نازحو غزة يستقبلون الشتاء بخيام مهترئة: بردٌ يهدد حياة الأطفال
4 أكتوبر 2025
يعيش ما يقارب المليوني نازح في خيام مهترئة داخل 543 مخيمًا ومركز إيواء تمتد من المحافظة الوسطى إلى مواصي رفح وخانيونس في جنوب قطاع غزة، تفتقر غالبيتها إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة. ومع اقتراب فصل الشتاء، يجد هؤلاء أنفسهم أمام ظروف معيشية في غاية القساوة.
إعادة ترميم خيمة يحتاج إلى نحو ألفي شيكل على الأقل، تشمل ثمن الشوادر والأخشاب واللوازم الأساسية. أما الخيام الجديدة فهي إما غير متوفرة في الأسواق، أو تتراوح أسعارها بين 2500 و3000 شيكل.
ويطالب عشرات آلاف النازحين بخيام جديدة بدل خيامهم المدمرة، بينما يطالب آخرون بشوادر قماشية أو بلاستيكية لتدعيم خيامهم المهترئة التي تمزقت بفعل حرارة الصيف والرياح وتكرار القصف الإسرائيلي الذي طال المناطق التي يصفها الاحتلال بأنها "إنسانية" أو "آمنة". أما النازحون إلى شاطئ بحر غزة فيعيشون الظروف الأصعب، إذ باتت خيامهم عرضة لتقلبات المد والجزر التي تجتاح السواحل، في وقت تقترب فيه المنخفضات الجوية المحملة بالأمطار.
"كوابيس نخشى تكرارها"
تعيش وفاء أبو عرار (43 عامًا) داخل خيمة مهترئة بالكاد تستند إلى أعمدتها الضعيفة في أطراف مخيم على أطراف غرب خانيونس، وذكريات العام الماضي لا تفارقها، حينما تسللت المياه إلى خيمتها، فأغرقت الأرض بالطين وبللت الأغطية، لتقضي ليالي طويلة وهي تحاول عبثًا حماية أطفالها من البرد والمطر. واليوم، مع اقتراب شتاء جديد بلا بدائل آمنة ولا إمكانات لتقوية الخيمة، تخشى وفاء من أن تعيش العائلة الكابوس ذاته من جديد.

فقدت وفاء زوجها قبل أربعة أشهر، أثناء محاولته الحصول على المساعدات الغذائية وسط خانيونس، وبرحيله فقدت الأسرة معيلها الوحيد، لتجد الأم نفسها مسؤولة عن 10 أبناء بلا مأوى آمن ولا مصدر رزق ثابت. تقول: "كان زوجي يعمل بأجر يومي بسيط، وبعد استشهاده أصبحنا بلا معيل، نعتمد في طعامنا على ما تقدمه إحدى التكايا القريبة من المخيم".
لم تتمكّن وفاء من تأمين خيمة أو شوادر تقي أسرتها برد الليل مع قرب قدوم فصل الشتاء، بعدما ارتفعت أسعارها بشكل يفوق قدرتها المحدودة. وبينما تستعد العائلات لمواجهة البرد القادم، لا تملك أسرة وفاء سوى خيمة بالية تحاول ترقيعها بقطع قماش قديمة، لكنها تظل خيمة لا تصلح للعيش، ضيقة المساحة إلى درجة أنّ بعض الأبناء يضطرون إلى قضاء الليل عند أقاربهم لأنهم لا يجدون فيها مكانًا للنوم.
وتروي وفاء أنّها في المنخفض الذي مر بقطاع غزة خلال شهر أيلول/ سبتمبر، وأثناء هطول زخات مطر لم تدم طويلًا، اضطرت للفرار مع أبنائها إلى خيمة مجاورة مكتظة بأهلها، علّهم يجدون فيها مأوى مؤقتًا حتى توقف المطر.
تضيف وفاء: "هذه الخيمة لم تعد تصلح لشيء. فهي بلا غطاء، ما يجعلها معرضة للغرق حال سقوط الأمطار، وكل ليلة ننتظر أن تسقط فوق رؤوسنا. ولا نملك حتى قطعة شادر نغطي بها السقف. أحيانًا أظل مستيقظة طوال الليل فقط لأتأكد أن أطفالي ما زالوا بخير تحت هذا السقف الممزق".
وبينما تضم وفاء أصغر أبنائها الذي لم يُكمل عامه الأول، أعربت لنا عن خشيتها من أن يتسبب برد الشتاء وأمطاره في مرض أطفالها، "فنحن لا نملك دواءً ولا وسيلة تدفئة، ولا نعرف كيف سنقضي هذا الشتاء القاسي، خاصة أننا نفتقر إلى الأغطية الثقيلة، ولا نجد ملابس شتوية في الأسواق إلا بأسعار لا نستطيع تحمّلها".
طرقت وفاء أبواب مؤسسات عديدة بحثًا عن خيمة أو حتى مواد بسيطة تساعدها في إقامة مأوى صغير يؤوي أسرتها، غير أنّ كل ما حصلت عليه لم يتجاوز وعودًا مؤجلة بانتظار سماح الاحتلال بدخول المساعدات، وعلى رأسها الخيام والشوادر.
"عاجزون حتى عن تجديد خيامنا"
أما نجود شقفة (28 عامًا)، فاضطرت مع زوجها إبراهيم وأبنائها الثلاثة إلى مغادرة منزلهم في رفح خلال شهر أيار/ مايو 2024، ليستقروا في خيمة بالية لا تتجاوز مساحتها 20 مترًا مربعًا في خانيونس، تغطيها أقمشة مهترئة وقطع نايلون بالكاد تحميهم من لهيب الصيف.

يقضي إبراهيم ساعات طويلة في الأسواق باحثًا عن قطع قماش مستعملة تقي أطفاله برد الليل، لكنه يعود خالي الوفاض. "كيف أشتري الشادر وأنا لا أستطيع حتى أن أوفر قوت يومي لأطفالي؟"، يتساءل إبراهيم.
وقفزت أسعار الشوادر في قطاع غزة من 30 شيكلًا قبل أشهر إلى 600 شيكل اليوم، ولذلك تقول نجود إن "من يريد تجديد خيمته يحتاج إلى قرض"، مبينة أن تجديد الخيام لا يقتصر على الشوادر فقط، بل يتطلب خشبًا ولوازم أخرى تفوق قدراتهم، وهذه فوق طاقة أسرتها التي يقتصر دخلها على ما يجنيه إبراهيم من عمله على ماكنة يدوية لطحن الفلافل.
وتقول نجود: "أكثر ما يؤلمني خوفي على أطفالي. لقد مرضوا كثيرًا الشتاء الماضي بسبب البرد والرطوبة، وأخشى أن يتكرر الأمر مجددًا، خاصة مع افتقارهم إلى الملابس الشتوية، بينما يبلغ سعر القطعة الواحدة نحو 200 شيكل".
وتعاني نجود من مرض "القرنية المخروطية"، الذي يجعلها عاجزة عن تحمل الجلوس أمام النار أو مواجهة درجات الحرارة المرتفعة، وهذا يحرمها من أبسط وسائل التدفئة التي يلجأ إليها النازحون في فصل الشتاء. تقول: "حتى النار التي يلجأ إليها الناس لا أستطيع الجلوس بقربها لطهي الطعام أو حتى التدفئة في فصل الشتاء".
برد يهدد حياة الأطفال
وبين الخيام في خانيونس، يعيش المحاضر الجامعي أحمد شعث في قلقٍ دائم من أن تؤدي أول عاصفة مطرية إلى انهيار الخيمة على رؤوس أطفاله الثلاثة الذين لم يتجاوز أصغرهم الثلاثة أعوام.
يستذكر شعث غرق خيمته بالكامل في شتاء العام الماضي بسبب الأمطار الغزيرة، ويقول: "المنطقة التي أقطنها منخفضة، ومع كل عاصفة كان منسوب المياه يرتفع حتى نصف متر داخل الخيمة. كنا نبيت وأقدامنا مبللة والماء يحيط بنا من كل جانب، وأطفالي يرتجفون من البرد".
يضيف: "أنا أعيش في خوف دائم، كلما سمعت توقعات الطقس بهطول أمطار لا أنام الليل، أفكر فقط كيف سأحمي أطفالي الثلاثة من تكرار الكارثة".
ويلجأ النازحون إلى الحفر الامتصاصية أمام خيامهم لتصريف مياه الأمطار، لكن هذه الحفر باتت كابوسًا يطارد النازحين، "فعندما تمتلئ الحفر بالماء تصبح خطرًا حقيقيًا على حياة الأطفال، وأخشى أن ينزلق أحد أطفالي فيها، خصوصًا أن المنطقة مظلمة ليلاً والطرقات غير آمنة"، تابع شعث.
وبذل شعث كل ما بوسعه لإصلاح خيمته، مستعينًا ببقايا نايلون وبشادر اشتراه، لكن هذه المحاولات سرعان ما تتفكك مع أول هبّة ريح أو قطرات مطر. واليوم، إذا ما أراد إعادة ترميم خيمته بشكل كامل، يحتاج إلى نحو ألفي شيكل على الأقل، تشمل ثمن الشوادر والأخشاب واللوازم الأساسية، حيث بلغ سعر الشادر الواحد نحو 650 شيكلًا في الأسواق، وهو مبلغ يفوق قدرة معظم الأسر النازحة. أما الخيام الجديدة فهي إما غير متوفرة في الأسواق، أو تتراوح أسعارها بين 2500 و3000 شيكل.
وبحسب بيانات سابقة للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن 81% من خيام النازحين أصبحت غير صالحة للاستخدام، كما أن نحو 100 ألف خيمة من أصل 135 ألف خيمة بحاجة إلى استبدال فوري نتيجة الاهتراء، إذ إنها مصنوعة من الخشب والنايلون والقماش، واهترأت بسبب حرارة الشمس خلال فصل الصيف.
وفي تقرير لصحيفة لوموند الفرنسية، أكد برنامج الأغذية العالمي أن الخيام التي دخلت إلى غزة تعرضت للنهب، وتباع في السوق السوداء بأسعار تصل إلى 1200 يورو، ما يزيد معاناة الأسر النازحة.
الكلمات المفتاحية

مدارس غزة.. عودة مرتجفة للتعليم بين الركام والنازحين ومقاعد بلا أصحاب
لم يكن المشهد الذي رافق استئناف العملية التعليمية في غزة يشبه أي عودة مدرسية شهدها القطاع من قبل

10 أيام من الاقتحام: الاحتلال يحوّل منازل في يعبد إلى ثكنات عسكرية ويُشرد العائلات
"منذ اليوم الأول للاقتحام، احتلّ الجنود ستة منازل بالكامل، والآن يسكنون فيها، بعد أن أجبروا سكانها على المغادرة وإبقاء الأبواب مفتوحة".

رصاص وكمائن حول الجدار: تصاعد خطير في إصابات العمّال الفلسطينيين
64 عاملاً استشهدوا منذ بداية الحرب على غزة، منهم نحو 40 عاملاً منذ مطلع العام 2025. وهناك أكثر من 3 آلاف إصابة موثقة خلال العامين الماضيين

مدارس غزة.. عودة مرتجفة للتعليم بين الركام والنازحين ومقاعد بلا أصحاب
لم يكن المشهد الذي رافق استئناف العملية التعليمية في غزة يشبه أي عودة مدرسية شهدها القطاع من قبل

قيادي في حماس لـ "الترا فلسطين": تواصلنا مع روسيا والصين والجزائر لإحباط المشروع الأميركي في مجلس الأمن
قال القيادي في حماس وليد كيلاني، لـ"الترا فلسطين"، إن الحركة أجرت اتصالات عديدة في الأيام الماضية، خاصة مع روسيا والصين والجزائر، للضغط بهدف إحباط المشروع الأميركي في مجلس الأمن

الإعلام الحكومي: 288 ألف أسرة بغزة لا تملك أبسط مقومات الحياة
قطاع غزة يحتاج 300,000 خيمة وبيت متنقل لتأمين الحد الأساسي للسكن الإنساني.

عن رواتب الأسرى.. بيان للرئاسة الفلسطينية يكرر التأكيد على دور "مؤسسة تمكين"
في 10 شباط/فبراير، قرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس نقل صلاحية صرف رواتب أسر الشهداء والأسرى إلى مؤسسة "تمكين"، تحت عنوان "إصلاح النظام المالي" واستعادة المساعدات الدولية المعلّقة

