11-مايو-2017

ABBAS MOMAN / Getty Images

انتهت انتخابات مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت للعام الدراسي (2016/2017) والتي أُعلنت نتائجها يوم الأربعاء (10 أيار/مايو 2017). وتأتي الانتخابات في هذا العام على غير العادة، حيث أنّها لم تسجّل مفاجآت ولم تخلق حالة جدل بالمقارنة مع الأعوام الأخيرة، ويعود ذلك لأسباب تتعلق بركود الوضع السياسي الفلسطيني الراهن والذي دخل مرحلة الاضمحلال التدريجي في الضفة الغربية، وانشغال البعض في إضراب الأسرى، وانشغال البعض الآخر في انتخابات الهيئات المحلية في الضفة الغربية والتي باتت تُقرأ على أنها بطاقة عبور لحالة التفكك المجتمعي.

تاريخيًا، برز دور الحركة الطلابية، من خلال تطوير أساليب الرفض والمقاومة سواء داخل أو خارج فلسطين 

وقد فازت كتلة الوفاء الإسلامية الامتداد الطلابي لحركة حماس بانتخابات مجلس الطلبة لهذا العام بحصولها على (25) مقعدًا، تلاها كتلة الشهيد ياسر عرفات الامتداد الطلابي لحركة فتح والتي حصلت على (22) مقعدًا، وحصد القطب الطلابي الديمقراطي التقدمي الإمتداد الطلابي للجبهة الشعبية على (4) مقاعد، بينما عجز اتحاد الطلبة التقدمية الامتداد الطلابي لحزب الشعب الفلسطيني، وقائمة الوحدة الطلابية الامتداد الطلابي للجبهة الديمقراطية من الحصول على أصواتٍ كافية للوصول لنسبة الحسم.

إطلالة تاريخيّة

يأتي تمايز الحركة الطلابية الفلسطينية كونها لم تنشأ في ظل نظام سياسي فلسطيني أو نظام تعليمي مستقرّ أو حاجة نقابية للطلبة، إنما أتت كحالة وطنيّة لجيل من الشباب المقاوم والرافض، فقد مرّت هذه الحركة بالعديد من المحطات، ففي العام (1930) عقدت جمعيات الخطابة الطلابية أول مؤتمر طلابي رفعت به شعار "محاربة الإنجليز فهم رأس الأفعى" ودعت لمقاطعتهم، وفي العام (1959) شكّل الطلبة الفلسطينيون روابط في الجامعات المصرية نشأ على إثرها الاتحاد العام لطلبة فلسطين، قبل أن تقوم منظمة التحرير الفلسطينية باحتوائه لاحقًا، وارتفعت أهمية الحركة الطلابية بعد حرب حزيران في العام (1967) إثر انغماسها بالعمل النقابي والتطوعي والثقافي إلى جانب النضال ضد المُستعمر، ومن هنا برز دور الحركة في تطوير أساليب الرفض والمقاومة سواء داخل أو خارج فلسطين، وقد شهدت الفترة بداية التسعينيات صعود الحركة الإسلامية في الجامعات الفلسطينية بعد ظهور يحيى عياش، والذي كان له دور بارز مع آخرين في نشأة الكتلة الإسلامية آواخر السبعينيات وتطوير خطاب نضالي مقاوم.

في مرحلة أوسلو وما بعدها، كان "الحفاظ على الذات" هو أبرز ملامح المرحلة، وبدأت الأحزاب السياسية بتطويع أذرعها الطلابية لدعم مصالحها

وانتقالًا لمرحلة أوسلو في العام (1993) وما حملته هذه الفترة من إرهاصات انعكست على المجتمع الفلسطيني، لم تكن الحركة الطلابيّة في الداخل والخارج بمنأى عنها، ففي خارج فلسطين جمّدت السلطة الفلسطينية الدور المنوط باتحاد طلبة فلسطين، بينما امتازت الحالة في الداخل بركود وتراجع في مجال العمل الوطني والنقابي والنضالي، وقد توجهت الحركة الطلابية لما أُطلق عليه "مرحلة الحفاظ على الذات"، ومنذ هذه اللحظة بدأت الأحزاب السياسية بتطويع هذه الأذرع الطلابية في الجامعات الفلسطينية وباتت تستخدمها لدعم مصالحها السياسية، وسرعان ما تجذرت سيطرة الأحزاب السياسية على الحركة الطلابية، فقد مثّل الانقسام السياسي والجغرافي في العام (2007) تكريسًا لحالة السيطرة الحزبية على الكتل الطلابية في الجامعات التي لم تقف أمام هذا الانقسام.

هل من جديد في انتخابات هذا العام؟

فلنبدأ الحديث عن انتخابات جامعة بيرزيت بالعودة إلى العام (2015) والتي اعتبرت في حينه أهم انتخاباتٍ أُجريت في الآونة الأخيرة، وذلك نظرًا لتفوق كتلة الوفاء الإسلامية على نظرائها في كافة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والذي اعتبره عديدون بأنه انتصارٌ شعبيٌ للمقاومة إثر العدوان على قطاع غزة في العام (2014)، وعقابٌ لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية على سياساتها في الضفة الغربية، وأتت انتخابات مجلس الطلبة في العام (2016) بظروف سياسيةٍ أعقد، وذلك في أوج الهبة الشعبية الأخيرة والتي لعب طلبة الجامعات دورًا مركزيًا فيها، قبل أن تتدخل القوى الأمنية بشكل مضاد وتقمع الطلبة من الاستمرار في الاحتجاجات ضد جيش الاحتلال.

وفي خضّم ما ذُكر، فقد أتت انتخابات مجلس الطلبة في هذا العام (2017) صعبةً كغيرها من السنوات السابقة على حركتي الشبيبة الطلابية والكتلة الإسلامية، فبالرغم من الدعم المالي والسياسي الذي تحصل عليه الشبيبة الطلابية في الجامعات من السلطة الفلسطينية إلا أن شبيبة جامعة بيرزيت رسبت في امتحانها أمام شبيبة الجامعات الأخرى في الضفة الغربية، فلم تستطع تحقيق انتصار آخر، ويأتي ذلك تكريسًا لارتفاع وتيرة الاحتقان الداخلي الذي تعيشه الحركة في الآونة الأخيرة، وفي الجهة المقابلة تحافظ كتلة الوفاء الإسلامية على نصرها الثالث على التوالي بالرغم من المضايقات والاعتقالات التي تتعرض لها، ففي صبيحة يوم الاقتراع داهم الجيش الإسرائيلي بيوت الطلبة في قرية بيرزيت واعتقلوا رئيس مجلس الطلبة السابق أحمد العايش بالإضافة إلى الناشطين أحمد فرج وعمرو الريماوي، هذا عدا عن العديد من المضايقات الأمنية التي يتعرض لها نشطاء الكتلة على مدار العام.    

ما هو الاختراق الذي حصل هذا العام؟

ومن الواضح أن لا اختراق حقيقي في هذه الانتخابات، سوى أن هذه الانتخابات أتت للتأكيد على سطوة كتلة الوفاء الإسلامية للعام الثالث على التوالي، وأن فصائل منظمة التحرير بشكلها الحالي باتت عبئًا على الشارع الشبابي ولهذا فهي ناقمّةٌ عليها، وإن كان لحالة اختراق حقيقي في هذا العام فهي لنسبة مشاركة الطلبة في الانتخابات، فبالرغم من حالة الركود الحاصلة في هذا العام، إلا أن نسبة مشاركة الطلبة في الانتخابات الأخيرة في جامعة بيرزيت كغيرها من السنوات تؤكد على إقبال الطلبة المرتفع على المشاركة، ففي انتخابات العام (2015) بلغت نسبة الاقتراع (77%)، وفي العام (2016) بلغت (76.6%)، بينما في العام (2017) وصلت إلى (74%)، ومقارنة مع الجامعات الفلسطينية لا زالت جامعة بيرزيت تسجل أعلى نسب المشاركة، فنسبة المشاركة في جامعة النجاح الوطنية بلغت (58%)، وفي جامعة بيت لحم (55%)، بينما في جامعة بولتكنيك الخليل بلغت (56%).

لا زالت جامعة بيرزيت تسجل أعلى نسب المشاركة في الانتخابات

وفي حال مقارنة نسّب المشاركة مع انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات الفلسطينية الأخرى في الضفة الغربية، نجد أن بيرزيت لا زالت تحقق اختراقًا حقيقيًا، ويعود لثلاثة عوامل، إدراك كتلّتي الحسم الطلابية خصوصًا وجماعات الضغط المؤثرة فيهما بشكل عام لمدى حساسيّة انتخابات جامعة بيرزيت كونها تقع في مدينة رام الله، وعي طلبة جامعة بيرزيت بأهمية المشاركة وفي ذلك تكريس لممارستهم الديمقراطية باختيار ممثليهم في مجالس الطلبة فلم تتوقف الانتخابات في العشرين عامًا الأخيرة إلا خلال الانتفاضة الثانية في الفترة (2001-2003)، ويحسب لإدارة الجامعة واللجنة التحضيرية للانتخابات قدرتها على إدارة العملية الانتخابية في الجامعة بقدر عالٍ من النزاهة والشفافية وإيمانها العميق بالاستقلالية والديمقراطية والليبرالية ومكانتها النضالية والوطنية.

تساؤلات؟

ليس من الفطنة حصر جملة هذه التساؤلات المنطقية داخل أسوار حرم جامعة بيرزيت فقط، بل يستوجب توجيه جملة هذه التساؤلات إلى القوى السياسيّة، وإلى مؤسسات السلطة الفلسطينية، فقد أظهرت العديد من استطلاعات الرأي أن الشباب بات لا يثق بالقوى والتنظيمات السياسية الفلسطينية، ففئة الشباب باتت الأكثر تضررًا بالوضع المأساوي الذي وصلت له الحالة السياسية والاقتصادية لمؤسسات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأن هذه الشريحة تؤكد عامًا بعد الآخر أنها ناقمةٌ على نخب وسياسات مؤسسات السلطة الفلسطينية.

وتكمن جملة التساؤلات بتساؤل محوري، وهو أن الحركة الطلابية التي تمثل الجسم الديمقراطي الأهم في المنظومة الاجتماعية الفلسطينية بمحافظتها على الحياة الديمقراطية بداخل الجامعات عدا الجامعات الموجود في قطاع غزة، "إلا متى ستبقى تعيش في جلباب أبيها؟" لا شك أن أي مشروع تحرري وطني يحتاج إلى حركة وطنية فلسطينية قويّة، ولكن مما لا شك فيه أن استمرار هيمنة القوى السياسية والأمنية على توجهات وبرامج الحركة الطلابية اليوم سيبقى عائقًا أمام تطوير خطاب طلابّي تحرري. 

 


 

اقرأ/ي أيضًا:

انتخابات جامعة بيرزيت.. أين تكمن أهميتها؟!

أسباب لرفض الانتخابات المحلية الفلسطينية القادمة

ماجستير الدراسات الإسرائيلية ببيرزيت: أول من نوعه