وفي حال امتنع صاحب المقصف عن الالتزام بالإرشادات، يتم فسخ العقد فوراً ومنع صاحب المقصف من الحصول على أي ضمان لأي مقصف مرة أخرى، مشيراً إلى أن هذه الحالات نادرة، "فأغلب المقاصف تكون حريصة على الالتزام ليتم تمديد العقد معها" حسب قوله.

وعندما سألنا السرحي عن سبب منع حماية المستهلك من القيام بجولات تفتيشية، أجاب بأن هناك خلافاً بين وزارة التعليم ووزارة الاقتصاد يتعلق بالتنسيق بينهما للسماح بالحملات التفتيشية، موضحاً أن الوزارة اشترطت على وزارة الاقتصاد طلب الإذن عندما تريد البدء بحملات التفتيش للمدارس، لكن الأخيرة ترفض ذلك، وتريد أن تكون جولاتها مفاجئة، وهو ما ترفضه الوزارة.

وزارة التعليم في غزة تمنع حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد من التفتيش على المقاصف المدرسية، لأنها تريد تنفيذ حملات مفاجئة

وعندما أطلعنا السرحي على الحالات التي تلقى "الترا فلسطين" شكاوى بشأنها، رفض تحميل المقاصف المسؤولية، وقال إن الطلبة يشترون أغذية وحلوى من البسطات المتجولة عند أبواب المدارس، "وهذه لا يمكن منعها أو منع الطالب من الشراء منها، فحدود سلطتنا هي سور المدرسة".

وأشار السرحي إلى وجود لجنة صحية في كل مدرسة، تعمل على تثقيف الطلبة صحياً عبر أنشطة وفعاليات مختلفة، مؤكداً أن هذه النشاطات أثرت على السلوك الغذائي لكثير من الطلاب، وكان منها الإفطار الصحي الأسبوعي للطلبة، "ويتم من خلاله تعريفهم بأهمية الابتعاد عن الأغذية المصنعة، وأهمية الوجبة الصحية لهم" وفق قوله.

وأمام تكرر حالات التسمم بين الأطفال خلال الدوام المدرسي، والشهادات عن ما يقول الشهود إنها "قذارات" ومخالفات صريحة وأغذية منتهية الصلاحية، يبقى السؤال قائماً دون جواب عن جدية الحملات التفتيشية من وزارة الصحة وعمقها، وعن جواز منع حماية المستهلك من جولات تفتيشية مفاجئة ستكون بالتأكيد أكثر جدوى في التعامل مع المقاصف من أن تكون على علم مسبق بهذه الحملات، فيما تبقى العائلات الغزية تحذر أطفالها من المقاصف، وهو ما لا يمكن أن يضمن أحد التزام الأطفال به.


اقرأ/ي أيضاً: 

المقاولات في غزة: تدليس أم شطارة

منشطات جنسية قاتلة تباع سراً في الضفة

شركات خاصة لاستغلال الفتيات في الضفة