18-سبتمبر-2015

في القدس (أ.ف.ب)

مهما قيل عن فلسطين، لا مسجدها الأقصى فقط، فالكلام يأتي متأخرًا. ومهما أُطلقَ من تحذيرات، فهي كذلك تأتي في الغالب متأخرة. إذا كان هذا مصير "القول" والتحذيرات، فما هو مصير الفعل "الأكبر" الذي طال أمدُ انتظاره حتى كاد يُدخل الشك، لكي لا نقول "اليأس"، في نفوس الضعفاء؟

ما نشهدُه اليوم من انتهاكات صهيونية للمسجد الأقصى، هو امتداد طبيعي وأزلي لجولات الماضي، قريبه وبعيده، ومخطّطات المشروع الاستيطاني الذي لم يتوقف يومًا عند حدود العاصمة المقدسة، رغم خصوصيتها الدينية، وإنما تجاوزتها إلى ما هو أبعد. وما دأبت مؤسسة السياسة الإسرائيلية وأذرعها الإعلامية على ترديده والترويج له من أباطيل حول "الوجود التاريخي" للشعب اليهودي و"حقه المزعوم"، دينيًا وقوميًا، في المنطقة، واجهَ وسوف يواجه إخفاقات تاريخية موثقة، متجاهلة حقائق التنوعي وممارسته الفطرية على صعيد المنطقة، وليس في أكناف بيت المقدس.

بينما الوجود العربي الفلسطيني مُتأصّلٌ لا محالة في هذا المكان. لطالما تهاوت سلاسل الزعم التوراتي أمام البراهين والحقائق الدامغة التي ماتزال تفضحُ توظيفَ التاريخ المصطنع والمزيف لخدمة غايات ومصالح الصهيونية الدينية.

المخطط الصهيوني الراهن لخلق محاصصة زمنية ومكانية تمهّد لتفريغ القدس من أهلها وأبنائها بدأ يشقّ طريقه بوحشية وغطرسة إلى حيّز التطبيق، وليبق برافر "ع البال"!

نعم، كانت هناك تعايشات سكانية وعلاقات جوار وتجارة مع اليهود، لكنها لا تبيح التعدي والاستيلاء وادعاء الحق، ولا تبرر للدخلاء المطالبة بحقوق الأصلاء، وهو ما أكدته جملةٌ من وثائق اليهود وكتبهم صراحة، حتى وصل الحال تدريجيًا إلى ما هو عليه الآن من اختلال في الواقع الديمغرافي الفلسطيني لأسباب لا تخفى على جاهل. هكذا يقول التاريخ الفعلي، وتثبته الوقائع والبيّنات، لا مجرّد الأوهام ومجموعة الاتراءات والخرافات والأكاذيب التي لا يستحيل بأيّ شكل من الأشكال أن تطمس الحقيقة أو تغيّر فيها شيئاً.

"أكذوبة" إسرائيل التي أكدت عبر متحدثها الرسمي على أن التقسيم الزمني والمكاني للصلاة في المسجد الأقصى "غير صحيح"، لن تكون آخر الأكاذيب، وقد انتصرتْ عليها "حقيقة" ما يجري على أرض الواقع. فالمخطط الصهيوني الراهن لخلق محاصصة زمنية ومكانية تمهّد لتفريغ القدس من أهلها وأبنائها، بدأ يشقّ طريقه بوحشية وغطرسة إلى حيّز التطبيق، وهو الذي فجّر الأوضاع مجددًا، خاصة في ضوء استغلال إسرائيل للظروف المهيمنة على المنطقة والعالم للتمادي في خروقاتها، فأنظار العرب متجهة الآن نحو مأساة اللجوء السوري وتداعيات القتال على الأراضي السورية، فضلاً عن الحرب في اليمن وتطورات الأوضاع في العراق وليبيا.

من جانب آخر، فإن ما ترتكبه "دولة" الاحتلال يعزز جملة الأدلة الدامغة على تجاوزاتها التي ينبغي للقيادة الفلسطينية أن تسوقها إلى اجتماع الجمعية العام للأمم االمتحدة نهاية شهر أيلول/سبتمبر الحالي، عند الإعلان عن وقف العمل باتفاقيات أوسلو الموقعة، على الرغم من الخيبة الجديدة التي أضافها مجلس الأمن الدولي إلى سلسلة خيباته السابقة، وذلك بعد عجزه مرة أخرى عن إدانة الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة، والسبب دائمًا وأبدًا هو اعتراض وعنجهية أمريكا، بلد الديمقراطية والعدالة والمساواة! فماذا بعد ذلك، ومن للأقصى سوى ربه وأهله المرابطين؟