16-أكتوبر-2019

بدأت نقابة الصيادلة نهاية شهر حزيران/يونيو الماضي، إجراءاتٍ "لضبط" أسعار الأدوية في الصيدليات بالضفة الغربية، ما أثار انتقاداتٍ واحتجاجاتٍ بين الفلسطينيين الذين رأوا في هذه الإجراءات ضربة لـ"التنافس" بين الصيدليات ومنعًا لتخفيض الأسعار، واتهم قسمٌ منهم، النقابة بـ"الجشع والطمع".

اتهامات لنقابة الصيادلة بالجشع والطمع بعد أن بدأت بإجراءات تحديد أسعار الأدوية ومنع الخصومات

الشاب إبراهيم المصري، قال إنه شاهد مُسنًا في صيدليةٍ بالخليل يطلب صرف وصفة طبية فكان السعر يُقارب 500 شيكل، وعندما استغرب ذلك لأنه كان معتادًا على شراء الأدوية بأسعار مخفضة من هذه الصيدلية، أجابه الصيدلاني بأن نقابة الصيادلة شددت على الالتزام بأسعار الأدوية، فخرج المسن دون شراء الدواء.

اعتبر المصري ذلك "صدمة ممن يضعون في ميثاق شرف مهنتهم، صحة وحياة الإنسان هي الأولوية الأولى".

اقرأ/ي أيضًا: عن تاريخ الصيدلة في فلسطين

أما الشاب أحمد حاتم فقال إنه كان يشتري دواء "Entresto" المخصص لمرضى قصور القلب بسعر 314 شيكل بدلاً من 370 شيكل هو سعر العلبة، مضيفًا أن الصيدلاني كان يفعل ذلك باعتبارها صديقًا شخصيًا له، وهو يحتاج علبة دواء كل 28 يومًا.

وأضاف، "الآن بعد هذه الإجراءات سنكون مضطرين للبحث عن الدواء في الخارج مثل طلبه من المسافرين إلى تركيا لأن سعرها هناك يصل إلى النصف".

هذا "التنافس" في الأسعار الذي يُريده المحتجون على الإجراءات تَبَيَّن لـ الترا فلسطين أنه وفق قانون النقابة يجب أن لا يشمل الأسعار، بل يجب أن يكون خدماتيًا وفي التعامل مع المرضى وتقديم المعلومات الكاملة عن الأدوية، إذ يجب أن يُقدم الصيدلاني معلوماتٍ وافيةٍ عن الدواء تتجاوز كيفية تناول الجرعة إلى توضيح آثاره الجانبية وأهميته وفوائده.

القانون يمنع التنافس في أسعار الأدوية ويسمح به في الخدمات، أما الأسعار فتحددها لجنة مشتركة من عدة جهات

وتحديد الأسعار، وفق مجلس نقابة الصيادلة "عملية مضبوطة وليست عشوائية"، وتتم من خلال اللجنة الفنية الدوائية المنبثقة عن وزارة الصحة، وتتشارك فيها نقابة الصيادلة والضابطة الجمركية ودائرة حماية المستهلك واتحاد الموردين واتحاد الصناعات الدوائية.

اقرأ/ي أيضًا: صيدليات تبيع أدوية ليست للبيع مفقودة في وزارة الصحة

ووفق النقابة، فإن قانون التسعير المعمول به وتخضع له كافة أصناف الدواء المتداولة في الصيدليات لا تتخطى نسبة الربح فيه 30% عندما يكون سعر الدواء من 1-50 شيكل، وتقل إلى 25% عندما يكون السعر 50-200 شيكل، ثم تقل إلى 20% عندما يكون سعر الدواء 200-400 شيكل، وتكون النسبة الأقل 10% عندما يزيد سعر الدواء عن 400 شيكل.

وبحسب النظام الداخلي لنقابة صيادلة فلسطين 2017، فإن المادة (33) تمنع الخصم على الأدوية، فيما كانت بعض الصيدليات تمنح خصمًا بنسبة 10%، وهو كما يصفه صيدلانيٌ من رام الله "خصمٌ تجاريٌ لا قيمة له بالنسبة للمريض. فماذا يعني أن تشتري بقيمة 100 شيكل وأمنحك خصمًا لا يتجاوز 10 شواكل؟".

علم الترا فلسطين أن النقابة تعتمد على طريقتين لكشف التزام الصيدليات بالأسعار، الأولى هي إرسال أشخاص من طرفها لشراء أدوية من الصيدليات ومعرفة الأسعار من خلالها، والثانية هي انتظار المرضى أثناء خروجهم من الصيدليات وسؤالهم عن أسعار الأدوية التي اشتروها، إضافة لما تقدمه تفتيشات وزارة الصحة من كشوفات للنقابة حول الصيدليات المخالفة.

إضافة لذلك، فإن الفترة الماضية شهدت شكاوى عديدة من الصيادلة عبر موقع "فيسبوك" من المضاربات، وقد عرف الصيادلة بها من خلال المرضى الذين "يُفاصلون" في أسعار الأدوية قائلين إنهم اشتروا الدواء ذاته من صيدلياتٍ أخرى بأسعار أقل.

وتنص المادة 32 من قانون مزاولة المهنة على أن "يعتمد وزير الصحة أسعار الأدوية وهامش الربح لكل مستحضر بناء على تنسيب اللجنة".

ومنذ بدأت النقابة إجراءاتها قبل ثلاثة شهور، استطاعت "ضبط الوضع" في صيدليات محافظتي الخليل وجنين، ثم بدأت بالعمل ضمن نطاق محافظة بيت لحم، على أن تشمل الإجراءات كافة محافظات الضفة الغربية لاحقًا.

وبيّن النقيب أيمن الخماش، أن هذه الإجراءات "من واجبات النقابة في تنفيذ قانون مزاولة مهنة الصيدلة ومراقبة الالتزام به بما يضمن حقوق الصيدلاني والمريض".

وكشف الخماش، أن السنوات الماضية شهدت استخدام صيدلياتٍ "أساليب غير قانونية" في تحقيق الأرباح، من بينها إدخال أدوية بطرق غير قانونية من خارج الضفة الغربية، إضافة إلى الإتجار بأدوية التأمين الصحي الإسرائيلي "كوبات حوليم" والتأمين الصحي الفلسطيني، والعينات الطبية".

صيادلة يتاجرون بأدوية التأمين الصحي الفلسطيني والإسرائيلي والعينات الطبية

وأشار إلى أن منطقتي برطعة قرب جنين وكفر عقب قرب القدس من أكثر المناطق في تهريب الأدوية بحكم وقوعهما في مناطق لا تملك السلطة الفلسطينية أي نوع من السيطرة عليها، إضافة لاتصالهما المباشر مع نقاط العبور للداخل المحتل.

اقرأ/ي أيضًا: منشطات جنسية قاتلة تباع سرًا في الضفة

ولا تُعتبر إسرائيل المصدر الوحيد للأدوية "غير القانونية" التي توفرها الصيدليات، إذا أفادنا صيدلانيٌ طلب عدم كشف اسمه أنه خلال عمله في إحدى الصيدليات كان مالك الصيدلية يوصي أقاربه المسافرين للسياحة في تركيا ومصر والأردن بشراء أدوية معينة من إنتاج شركات عالمية، تحديدًا أدوية الأمراض المزمنة التي تعتبر غالية الثمن في صيدليات الضفة.

وبيّن المصدر، أن الصيدلاني كان يُخفي هذه الأدوية في أماكن سرية داخل الصيدلية وفي عقار يخصه في محيطها، إضافة إلى التمويه عليها من من خلال كشط اسم البلد المنشأ عن علب الدواء وأية دلائل على أنها من خارج البلاد، فلا يستطيع أحدٌ في الغالب الانتباه إلى أنها غير قانونية.

وأضاف أن مالك الصيدلية كان يستخدم أيضًا العلب المختومة بختم نقابة الصيادلة للتمويه في حال تعرضه للتفتيش، فيضع الدواء المهرب الذي لا يحمل ختم النقابة داخل علب أدوية مختومة ومتوفرة بشكل قانوني.

أحد الأمثلة على ذلك، وفق مصادرنا، أن دواء Crestor 20mg الخاص بعلاج الارتفاع المزمن في الدهنيات في الدم، يُجلب من تركيا بسعر 44 ليرة تركية (ما يعادل 27 شيكل)، ويباع بحدود 90-100 شيكل، أي بنسبة ربح تفوق 60%، بينما تسعيره الدواء القانوني في السوق الفلسطيني 126 شيكل، وضمن هذه التسعيرة وبحسب القانون فإن نسبة ربح الصيدلي الحاصل على الدواء بشكل قانوني هي 25%.

ومن الأدوية المهربة أيضًا، مقوياتٌ جنسيةٌ مختومة بختم عيّنات طبية، كان يبيعها بأسعار باهظة، بعد أن يكشط الختم، ثم يتفق مع أطباء من معارفه على كتابة هذه الأصناف ضمن الوصفات الطبية لمرضاهم، مع توصيتهم بالذهاب إلى صيدليته تحديدًا لصرف الأدوية منها، ما يعتبر مخالفة واضحة لنص المادة 36 من قانون مزاولة المهنة.

هذا التهريب أتاح لبعض الصيادلة بيع الأدوية المهربة بأسعارٍ أقل من مثيلاتها القانونية في السوق، ما أجبر الصيدليات العاملة بشكل قانوني على تخفيض أسعار الأدوية، وبالتالي تكبيدها خسائر فادحة دفعت بعض الصيدليات لإغلاق أبوابها.

أدوية مهربة في صيدليات الضفة  تُباع بأسعار أقل من القانونية لكنها تحقق أرباحًا مضاعفة، ما كبّد صيدليات خسائر فادحة

يرى الصيادلة أن هذا الأسلوب "فيه استغلالٌ للناس ومضاربة غير قانونية ولا أخلاقية" داخل المهنة، ولذلك فإنهم يُعبرون عن سعادتهم بهذه الإجراءات التي قال صيدلانيٌ يملك صيدلية في محيط منطقة المنارة في رام الله إنها "تُعيد الاحترام لمهنة الصيدلة، وتمنع الاستغلال التجاري للصيدلية بشكل غير أخلاقي" وفق وصفه.

وأفاد الصيدلاني بأن القانون يمنع أن تُقدم الصيدليات الهدايا للمرضى مثل الحقائب وما شابه، لكنه يسمح بتقديم الأدوية كهدايا للمرضى غير المقتدرين، إضافة لمنع كل أشكال الدعاية للصيدليات، بما في ذلك الدعاية عبر السوشال ميديا، مضيفًا أن كثيرًا من الصيدليات تتجاوز هذا المنع.

توافقه في ذلك الصيدلانية سماء الأطرش من الخليل، إذ رأت أن إجراءات النقابة "جعلت الوضع أفضل وأعادت للصيادلة احترامهم بعد أن كان المرضى يفاصلون على الشيكل والشيكلين، حتى تشعر أنك في سوق الخضار وليس في صيدلية".

وتنص المادة (34) من قانون مزاولة مهنة الصيدلة على أنه "يحظر على المؤسسة الصيدلانية شراء الأدوية إلا من الجهة المرخص لها ببيعها كما يحظر عليه بيع الأدوية التي انتهت صلاحيتها أو العينات الطبية المجانية أو الأدوية التالفة أو المهربة أو المباعة لوزارة الصحة أو الخدمات الطبية العسكرية أو وكالة الغوث أو تبرعات الأدوية الواردة إلى فلسطين".

وفي الشكاوى التي استمع لها الترا فلسطين، قال مرضى يشترون الأدوية المزمنة إن الصيدليات التي كانت تمنحهم خصوماتٍ توقفت عن ذلك وأبلغتهم أن الخصومات بعد الآن تعني إغلاق الصيدليات أو إلزامهم بدفع غرامات باهظة تصل إلى ألف دينار أردني.

ونفى الخماش أن تصل العقوبات على الخصومات إلى إغلاق الصيدليات، مبينًا أن الغرامات تتراوح بين 250 - 500 دينار، وهذا يُحدده "تاريخ الصيدلية في المخالفات" وفقًا لنص المادة 93 بند 3 من قانون مزاولة المهنة، والمادة 99 من ذات القانون.

وأضاف أن لجنة تنظيم المهنة في المحافظات أبلغت الصيدليات بالأشخاص "ذوي الأحقية" بالحصول على الدواء مجانًا لظروفهم الصعبة، مؤكدًا أنه تكرر أكثر من مرة صرف وصفاتٍ مجانية للمحتاجين في صيدليات الخليل، "والنقابة تراعي هذه الحالات بكل مودة وانتماء" كما قال.

يؤكد الخماش، أن نقابة الصيادلة ومهنة الصيدلة تواجهان تحديًا هائلاً في التصدي لمحاولات تحويل الصيدلة لقطاع استثماري من قبل أصحاب رؤوس الأموال، مضيفًا أن أول خطوات هذا التصدي هي إتمام إجراءات ضبط الأسعار في السوق "لما لها من تشعبات تتداخل مع أمور أخرى، مالية على وجه الخصوص" كما قال.


اقرأ/ي أيضًا: 

أعشاب سامة في "دكاكين الطب البديل" في غزة

العيادات الخاصة: مرضى يتعلقون بقشة أدوية عشوائية

مستحضرات تجميل في غزة: ميدان تجارب