21-يونيو-2018

عيون ماء وينابيع كثيرة، يعود لها فضل نشأة وتجذّر مدينة "شكيمو" الكنعانية التي تُعرف اليوم بنابلس. وتقول الروايات التاريخيّة إنّ المدينة الكنعانية اعتمدت على "عين دفنة" الواقعة شرقيّ المدينة، وعلى عيون عسكر، بلاطة، وبئر يعقوب.

وبالطبع، كان الماء المتدفق من 4 عيون في منطقة القريون، هو الأساس الذي انطلقت منه نابلس الحاليّة، إضافة لـ عين العسل، وعين رأس العين، وعين دفنة. وكانت مياه هذه الينابيع تجري تحت الأرض وتخرج من 22 موقعًا مُشكّلةً منابع شبه مستقلة، ولكل نبع اسمٌ خاصٌ به.

الرومان أولوا اهتمامًا لافتًا بمصادر المياه عند إنشائهم نابلس

الرومان مثلًا، أولوا اهتمامًا لافتًا بمصادر المياه عند إنشائهم نابلس، فقد ظهرت المدينة ونبع "القريون" على خارطة فسيفسائية اكتُشفت في أرض كنيسة السنت جورج في مادبا عام 1884.

وفي هذا الشأن يقول المهندس نصير عرفات، إنّ أول من سكنوا نابلس، سكنوها بسبب عين القريون، وأوّل مبنىً بُني في المدينة الرومانية هو مبنى سبيل الماء "النيمفيوم" الموجود عند جامع التينة ولا يزال قائمًا حتى الآن، ومنه يُضخ الماء من عين القريون إلى البيوت.

[[{"fid":"72414","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"أول مبنى بُني في المدينة الرومانية هو مبنى سبيل الماء النيمفيوم","field_file_image_title_text[und][0][value]":"أول مبنى بُني في المدينة الرومانية هو مبنى سبيل الماء النيمفيوم"},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"أول مبنى بُني في المدينة الرومانية هو مبنى سبيل الماء النيمفيوم","field_file_image_title_text[und][0][value]":"أول مبنى بُني في المدينة الرومانية هو مبنى سبيل الماء النيمفيوم"}},"link_text":null,"attributes":{"alt":"أول مبنى بُني في المدينة الرومانية هو مبنى سبيل الماء النيمفيوم","title":"أول مبنى بُني في المدينة الرومانية هو مبنى سبيل الماء النيمفيوم","height":360,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

أول مبنى بُني في المدينة الرومانية هو مبنى سبيل الماء النيمفيوم

كما أنّ أهميّة المياه بالنسبة لنابلس، أثارت انتباه الرحّالة الذين مرّوا بالمدينة، كالمقدسيّ الذي ذكر في كتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" بأنّ لنابلس نهرًا دائم الجريان، ووصف ماء ينابيعها بالخشونة لكونه يخرج من "حجر جيري". فيما قال ابن حوقل إنّه "ليس في فلسطين بلدة فيها ماء جار سواها".

والملاحظ أنّ ينابيع مدينة نابلس تخرج من قدم جبل جرزيم، الذي يصفه أهل المدينة بـ "جبل المي/ الماء" باستثناء "نبع عسكر" الذي يخرج من أسفل جبل عيبال، الأمر الذي جعل تركّز الماء في المنطقة الجنوبية للمدينة. وهذا جعل حارات المدينة تتمايز فيما بينها وفقًا لتوفّر مصادر المياه.

[[{"fid":"72422","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"10":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":507,"width":380,"class":"media-element file-default","data-delta":"10"}}]]

سبيل الخضر

اقرأ/ي أيضًا: "باب الساحة" شاهد على حكايات نابلس

الاستغلال الأمثل لوفرة المياه في المدينة وفقًا لعرفات، ظهر في تصاميم الأبنية وهندستها المعمارية، فالنساء مثلًا تحوّلن إلى الحمّامات بعد إنشائها. ثم نشأت فكرة "السقّائين" مع اشتراط أن يكون ساقي الماء "محترمًا" ومن "عائلة محترمة"، وصار لمعظم البيوت فتحة لخزّان الماء تُطل على خارج البيت، فيدق الباب مُعلِمًا أهل المنزل أنّه "السقا" ويتم تعبئة الماء أو القربة دون دخول البيت.

[[{"fid":"72423","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"11":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":566,"width":380,"class":"media-element file-default","data-delta":"11"}}]]

السقا في نابلس

   وصل عدد السقَّائين في نابلس عام 1931، وهو العام الذي بوشر فيه بمشروع إيصال المياه للبيوت 41 سقّاءً   

وفي العهد العثمانيّ؛ تطوّر نظام تزويد نابلس بالمياه، وكان من أهمّ ملامحه تأسيسس "نظام السُبل" لخدمة الناس في حدود المدينة واستخدام السقّائين. ويُرجع المحاضر في كليّة الشريعة بجامعة النجاح مروان القدومي، سبب إقامة "السُبل" التي تخدم الصالح العام، إلى أنّ الحُكّام والأشراف وكبار التجار، بنوا قنوات أوصلت الماء إلى بيوتهم، إلّا أن عجز الكثير من أبناء المدينة عن هذا، دفع باتجاه التبرّع وإقامة الأسبلة.

[[{"fid":"72415","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":360,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]

سبيل النوباني

ومعظم الأسبلة، كما يقول القدومي كانت موقوفة، ويظهر هذا من خلال اللوحات الحجرية الموضوعة قربها وتوضح اسم بانيها وتاريخ وقفه لها. ومن الأسبلة المثبت مكانها وأسماؤها؛ سبيل الخضر مقابل جامع الخضر، سبيل التوباني/ حارة الغرب، سبيل الساطون، سبيل البيك (عين حسين) قرب جامع البيك، سبيل الست، تحت جامع النصر.

   في نابلس 4 عيون ماء، وما لا يقل عن 26 "سبيل مياه" بدأ بناؤها في العهد العثماني   

وتركزت مواقع الأسبلة في الطرقات العامة، وفق المهندس نصير عرفات، خدمة لعابري السبيل وفي الأحياء السكنية لتوفير المياه لساكنيها، إذ كانت تنقل المياه للبيوت من الأسبلة والعيون على أكتاف السقّائين، وكانت تستعمل للشرب فقط، ويُستثنى من ذلك بيوت الأثرياء الذين تمكنوا من بناء نوافير المياه وسط منازلهم.

اقرأ/ي أيضًا: مكتبات مثقفي نابلس.. سيرة ضياع وتفريط

ويذكر عرفات بأن هناك 23 سبيلًا ثُبتت أسماؤها وأماكنها، فيما يوجد ثلاثة أسبلة ظاهرة للعيان ولا تُعرف أسماؤها، إضافة إلى 8 أسبلة وردت أسماؤها وعناوينها في الوثائق التاريخية ولكنّها غير ظاهرة للعيان.

ومما يُروى عن أهميّة "السُبل" واعتزاز الناس بها، ما ذكره المؤرخ إحسان النمر، أنّ الظاهر العمر أقسم أن يسقي حصانه من سبيل "عين الست" المجاورة لسرايا نابلس القديمة، بعد أن يُخضع المدينة لسيطرته، وذلك دلالة على الإهانة.

[[{"fid":"72421","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"9":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":580,"width":326,"class":"media-element file-default","data-delta":"9"}}]]

سبيل الست

وسبيل "عين الست" على اسم "الست ثروت" ابنة الميرالاي عبد العظيم الجيطان، من أمراء بلاد الصرب ويوغسلافيا، وقد تمرّد على الدولة العثمانية فتم نفيه إلى حيفا. وكان مجيئهم إلى نابلس في عهد فروخ باشا أو ولده محمد باشا، فتزوج الست ثروت جيطان، ولما توفيت دفنها في الغرفة التي فيها قبورهم وقبور آل طوقان، وقد صارت وقفًا وسُميّت باسمها.

[[{"fid":"72420","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"8":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":360,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"8"}}]]

قبر الست ثروت الجيطان

وبالعودة إلى الظاهر العمر، يشير المؤرخون إلى أنه وعندما حطَّ بجيشه على اللجون وباقة الغربية، وصل إليه الشيخ يوسف الجرار رسول جبل نابلس، يدعوه لضيافة آل النمر والاتفاق معهم لإنهاء الأمر سلميًا، فسيَّر ولده سعيد مع الجيش برفقة يوسف الجرار وعدد من فرسانه وتوجه لنابلس، وبعد أن سقى حصانه من "عين الست" حلّ ضيفًا على آل النمر.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا عن الكنائس وعيد الميلاد في نابلس؟

[[{"fid":"72418","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"6":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":360,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"6"}}]]

سبيل السقاية

[[{"fid":"72419","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"7":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":360,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"7"}}]]

سبيل السقاية

واعتدّ "النابلسيون" كثيرًا بسُبل مدينتهم، واهتموا بها وحفظوا أسماءها ومواقعها، وأطلق بعضهم الأمثال الشعبية، فقالوا: "يزولقها عين مي حسين ما أسقع ميتها"، وهي مثل يقال لوصف بعض الأشخاص، كناية عن "ثقل دمه" و"برودته" أو "سماجته" كما يقال في هذه الأيام.

[[{"fid":"72413","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":360,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

سبيل مهمل ومغلق من قبل البلدية

وفي هذه الأيام، لم يعد حال السُبل يسرّ أصدقاء المدينة ولا أعداءها؛ فبعد أن كانت مصدرًا لمياه الشرب النظيفة الباردة التي تخفف وطأة الحرّ، صارت غالبيّتها مهملة، أو موقوفة عن العمل، وصار بعضها مكبًا للنفايات؛ أو مغسلة للسيارات وخضروات الباعة، ما راكم الأتربة والأوساخ فيها.

غير أنّ سامح عبدو، المهندس في وحدة البلدة القديمة ببلدية نابلس، يقول إنّ هناك خطة للتغلّب على الواقع السيّء للسُبل، بترميمها وتأهيلها، اعتمادًا على تصاميم مشابهة للتصميمات القديمة، مع تطويرها بما يتناسب والواقع المعاش.


اقرأ/ي أيضًا:

في بيت لحم.. أسماء القرى تروي تاريخًا

الختامة.. فرحة اندثرت في نابلس

نابلس.. عقدة مدينة