07-يوليو-2016

نتنياهو في جولته (الأناضول)

يقولون أن إسرائيل لا تتحرك دون ضوء أخضر من أمريكا، تفتح أرضًا جديدة بموافقة البيت الأبيض، تخسر ورقة لعب بأمر أمريكي أيضًا، لكن "حالة الارتباك" التي تحيط بغرف صنع القرار في واشنطن بسبب الانتخابات التي ربما تأتي بـ"ترامب" إلى البيت الأبيض، أو تفتح الأبواب لـ"هيلاري"، منحت تل أبيب مساحة واسعة للحركة والصفقات والتحالفات المريبة. 

 كانت النتيجة الأولى للزيارة إعلان تنزانيا رغبتها في تبادل السفراء مع تل أبيب، ما سيتبعه عدة تحركات وتغييرات دبلوماسية في القارة السمراء لـ"كسر عزلة الدولة العبرية"

قبل أيام انطلق بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، إلى جولة أفريقية لا تزال مستمرة حتى الآن بدأت بأوغندا وكينيا وستنتهي برواندا وإثيوبيا. للزائر سر، وللزيارة أسرار ستكشف عنها الأيام المقبلة، لكن المؤشرات، وروايات صحف تل أبيب تقول إن رحلة الدولة العبرية غير بريئة.

اقرأ/ي أيضًا: هل يخشى نتنياهو الفيسبوك فعًلا؟

تمسّ زيارات إفريقيا مؤخرًا وترًا حساسًا لدى جميع الأطراف، خاصة إذا كانت تحوم حول "منابع النيل" بسبب سد النهضة، الذي أصبح بناؤه محسومًا، ما يجعل أول فرض وسبب لرحلة "نتنياهو"، حسب روايات صحف القاهرة، هو غلق "حنفية المياه" عن مصر، رغم إن علاقات البلدين تتطوَّر "للأفضل"!

وخلال الزيارة، من كيجالي عاصمة رواندا، ردّ نتنياهو على مبادرة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، للسلام بين إسرائيل وفلسطين بـ"حل الدولتين"، قائلًا: "ندعم اقتراح السيسي حول السلام مع الجانب الفلسطيني". فيما اهتمت الصحافة العبرية بزيارة نتنياهو، واعتبرتها "تاريخية ومهمة على الصعد الأمنية والسياسية والاقتصادية". وهي ثلاثة مفاتيح يمكن الدخول منها إلى "مكاسب الزيارة".

الخروج من جنة الحلفاء التقليديين

قال الدبلوماسي الإسرائيلي، بوعاز بيسموت، في تصريحات صحفية، إن الزيارة تتم بعد وصول العلاقات الإسرائيلية إلى مرحلة غير مسبوقة من التحسن، خاصة إنها "تغلق صفحة مقاطعة رؤساء حكومات إسرائيل للقارة السمراء".

وأضاف: "أهمية الزيارة في كون القارة الإفريقية تضم 54 دولة كل منها تملك صوتًا في الأمم المتحدة.. والعلاقات معها تمنح تل أبيب غطاء استراتيجيًّا يحميها من الدول المعادية التي تحيط بها". وعبَّر عن التوجه الإسرائيلي إلى توسيع العلاقات مع مجتمعات جديدة بقوله "إفريقيا مهمة الآن بجانب الحلفاء التقليديين في شمال أمريكا وغرب أوروبا".

أما عن التعاون الأمني المباشر فهو فيما يخص وقف تسرب مجموعات مسلحة إلى حدود الدول الأفريقية أو إسرائيل، وتوقيع عقود تجارية خاصة بصفقات السلاح.

اقرأ/ي أيضًا: السودان.. تطبيع قادم مع إسرائيل؟

لا صديق أفضل من "تل أبيب"

يعتمد نتنياهو شكلًا جديدًا من التعاون مع دول حوض النيل أساسه التطبيع الاقتصادي ليصل إلى علاقة "كاملة" مع إفريقيا 

الرغبة في ترميم العلاقات الإسرائيلية - الإفريقية لن تتوقف فقط عند السياسة والأمن، بل ستمتد إلى الاقتصاد. قصد نتنياهو دعوة ثمانين رجل أعمال من خمسين شركة إسرائيلية تعمل في الزراعة والتجارة والمياه والصناعات العسكرية إلى صحبته في الزيارة. لم يخطط فقط لإنعاش اقتصاد بلده، أو اقتصادهم النامي، إنما مدّ خطوط اتصال بعيدة عن السياسة. ولكن تظلّ سياسيّة في المقام الأول عملًا بقوله: "إسرائيل تعود لإفريقيا، وإفريقيا تعود إلى إسرائيل".

بعيدًا عن أزمة حوض النيل، التي تدفع خلالها أثيوبيا كل الدول الصديقة والعدوة إلى مساندتها في موقفها المعارض لمصر في مشروع سد النهضة، ويقال إنه أساس نمو العلاقات "الإسرائيلية - الاثيوبية"، يفعل نتنياهو بزيارته إلى أديس أبابا حزمة عقود أبرمتها تل أبيب في عهد زيناوي.

وتمنح العقود عدة شركات إسرائيلية حق توزيع الكهرباء وتصديرها، إلى جانب صفقات عسكرية لتقوية الجيش الإثيوبي، ومشاريع أخرى تخص الزراعة والري وتسويق التكنولوجيا الإسرائيلية، ولذلك ضمّت 14 وزيرًا.

من جانبه، قال مسؤول وحدة الدراسات الإسرائيلية والفلسطينية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، الدكتور طارق فهمي، إن زيارة نتنياهو لدول حوض النيل، ولإثيوبيا تحديدًا، تستهدف إقناعها بمشروع أرنون سوفير، الذي تتبناه الحكومة الإسرائيلية، والذي يقضي بتسعير المياه عبر إقامة بنك للمياه في الشرق الأوسط، تقدم فيه إسرائيل التقنية والتكنولوجيا اللازمة، على أن تنقل مياه النيل إليها.

وتشير تقارير صحفية إلى أن نتنياهو يعتمد شكلًا جديدًا من التعاون مع دول حوض النيل أساسه التطبيع الاقتصادي ليصل إلى علاقة "كاملة" مع إفريقيا عبّر عنها بقوله "لا صديق لإفريقيا أفضل من تل أبيب".

اقرأ/ي أيضًا: فيسبوك.. الدولة الأكثر خطرًا في عين إسرائيل

تحالف عسكري.. شرط العلاقة الكاملة

بطبيعة الحال، تحاول إسرائيل، في أغلب تحركاتها، كسب أصدقاء جدد واستمالتهم لصفها في الصراع العربي، والفلسطيني تحديدًا، الرغبة التي تفسر استخدام مصطلح "أصوات في مجلس الأمن"، فهي لا تتعامل مع الدول كدول، إنما كأصوات ستصوّت لها حال الدخول في أنفاق "الصراعات الدولية".

لماذا إفريقيا؟ المتابع لأصوات الدول السمراء يعرف أنها دائمة التصويت ضد تل أبيب في المناسبات الدولية والأمم المتحدة، وهو ما تريد إسرائيل تغييره الآن، ونجحت في أن تجد لها "موطئ قدم" في إفريقيا.

على الجانب الآخر، يلعب "سوء النية" دورًا في تفسير "زلة لسان" الرئيس الأوغندي، يوفيري موسيفيني، حينما خلط بين إسرائيل وفلسطين خلال خطاب ألقاه ترحيبًا بنتنياهو بمناسبة الذكرى الأربعين لعملية "عنتيبي" لتحرير الرهائن، وسمى خلال الكلمة إسرائيل بـ"فلسطين" عدة مرات.

كسبت تل أبيب أرضًا جديدة في إفريقيا وهو ما جاءت لتحقيقه، حيث أصبح مطروحًا على مائدة الاتحاد الأفريقي إعادة إسرائيل إلى "مراقب" في منظمة الوحدة الإفريقية، ما يمسّ وترًا حساسًا لدى "نتنياهو" ورجاله، دفعه إلى التصريح في عدة مناسبات ودول بأن "الزعماء الأفارقة يكثفون الجهاد لإعادته".

ووفقًا لموقع "إن آر جي" الإسرائيلي، وعدة مصادر دبلوماسية، كانت النتيجة الأولى للزيارة إعلان تنزانيا رغبتها في تبادل السفراء مع تل أبيب، ما سيتبعه عدة تحركات وتغييرات دبلوماسية في القارة السمراء لـ"كسر عزلة الدولة العبرية" ردّ عليها أحمد أبو الغيط، الوافد الجديد إلى رئاسة الجامعة العربية، بقوله إن علاقات العرب بـ"قارة إفريقيا" لن تتأثر بالزيارة.

تجد علاقات إسرائيل الدولية في الفترة الماضية توترًا على أكثر من مستوى، وهو ما لفت إليه زعيم المعارضة الإسرائيلي، يتسحاك هيرتسوغ، قائلًا لأعضاء كتلة "المعسكر الصهيوني" إن "نتنياهو يترك وراءه دولة بلا حلول لموجة الإرهاب والضيق الأمني الذي يعيشه المواطنون.. ويهرب إلى إفريقيا، حيث الأجواء أكثر راحة وهدوءًا".

يحاول نتنياهو إسكات المعارضة الإسرائيلية عن قصوره في اتخاذ الكثير من القرارات بشأن الصراع العربي الإسرائيلي بتوسيع دائرة علاقاته الأفريقية

يؤكد تطوير الجيش الكيني بأسلحة إسرائيلية ما تشير إليه تقارير دولية حول تحالف إسرائيلي عسكري مع دول شرق إفريقيا ضد الجماعات الإسلامية، وأبرزها "داعش"، بدأ العمل عليه منذ ستة أشهر، خلال الزيارة التي قام بها رئيس كينيا إلى "تل أبيب".

بدأت ملامح "التحالف العسكري" في الظهور مع الزيارة الكينية التي حملت موافقات عدة دول للانضمام، وهي إثيوبيا، وتنزانيا، وأوغندا، ورواندا، وجنوب السودان. تتفق الدول الستة في الرؤية حول ضم إسرائيل إلى "تحالف" يواجه انتفاخ تنظيم "داعش" داخل إفريقيا، واسماها "نتنياهو" في صيغة قصيرة "مكافحة الإرهاب الإسلامي".

وحتى الآن أسست أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأذرع المكلفة بالحرب على الإرهاب مقرًا خاصًا في مدينة "مومباسا" المطلة على المحيط الهندي، تعمل على تصفية خلايا تنظيم القاعدة العاملة في المناطق الكينية الجنوبية والشرقية.

ويعني تشكيل كتلة من دول شرق إفريقيا، ضمن تحالف يضم إسرائيل، ويسعى لمواجهة مخاطر تنظيم "داعش" والتنظيمات المتشددة، تحويل منظمة "إيجاد"، والتي تضم في عضويتها ثماني دول تقع شرقي القارة، إلى منظمة معنية بملفات الدفاع والحرب ضد الإرهاب.

اقرأ/ي أيضًا:

" جوجل ويوتيوب" هل تتعاونان فعلًا مع إسرائيل؟

هجوم بنغلاديش..كيف يغير داعش استراتيجيته لكل دولة؟