28-ديسمبر-2019

مرت عقودٌ ومازال الحاج عبد اللطيف وهدان من قرية تياسير شرق طوباس يحتفظ بوثائق شراء أرضه من البطريركية اللاتينية، يحافظ عليها من التلف أو الضياع، إلا أن هذه الأوراق التي هي الشاهد الوحيد على شرائه لأراضيه، لم تُمكّنه من تسجيل الأرض في دائرة تسجيل الأراضي، ولم تمنع البطريركية من إعلانها عن طرح الأراضي للبيع.

قرية تياسير شرق مدينة طوباس ممتدة بشكل أفقي من أراضي الثغرة غرب المدينة إلى الأغوار الشمالية شرقًا، تمتلك بطريركية اللاتين 12,850 دونم منها، ونصف منشآت القرية مقامة على أراضي البطريركية غير المسجلة في دائرة تسجيل الأراضي.

مخاوف في قرية تياسير من تسريب آلاف الدونمات التي تملكها البطريركية اللاتينية إلى المستوطنين بعد طرحها للبيع

وحسب رواية سكان القرية، فإن بطريركية اللاتين اشترت الأرض من الإقطاعي حسن حماد بطلب من الحاج أمين الحسيني عام 1934، وهذه الأرض تقع ضمن 11 حوضًا، وتمتد على شكل لسان أرضي بطول 10 كم وبعرض  1.5 كم تقريبًا بين أراض حكومية معظمها مصنفة اليوم مناطق ج  وفق اتفاق أوسلو.

صورة عامة لقرية تياسير

أهل هذه القرية وبينهم وهدان، اشتروا قسمًا من أراضي البطريركية لكن لم يتم تسجيل ما اشتروه بشكل رسمي، وقسمٌ آخر من الأراضي تم الاتفاق بين الأهالي والبطريركية على زراعتها مقابل حصول كل طرف على نصف عائدات الأرض في أول 15 سنة، على أن تُصبح حصة المزارع بعد ذلك 70% من منتجات الأرض.

اتفاقية بين وهدان والبطريركية في عام 1974

وتفجرت مؤخرًا أزمةٌ بين الطرفين بسبب إعلان البطريركية نيتها بيع أراضيها في القرية، واعتبارها المزارعين معتدين على هذه الأراضي، وهو ما أغضب المزارعين الذين يملكون ما يُثبت أنهم اشتروا الأرض أو اتفقوا على نظام المزارعة معها، هذا عدا عن مخاوف حقيقية من تسريب الأراضي للمستوطنين.

يقول وهدان: "اشتريت الأراضي من البطريركية على فترات، بما كان معهودًا به في البيع والشراء، ضمن سندات وأوراق مختومة بطوابع أردنية، تسمى حجج بيع، عن طريق وكيل البطريركية. استطعت تسجيل دونمين من أصل إحدى عشر دونمًا، إلا أن حرب النكسة حالت دون تسجيل بقية الأراضي".

أشرف الحاج وهدان على تأهيل هذا الجبل بنفسه، فبدأ باستصلاح الأراضي وشق الطرق على يديه لسنوات ثم بالآلات بعد وصولها

يسكن الحاج وهدان في أحد جبال قرية تياسير، وقد أشرف على تأهيل هذا الجبل بنفسه، فبدأ باستصلاح الأراضي وشق الطرق على يديه لسنوات ثم بالآلات بعد وصولها. يقول: "كنت أشتري شاحنات الحصى والتراب لاستصلاح هذا الجبل، وكانت تكلفة الشاحنة 30 دينارًا على حسابي الخاص، ولم يكن بالمستطاع وصول المركبات، لصعوبة الأرض الوعرة".

ويضيف، "بنينا منازلنا بموافقة البطريركية، أنا أسست هذا الحي الذي أصبح مهددًا بالبيع".

يمتلك الحاج وهدان سندات أخرى شبيهة بسندات شراء الأراضي، إلا أنها مخصصةٌ كسندات "مُزارعة الأراضي" وتتعلق بزراعة الحقول واستصلاح الاأراضي.

أحد عشرات السندات التي يمتلكها الحاج وهدان

"أول ما بدأت أزرع ضمنت 28 دونمًا، واليوم معي 45 دونمًا، ضمن اتفاقيات مُزارعة على نسبة" قال وهدان الذي كان عند زيارتنا له يمارس عمله اليومي الذي يحبه في ترتيب سلاسل الحجارة، ورعاية أشجار الزيتون، وحقول البلدة. وأضاف، "أمضيت حياتي هنا في خدمة هذه الأرض، كل ما أريده من البطريركية هو حقوق مزارعتي قبل بيع أراضيها".

يؤكد وهدان، أنه يملك كافة السندات التي تثبت أنه أعطى البطريركية حقها سنويًا بناءً على اتفاق المزارعة، باستثناء آخر 6 سنوات، إذ لم تصدر البطريركية منذ ذلك الحين أي سندات.

إعادة طرح البطريركية أرضها للبيع لا يمس كبار السن الذين اشتروا الأراضي منها، بل أضر بالأحفاد أيضًا، وكانت سببًا في تراجع عدد سكان القرية.

يُعرب الشاب محمد دبك عن مخاوف شديدة على شقته التي بناها على أرض ورثها من جده الذي اشتراها من البطريركية، مضيفًا أنه لا يعرف إن كان بيته مازال حقًا له أو أصبح لغيره.

ويضيف، "أقراني الشباب زحفوا إلى مدينة طوباس لوضع البلدة في عدم القدرة على شراء الأراضي والبناء عليها، مما أدى إلى تراجع عدد السكان في السنوات الأربع الأخيرة.

تراجع عدد السكان في تياسير في السنوات الأربع الأخيرة بسبب ذهاب الشباب إلى طوباس للسكن لعدم إمكانية شراء الأراضي

رئيس مجلس تياسير حسن دبك قال، إن شراء الأراضي من البطريركية تم عن طريق وكلائها المتعاقبين، وحاليًا يوجد 550 دونم تم شراؤها بسندات قبض واتفاقيات بما يسمى حجج بيع، كما كان معهودًا في تلك الفترة، وأُقيم عليها 250 بيتًا ومنشأة من أصل 500 في القرية، وبنيت بموافقة البطريركية".

ويضيف دبك، أن مزارعين يمتلكون سندات قبض مزارعة بأراضي البطريركية، مسجلة في سجلات البطريركية، وهم 63 مزارعًا من عائلة أبو محسن في طوباس، و86 مزارعًا من القرية، نافيًا بشدة أي اعتداء من المزارعين على الأراضي باستثناء تلك التي يملك قسمٌ من المزارعين سندات بيع أو مزارعة بها.

وطالب دبك بأن تقف السلطة والبطريركية عند مسؤولياتهما تجاه المواطنين، وأن يتم تسجيل الأراضي التي بيعت بسندات قبض، وأن تلتزم البطريركية بحقوق المزارعة للمزارعين الذين عملوا في أراضيها منذ ما يقارب 100 عام.

توسع البلدة مرتبطٌ الآن بإيجاد حل جذري لمشكلة أراضي البطريركية التي طرحت مؤخرًا للبيع، فعدم تسجيل الأراضي يشكل عائقًا أمام امتدادها وتقدمها، وفق دبك الذي أكد أنه يجب أن تكون الأولوية في شراء هذه الأراضي لأهالي البلدة الذين يعملون في الأرض وفق اتفاقيات سابقة.

وتفصل قرية تياسير بين الأغوار الشمالية ومدينة طوباس، ومازالت تشكل عقبة أمام استيلاء الاحتلال على أراضي طوباس ووصول الاستيطان له، وفق ما يؤكده الأهالي الذين لا يخفون تخوفهم من تسرب الأراضي المعروضة للبيع إلى المستوطنين، ولذلك فإنهم يطالبون بأن يكون بيع الأراضي علنيًا، وهو ما شدد عليه دبك أيضًا.

محافظة طوباس وبطريركية اللاتين رفضتا الإجابة على أسئتلنا في هذا الموضوع

وأشار دبك إلى أن محافظة طوباس بدأت بمسح الأراضي في القرية بعد احتجاجات واسعة من الأهالي، من أجل مفاوضة البطريركية والتوصل لاتفاق معها بخصوص الأراضي.

عندما اتصلنا بالمحافظ يوسف العاصي أجاب باختصار، "عملنا على حماية الأرض من التسريب والحفاظ عليها"، رافضًا في الوقت ذاته الإسهاب في الحديث حول هذه الأزمة.

تواصلنا مع البطريركية على مدار شهرين للحصول على إجابات حول تساؤلات أهل القرية ومجلسها المحلي، لكن البطريركية ظلت تؤجل الرد على أسئلتنا طوال هذه المدة دون تقديم مبررات واضحة.


اقرأ/ي أيضًا: 

أصابع بوذا ويد الاحتلال في الأغوار

عزبة أبو آدم: مغارة في مواجهة الاستيطان

وادي قانا: هل تتحقق النكبة الثانية؟