14-سبتمبر-2016

أطفال في أزقة نابلس

كلما تذكرتُ نابلس تذكرت عبد الرحمن منيف، بوصفه أهم من سجل سيرة للمكان في العالم العربي، كما في كتابه "سيرة مدينة" الذي أرخ لعمان في الأربعينيات، أو في رواياته الأخرى مثل "مدن الملح" التي أرّخت للمدينة العربية وتطورها في الخليج. لكن المؤكد أن نابلس، ليست مدينة من "مدن الملح"، إلا أن المكان في حالاته المتعددة وإحالاته، وفق منيف، ليس جغرافيا فقط، بل هو البشر المقيمون فيه أيضًا.

المكان في حالاته المتعددة وإحالاته، ليس جغرافيا فقط، بل هو البشر المقيمون فيه

عُقد نابلس تشبه عقد المدينة في العالم العربي، سلطة الموروث الديني والعائلي والاجتماعي في المدينة هي نفس السلطة الموجودة في دمشق، هي أخت السلطة الموجودة في عمان، مع اتساع الهامش هناك أو ضيقه هنا، مع عدم وجود أية أدوار واضحة للفرد. يمكن ملاحظة القبيسيات يتجولن في أزقة نابلس ويتسوقن، كما في الشام تمامًا.

اقرأ/ي أيضًا: دماء "الهنود الحمر" من أجل غسل ذنوب إسرائيل

جذر مشكلة المدينة اجتماعي، ثم يأتي الديني بوصفه وسيلة لا غاية، اللاعب الخفي والحقيقي هو الاقتصاد. عائلات برجوازية تاريخيًا أو تدور في فضاء البرجوازية التاريخية لهذه المدن، بتشكيلاتها المكتملة وشبه المكتملة، وعائلات أخرى تشكل انتماها البرجوازي بفعل قربها من السلطة أو علاقتها معها أو بفعل عوامل السوق ودورة رأس المال؛ هي من ترسم الملامح العامة. على سبيل المثال لا الحصر، تاجر بسيط يملك عشرة آلاف دولار، بإمكانه ببساطة أن يستورد حاوية بضائع من الصين مرة أو ثلاث مرات، ثم يصبح من الأغنياء. يمكن أيضًا إضافة البرجوازية القادمة من العشائر إلى هذا، ثمة برجوازية عشائرية انتمى أفرادها إلى التنظيم أو الحزب، ثم أصبحوا، بحكم حسابات انتخابية وتنظيمية، جزءًا من النظام الأمني والسياسي في المدينة.
 
المشكلة تأتي من أن البرجوازيات القديمة أو التاريخية لا تريد أن تسلم بانسحابها، حتى أن معظم العائلات التي كانت تسهم في خلق الثقل السياسي والثقافي وحتى الاقتصادي للمدينة، وتسهم في خلق جوها العام اختفت من المدينة وهاجرت باتجاه عمان أو الخليج أو أوروبا. هذه الهجرة لم تكن بفعل الاحتلال وحسب، بل بفعل العائلات نفسها من باب الاستعلاء على البسطاء أو من باب اليأس. لم يعد أحد يطيق الوقوف في وجه التطرف والتدين المتشدد الذي بدأ يزحف للمدينة منذ عقد الثمانينيات، أو في وجه حياة اجتماعية بدائية وفقيرة.

في نابلس، رئاسة البلدية أو العضوية في المجلس النيابي تعويض عن الزعامة العائلية المفقودة

اقرأ/ي أيضًا: أوروبا واليمين.. عصر الظّلام المُقبل

في ذات الوقت، العائلات التي كانت تدور في فلكها وتعمل لديها ومع تطور أسواق العمل وبيئات الربح والإنتاج وبفعل فساد السلطة والحياة السياسية، وبوعي أو دون وعي، لم تعد تعجبها المعادلة القديمة القائمة على التبعية أو التفرد في القرار أو الخدمة دورها القديم في فضاء العائلات التاريخية التي كانت تحكم. السلاح في هذه الحالة يكون بديلًا عن الحوار وأسلوبًا لتأكيد الزعامة، هكذا سوف تصبح رئاسة البلدية أو العضوية في المجلس النيابي تعويضًا عن الزعامة المفقودة، أو نوعًا من التعويض عن فردويس مفقود.

مع تسجيل ملاحظة ضرورية أن البرجوازيات الجديدة والصاعدة، لا تنقصها الخبرة السياسية، إنما ينقصها التعليم والثقافة، ثقافتها السلاح أو التشبيح أو الفهلوة، لا فرق.

اقرأ/ي أيضًا:

مُحامي المُغتَصِب.. نائبًا باسم المُغتصبة

جلسة تاريخية لخيبتهم الثقيلة