22-أغسطس-2018

"بقيتْ ثلاث جروح فقط، ولم تختفي رغم مرور 4 سنوات"، تقول الطفلة داليا خليفة وهي تشير إليها من أمام مرآة مساحيق التجميل الخاصة بأمها.

48 شهرًا مرّت على فجرٍ استيقظت فيه داليا وإخوتها على وقع انفجارٍ هائل محاطٍ بهالة ضخمة من الغبار والشظايا الفولاذية والإسمنتية جرّاء قذيفة دبابة اخترقت جدران منزلهم في حرب العام 2014. "كان كل شيء رماديًا ولا شيء في مكانه".

[[{"fid":"73446","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":427,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]

داليا، (13 عامًا) التي استقبلتنا بطوق أحمر على شعرٍ شبه المُبلّل وترتدي بذلة عيد الفطر الذي انتهى في منتصف حزيران/ يونيو الماضي، أصرّت على وضع أحمر الشفاه. سألتها لم قد تفعل ذلك؟ "كل يوم صبح بحط منه، هيك بكون أحلى، كان وجهي أنعم وأصفى قبل أيام الحرب".

لكن داليا لم تكن تعرف أنّها أصبحت إحدى البورتيرهات الشهيرة في تلك الحرب، فقد تفاجأت أن صورتها طبعت على غلاف كتاب لرفعت العرعير بعنوان Gaza Unsilenced وسألتني "هل حقًا كتبوا عنّي في هذه الصفحات يا عم"؟

[[{"fid":"73444","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":528,"width":480,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

صورة داليا على غلاف كتاب "Gaza Unsilenced"

في بيت عائلتها متعدد الطوابق بحي الزيتون شرق المدينة، بدا كل شيء حولي هادئ إلا من أصوات مولدات كهربائية وأزيز طائرات استطلاع لا تغادر سماء الجيب الساحلي، إلا نادرًا.

سألتها إذا كانت تتخيل الحرب في حياتها اليومية، فقالت: "حتى صوت هذه الطائرات يجعلني أتحسس وجهي أو أضمه كاملًا بين كفيّ أحيانًا.. فكما كانت قذيفة الدبابة تلك عشوائية، يمكن لصواريخ هذه الزنّانة أن تكون عشوائية كذلك". تقول لـ"ألترا فلسطين".

واليوم تقول الطفلة الشديدة الهدوء، إنها تريد أن تكبر بسرعة. "أحلم أن أكون عروسًا ثم لاحقًا خبيرة مكياج في صالون تجميل أديره أنا بعد أن تختفي هذه الندوب الثلاثة". فيما تسعى أمها لتوفير نفقات لإجراء عملية ليزر لإخفائها.

لكن لم خبيرة تجميل تحديدًا؟ سألتُ داليا. فأجابت: "لا أعلم، يمكن لأني بحب المكياج وأجربه على وجهي، ويمكن بخفي هاي الجروح، لكن أنا مش خجلانة من وجودها، إلا ما تروح لما أكبر زي ما راحوا البقية".

عائشة خليفة، أم داليا، (39 عامًا) تتذكر حينما كانت ابنتها داخل مستشفى الشفاء، وهي بالكاد تُلامس جروح ابنتها بعشراتٍ من قطع القطن الطبي تقول إنها ليست متأكدة إذا كانت وزوجها قادرين على تغطية تكلفة العملية.

وتضيف الأم: "إعادة بناء المنزل كلّفنا الكثير من المال، كما أنني أسعى لتزويج 2 من أولادي، أما داليا تتمنى أن تقتني مكتبًا كبيرًا للقراءة لوحدها بدلًا من هذه الطاولة الصغيرة الخاصة بأختها ريماس الشديدة الغيرة على مقتنياتها".

وتقول الأم المتحمّسة لتعافي طفلتها بنسبة 100% إنها أرسلتها إلى صالون تجميل قبل ساعاتٍ من زفاف خالها في 30 حزيران/ يونيو ورجعت إلى البيت وكانت في غاية السعادة. "كان لا بد أن أفعل ذلك مع مراهقة حتى تشعر أنّها ليست أقلّ جمالًا من الفتيات الأخريات في الحفل، واليوم آمل أن تتخلص من التبول اللاإرادي الذي لازمها منذ إصابتها".

"داليا تهتم بكل تفاصيل ديكور المنزل، رغم أنه قليل الأثاث". "تكره الفوضى وتتطوع دائمًا لمساعدتي.. إنها مملكتي وملكتي". تقول الأم.

اقرأ/ ي أيضًا: "زهرات" تحكي كيف تقضي الأسيرات القاصرات أيامهن

قبل أن نرحل من منزل السيد خليفة، سألتني داليا إذا كان للجنود الإسرائيليين قراءة هذه الأسطر التي دوّنتها. أجبتها أنني لا أعرف. "ربما". أما هي فأجابت: "اعتقدت أن الجنود سيقرأونه ويشعرون بالعار من تشويه وجهي". وتمتمت: "لا أعتقد أنهم يجيدون القراءة.. إنهم يجيدون إطلاق النار فحسب".

ويقول تقرير لوزارة الإعلام نُشر العام الماضي إن الجيش الإسرائيلي قتل أكثر من ثلاثة آلاف طفل منذ بدء انتفاضة الأقصى في الـ28 من أيلول/ سبتمبر 2000 وحتى نهاية آذار/ مارس 2018، فيما سجلت وزارة الصحة استشهاد 20 طفلًا من أصل 148 ارتقوا برصاص الجيش في أحداث مسيرات العودة المستمرة منذ نهاية آذار/ مارس الماضي.

شُهرة داليا لم تكن لولا وجود المُصور الصحفي محمد أسعد الذي أسرع إلى المشفى آنذاك في 9 أغسطس 2014 للقائها والتقاط صورٍ لها بعد أن تخيل صورة الطفلة الأفغانية الشهيرة "شربات جولا" التي التقطها المصور الأمريكي "ستيف ماكوري" ونشرها لاحقًا في "ناشيونال جيوغرافيك".

"اعتقدت أن لداليا قصةً مؤلمة، كباقي مئات الأطفال الذين قضوا أو أصيبوا في تلك الحرب". يقول أسعد. صحيح أنها كانت متوترة؛ لكن الغريب أنها لم تتألم أو تذرف دمعةً واحدة.. أعتقد أنها كانت تتألم من داخلها، وتحاول إثبات قوتها أمام نفسها أو أمها".

الصورة التي التقطها محمد الذي سُوّي منزله بالأرض خلال العدوان، لم تجد طريقها فورًا إلى الملأ. كانت بحاجة إلى الانتظار شهرًا كاملًا. مبررًا أن "صورةً قويةً كهذه بحاجة إلى عنوان يُماثل قوتها.. حتى رأيتُ أنها عصيّة الدمع فعلًا واستحقت ذلك اللقب".

[[{"fid":"73445","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":640,"width":480,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

الطفلة داليا خليفة "عصيّة الدمع" | التقط الصورة: المصور محمد أسعد

وفازت الصورة بالجائزة الكبرى لمسابقة (روح الإنسانية) الفوتوغرافية التي نظمها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكانت عبارة عن كاميرا من طراز "جو برو"، ويقول إنه يثبتها فوق خوذته دائمًا لتوثيق مزيدٍ من الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين. "هناك آلاف القصص المأساوية التي صنعها الجنود الإسرائيليون ويجب أن تظهر للعلن".

"أعتقد أن استراتيجية الجيش الإسرائيلي تعتمد على تلقين الدروس القاسية لكل فلسطيني يفكر في مقاومته، من خلال تعمد التسبب ببتر الأطراف وترك معاقين خائفين". يقول المصوّر أسعد لـ"ألترا فلسطين".

مارسيا بروفي، المستشار الأول للصحة العقلية في منظمة "أنقذوا الأطفال" في الشرق الأوسط قالت في بيانٍ لها الشهر الماضي: "إن جيلًا كاملًا من الأطفال في غزة يعيشون على حافة السكين، فيما ستودي صدمةُ أخرى قد يتعرضون لها إلى آثارٍ مدمرة طوال حياتهم".


اقرأ/ي أيضًا: 

أطفال فلسطين في سجون الاحتلال.. لقاء مبكر بالجلاد

أحمد قعبور: رأيت مع ريم البنا الأمل في أطفال فلسطين

كيف سرق الاحتلال ضوء حسان التميمي وأبدله كوابيس؟

"البنانير" أو "القلول" لعبة طفولة لا تُنسى